الهدوء الأمني الذي حظيت إسرائيل به خلال العام الفائت آخذ في التقوّض
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

·       لا شك في أن وضع دمشق، في الآونة الأخيرة، على خريطة السياحة الأميركية، وفقاً لقائمة المواقع السياحية المفضلة في العالم لسنة 2010، والتي نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز" قبل ثلاثة أسابيع، وكذلك التعيين المتوقع لسفير أميركي جديد في دمشق، هما دليل على حدوث تقارب متجدد بين نظام بشار الأسد وبين الولايات المتحدة، وذلك بعد أعوام طويلة من القطيعة والتوتر الشديد. فضلاً عن ذلك، فإن الأسد صرّح، في مقابلة أدلى بها مؤخراً إلى صحيفة "نيويوركر" الأميركية، أنه استأنف التعاون الاستخباراتي مع الولايات المتحدة وبريطانيا ضد "الإرهاب".

·       إن هذه الإشارات تدل على أن الأسد يسعى لتوثيق العلاقات مع أميركا، من دون أن يكون مضطراً إلى "المرور عبر القدس"، ومن دون التنازل عن التحالف الاستراتيجي مع إيران. وعلى ما يبدو، فإنه نجح في التمسك بمواقفه في مقابل الأميركيين، من دون أن يكون مضطراً إلى مصافحة يد إسرائيلية، أو إلى تليين موقفه إزاء العملية السياسية، بل على العكس، قال لمراسل صحيفة "نيويوركر"، سيمور هيرش، إن التعاون الاستخباراتي سيكون رهن "التقدّم السياسي".

·       وخلال الأشهر القليلة الفائتة كان الهدوء على جانبي الحدود مع سورية هو سيد الموقف، كما أن إسرائيل وسورية تبادلتا رسائل غير ملزمة بشأن رغبتهما في السلام. لكن على ما يبدو فإن إسرائيل ليست راغبة في الانسحاب من هضبة الجولان، في حين أن سورية ليست راغبة في المجازفة بحرب، وفي الوقت نفسه فإن الأسرة الدولية تبدو مهتمة بالفلسطينيين، وتتغاضى عن المسار السوري.

·       مع ذلك، فقد انفجرت، الأسبوع الفائت، وعلى حين غرة، أزمة حادة بين الجانبين، وبدأ سياسيون سوريون وإسرائيليون عملية تحذيرات وتهديدات علنية متبادلة. فقد حذّر وزير الدفاع الإسرائيلي، إيهود باراك، من أنه في ظل غياب التسوية مع سورية، فإنه من المحتمل أن نصل إلى مواجهة عنيفة معها، وهذه المواجهة ربما تصل إلى حرب شاملة، بينما هدد وزير الخارجية السورية [وليد المعلم] بمسّ العمق الإسرائيلي، في حين هدّد نظيره الإسرائيلي [أفيغدور ليبرمان]، رداً عليه، بإسقاط "نظام الأسد وعائلته".

·       وإزاء ذلك، فإن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، حاول إرضاء وزيريه، فأصدر بيانا أكد فيه أن "إسرائيل تتطلع إلى التوصل إلى سلام مع سورية من دون شروط مسبقة" (وذلك لمصلحة باراك)، وأن "إسرائيل سترد بحزم على أي تهديدات تتعرض لها" (وذلك لمصلحة ليبرمان).

·       وبالعودة إلى الذاكرة التاريخية، فإن الوضع الحالي يبدو مثيراً للقلق، ذلك بأن حرب الأيام الستة [حرب حزيران/ يونيو 1967] اندلعت عندما قام رئيس هيئة الأركان العامة في ذلك الوقت، يتسحاق رابين، بتوجيه تهديد فحواه التعرض للنظام السوري، وذلك جرّاء تأييده العمليات المسلحة لحركة "فتح". وتُعتبر تهديدات ليبرمان أمس بمثابة تكرار لتلك المجازفة الخطرة نفسها.

·       غير أننا لسنا بحاجة إلى العودة إلى الماضي البعيد كي نلاحظ أن الهدوء الأمني الذي حظيت إسرائيل به خلال العام الفائت كله، آخذ في التقوّض. ويكفي لإثبات ذلك إحصاء الأحداث التي وقعت خلال الأسبوع الفائت فقط، وهي: عملية اغتيال المسؤول العسكري في حركة "حماس" [محمود المبحوح] في دبي، والتي جرى تحميل إسرائيل مسؤولية ارتكابها؛ هجمات البراميل المفخخة في الشواطئ الجنوبية؛ إطلاق صاروخ إيراني إلى الفضاء؛ التهديدات المتبادلة بين إسرائيل وسورية. كما أن المسؤولين في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية يحذرون من احتمالات حدوث توتر موسمي في الشمال، عشية الذكرى السنوية لاغتيال [المسؤول العسكري في حزب الله] عماد مغنية.

 

·       بطبيعة الحال، يمكن النظر إلى هذه الأحداث كلها، باعتبارها تطورات عادية في سياق الحرب الباردة التي تخوضها إسرائيل مع إيران وسورية، لكن التجربة في الشرق الأوسط أثبتت أن الانتقال من الهدوء إلى التوتر، ومن التوتر إلى الحرب، يتم في لمح البصر. ولذا، فإن المطلوب الآن هو مزيد من الحذر في الأعمال والأقوال الصادرة عن زعماء الجانبين.