· إننا نسمع مراراً وتكراراً، على مدار الأعوام الـ 16 الفائتة، مصطلح "القضايا الجوهرية"، والذي يُقصد من ورائه تحديد المسائل الرئيسية الكامنة في صلب المحادثات [بين إسرائيل والفلسطينيين]، مثل الحدود والمستوطنات والقدس واللاجئين وما شابه ذلك. لكن في واقع الأمر، فإن هذه المسائل لا تشكل "لبّ النزاع" الإسرائيلي ـ الفلسطيني، وإنما ما يشكّله هو رفض كل جانب الاعتراف بـ"رواية" الجانب الآخر، ويبدو أن الأميركيين يواجهون صعوبة كبيرة في إدراك هذا الأمر.
· إن الرواية الفلسطينية تؤكد أن البريطانيين لم يمنحوا الفلسطينيين دولة مستقلة خاصة بهم، في إثر المساعدات التي قدمها العرب لهم في حربهم ضد تركيا في إبان عشرينيات القرن الفائت وثلاثينياته، وذلك على غرار ما فعلوا (وفعل الفرنسيون في وقت لاحق) مع سكان العراق والسعودية والأردن وسورية ولبنان، ولذا، فإنهم كانوا مضطرين إلى تقاسم البلد مع غرباء أتوا، في معظمهم، من أوروبا. وهم ما زالوا يرفضون هذا التقاسم.
· كما أن الفلسطينيين ما زالوا متمسكين بحق لاجئي 1948 و 1967 في العودة إلى أراضيهم "المنهوبة". ويبدو أن الفلسطينيين يرغبون، أكثر من أي شيء آخر، في انتزاع اعتراف بكونهم ضحايا، وفي تحقيق "العدل" والانتقام و"العودة إلى البيت". صحيح أنهم يرغبون، في الوقت الحالي، في التحرر من الاحتلال الإسرائيلي، لكن سيكون من الخطأ ترجمة هذه الرغبة على أنها تطلّع إلى إقامة دولة مستقلة.
· إن الرواية الصهيونية هي رواية معاكسة تماماً، ووفقاً لها فإن هذا البلد (كله) كان في الماضي ملكاً للشعب اليهودي، وقد اعتُرف بهذه الملكية مجدداً في سنة 1923. والأهم من ذلك كله أن اليهود هم شعب لا ديانة، كما أن الحق في العيش هنا يشمل اليهود في أماكن وجودهم كافة. وبما أننا كنا على استعداد للتوصل إلى تسوية، وهو ما رفضه الجانب الآخر، فإن المشكلة الأكبر تبقى كامنة في رفض العرب الاعتراف بحق الشعب اليهودي في الحياة في إطار دولة مستقلة خاصة به، كما الشعوب الأخرى كلها.
إن رفض [رئيس السلطة الفلسطينية السابق] ياسر عرفات الموافقة على مقترحات [رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق] إيهود باراك و[الرئيس الأميركي الأسبق] بيل كلينتون، في سنة 2000، لم يكن ناجماً عن وجود فجوات كبيرة بين الجانبين، فيما يتعلق بـ "القضايا الجوهرية"، وإنما كان ناجماً عن إدراك عرفات أنه في حال موافقته على إقامة دولة فلسطينية صغيرة ومحدودة المساحة، سيكون مضطراً إلى الاعتراف بالرواية الصهيونية. ويبدو أن ما لم يكن في إمكان عرفات قبوله في سنة 2000، ليس في إمكان [رئيس السلطة الفلسطينية الحالي] محمود عباس قبوله في سنة 2009.