· في ضوء التهديدات التي كانت إسرائيل عرضة لها خلال الأعوام الأولى من قيامها في خمسينيات القرن الفائت، وخصوصاً من الدول المحيطة بها، وفي مقدمها مصر، بلور دافيد بن ـ غوريون رؤية "حلف المحيط الخارجي" [الذي يطوق الدول العربية]، وهو الحلف الذي قام بين كل من إسرائيل، وتركيا، وإيران، وإثيوبيا، والذي كان من المفترض أن يشكل ثقلاً مضاداً لتصاعد قوة الاتجاه العروبي الذي كان يقوده عبد الناصر.
· غير أنه لم يتبق شيء من رؤية "حلف المحيط الخارجي". ففي أواسط السبعينيات وقع انقلاب في إثيوبيا أدى إلى إطاحة الإمبراطور هيلا سيلاسي، وحلت الطغمة العسكرية برئاسة منغستو هيلا مريم الموالية للسوفيات محله في السلطة. وفيما يتعلق بإيران، فإن القصة معروفة، إذ تمت إطاحة الشاه محمد رضا بهلوي الموالي للغرب، واستولى آية الله الخميني على السلطة، وما زلنا نعاني آثار ذلك حتى اليوم. أما فيما يتعلق بتركيا، فمنذ أن تولى رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية زمام السلطة في سنة 2003، أثبتا أنهما يدعمان الإسلام المتطرف المعادي لإسرائيل.
· نحن بحاجة في هذه الأيام بالذات إلى مراعاة النظر في مفهوم "حلف المحيط الخارجي" وانعكاساته الجيو ـ سياسية، ذلك بأن إسرائيل أصبحت مرة أخرى منبوذة من العديد من الدول المجاورة، بل من العالم بأسره، ومهددة بالخطر النووي الإيراني.
· إن الزيارة الأخيرة التي قام بها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو لليونان، والتي كان أحد أهدافها دراسة إمكان إقامة حلف استراتيجي بين البلدين، نجمت عن الفرضية الأساسية الجديدة التي فحواها أن تركيا تحولت إلى دولة معادية، ولذا يتوجب إيجاد حلفاء في أماكن أخرى. وربما يكون هذا هو الوقت الملائم لوضع رؤية جديدة بشأن حلف موسع على غرار "حلف المحيط الخارجي"، ولقيام إسرائيل بإعادة تعريف حلفائها الاستراتيجيين، لأن وضعها الدولي يلزمها بإيجاد حلفاء غير أولئك الذين كانوا معها حتى اليوم.
· في الإمكان أن نضم إلى اليونان، الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي والتي تتلقى مساعدات اقتصادية من ألمانيا، شقيقتها قبرص، لكن يجب ألاّ نتوقف عند هذا الحد. ويمكن لأرمينيا، وجورجيا، ودول أخرى من القوقاز [القفقاس]، إلى جانب دول في أوروبا الشرقية ذات توجهات موالية للغرب كبولندا وجمهورية التشيك وصربيا، إيجاد حلف استراتيجي لا يتناقض مع العلاقات الودية التي تربطها بقوى عظمى ودول أخرى.
لعله يتعين على إسرائيل، بدلاً من البحث عن دعم من الأعلى، أي من قوى عظمى إقليمية، أن تبني لنفسها أحلافاً من الأسفل تؤدي إلى تغيير قواعد اللعبة. ففي نهاية المطاف، أثبت التاريخ أنه عندما يوجد لدى إسرائيل شيء تقدمه للآخرين، ولدينا كثير مما يمكن أن نقدمه، فإن الدول النامية ستطلب الحصول عليه.