النمو الاقتصادي الإسرائيلي الطويل الأمد مرهون بحل النزاع مع الفلسطينيين
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

·       لا شك في أن معطيات الاقتصاد الإسرائيلي، في الوقت الحالي، هي معطيات جيدة، فالنمو الاقتصادي في ارتفاع، والبطالة في انخفاض، وحالة ميزان المدفوعات جيدة، وثمة سيطرة [حكومية] على التضخم المالي. ولا عجب، والحالة هذه، في أن [وزير المالية] يوفال شتاينيتس و[رئيس الحكومة] بنيامين نتنياهو لا ينفكان يتباهيان بهذه المعطيات، ويؤكدان أنها بمثابة دليل على صحة سياستهما.

·       غير أن شتاينيتس ونتنياهو يعتقدان أن النمو الاقتصادي الحالي سيظل مستقراً وثابتاً لفترة طويلة، وأن إسرائيل هي دولة إقليمية عظمى يمكنها الاعتماد على قواها الذاتية، وعدم أخذ الضمانات المالية من دول أخرى في الاعتبار. ولعل آخر دليل على هذا الاعتقاد كامن في ردة فعل وزير المالية الإسرائيلية على تلميح المبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط، جورج ميتشل، مؤخراً، باحتمال مس ضمانات القروض التي تمنحها الولايات المتحدة لإسرائيل، في حال استمرار جمود العملية السياسية، والتي كان فحواها أن إسرائيل تتدبر أمورها على نحو جيد من دون ضمانات القروض الأميركية، علماً بأننا كنا، في ذروة الأزمة الاقتصادية العالمية الأخيرة، على وشك الاضطرار إلى استعمال هذه الضمانات.

·       ولا بُد من القول إن ضمانات القروض الأميركية هي جزء بسيط من الدعم الأميركي لإسرائيل، إذ إننا نحصل سنوياً على 3 مليارات دولار دعماً أمنياً، تُخصص لشراء طائرات أميركية متطورة أصبحنا بفضلها متفوقين، من ناحية نوعية، على الجيوش العربية كلها. في الوقت نفسه، فإن دبابة الميركافاه "الإسرائيلية" لا يمكنها التحرك من دون محركها الأميركي، وما كنا سننجح في إنتاج صواريخ "حيتس" ومنظومة "القبة الحديدية" من دون أميركا، كما أننا، ومن دون الفيتو الأميركي، كنا سنجد أنفسنا، ومنذ فترة طويلة، تحت وطأة عقوبات قاسية، على غرار العقوبات التي فُرضت على جنوب إفريقيا [في إبان نظام الأبارتهايد].

·       وفي الأسبوع الحالي، قدّم سكرتير منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD)، أنخيل غوريّا، تقريرين عن إسرائيل، أشار في سياقهما إلى أننا نعاني مشكلات فقر في صفوف الحريديم [اليهود المتدينين المتشددين] والعرب، وأنه لا يجوز لنا خفض الضرائب، وأنه يتعين على بنك إسرائيل وقف تدخله في سوق العملات الأجنبية، وعلى الحكومة الإسرائيلية زيادة حجم الإنفاق في الميزانية العامة؛ وفي حال تلبية هذه المطالب؛ فإن إسرائيل ستُقبل في عضوية منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية. وليس هذا فحسب، بل إن هذه المنظمة تطالب إسرائيل، قبل ذلك كله، برفع الحصار عن غزة، واستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين.

·       وحتى في مقابل تركيا، فإننا لا نعتبر أقوياء، ونحن ما زلنا نذكر كيف سارع المسؤولون الإسرائيليون، مؤخراً، إلى تقديم الاعتذار جرّاء قيام نائب وزير الخارجية بمعاملة السفير التركي بصورة مهينة.

·       ومع ذلك، فإن نتنياهو لا يزال يعتقد أنه لا توجد صلة وثيقة بين وضعنا الاقتصادي ووضعنا السياسي، وأنه يمكن تحقيق نمو اقتصادي لفترة طويلة من دون التوصل إلى حل للنزاع مع الفلسطينيين. ونتيجة ذلك قام، هذا الأسبوع، بوضع عقبة جديدة أمام استئناف المفاوضات، تتمثل في الإصرار على بقاء إسرائيل في غور الأردن، حتى بعد إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح.

 

·       بعد فترة قصيرة سيكون قد مر عام واحد على تسلم نتنياهو مهمات منصبه، وليس في إمكانه الإشارة إلى إنجاز مهم واحد تمّ تحقيقه. إن وضعنا السياسي في العالم الآن سيء للغاية؛ أمّا في المجال الاقتصادي فإن النمو الحالي خادع، لأنه نمو غير مستقر لفترة طويلة. ثمة مخاطر كثيرة في الأفق بدءاً باحتمال شنّ عملية عسكرية إسرائيلية جديدة، مروراً باحتمالات استئناف إطلاق الصواريخ من طرف "حماس" وحزب الله واندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة، وانتهاء بالخطر الإيراني النووي. وفي حال تحقق أي من هذه الاحتمالات فإن النمو الاقتصادي سيتوقف، والاستثمارات ستهرب، والاقتصاد سيتراجع.