ليس في إمكان أي حزب سياسي في إسرائيل الانسحاب من الضفة من دون اتفاق سلام ثابت
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

·       في مقال نشرته صحيفة "هآرتس" (11/9/2012)، يحمّل ديمتري شومسكي اليهود مسؤولية استمرار النزاع مع الفلسطينيين، ويرفض ما قلته عن أن الفلسطينيين والعرب كانوا منذ نشوء الحركة الوطنية في عشرينيات القرن الماضي، وما زالوا حتى اليوم، يريدون الحصول على فلسطين بأكملها. ويزعم شومسكي أن اليهود هم مَن كان يطالب، على مر الأجيال الماضية، بأرض إسرائيل كلها. وتأكيداً لكلامه يستشهد بالرسالة التي بعث بها بن- غوريون في سنة 1937 إلى ابنه وتحدث فيها عن رغبته في السيطرة، على مراحل، على كامل أرض إسرائيل.

·       لا يوجد شكوك في أن الحركة الوطنية الفلسطينية ترغب في بسط سيادتها على فلسطين، فقد عبّر عن ذلك صراحة زعيم الحركة الوطنية الفلسطينية في الثلاثينيات والأربعينيات الشيخ أمين الحسيني، وذلك أمام لجنة بيل [اللجنة الملكية لفلسطين المعروفة باسم Peel commission] في كانون الثاني/ يناير 1937، إذ قال يومها إن أغلبية السكان اليهود لن تحصل على الجنسية في الدولة العتيدة، ولمّح إلى نيته طردهم، هذا ما فهمه أعضاء اللجنة الملكية البريطانية من كلامه.

·       كذلك بقي ياسر عرفات، زعيم الحركة الوطنية الفلسطينية منذ سنة 1969 وحتى تاريخ وفاته في سنة 2004، ملتزماً بهذا الخط خلال مخاطبته أبناء شعبه، وهو قال في كانون الأول/ديسمبر 1980 "عندما نتحدث عن عودة الفلسطينيين فإننا نقصد عودتهم إلى عكا قبل عودتهم إلى غزة، وإلى بئر السبع قبل الخليل. ونحن نصر على رفع علم فلسطين فوق يافا."

·       ويكرر وريث عرفات، محمود عباس، يومياً التزامه بحق العودة، ورفضه مبدأ التسوية القائمة على حل "الدولتين لشعبين"، وفقاً للصيغة التي اقترحها الرئيس بيل كلينتون، كما يواصل رفضه المنهجي لاستئناف المفاوضات السلمية مع إسرائيل متذرعاً بحجج واهية. وهذا لا ينفي أيضاً مسؤولية بنيامين نتنياهو عن الفشل في استئناف المفاوضات.

·       لا نحتاج إلى الحديث عن مواقف الجناح الراديكالي في حركة التحرير الفلسطينية الذي فاز في الانتخابات العامة لسنة 2006، إذ ترفض حركة "حماس" في ميثاقها العائد إلى سنة 1988 فكرة الدولة اليهودية وتتعهد بالقضاء عليها، وما زال مسؤولو الحركة ملتزمين بهذا الميثاق حتى اليوم.

·       أمّا فيما يتعلق باليهود، فقد كان شومكسي محقاً عندما قال إن الحركة الصهيونية كانت تريد الحصول على أرض إسرائيل كلها، لكن هذا الأمر تبدل، بالتدريج، في الفترة 1937- 1947. ففي سنة 1937 وافق المؤتمر الصهيوني العشرون المنعقد في زوريخ برئاسة بن- غوريون وحايم وايزمن، بأغلبية الثلثين على مبدأ التقسيم، لكنه طالب بمساحة أكبر لأرض إسرائيل (إذ اقترحت لجنة بيل إعطاء اليهود نحو 17٪ من أرض إسرائيل الانتدابية، وأعطت الفلسطينيين نحو 80٪).

·       من المحتمل أن بن- غوريون كان يريد في صميم نفسه أرض إسرائيل كلها، لكن وعلى الرغم من ذلك فإن الحركة الصهونية، باستثناء أقلية هامشية، قبلت مبدأ التقسيم، وتبنت في تشرين الثاني/نوفمبر 1947 قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة. وقد واصل بن- غوريون تمسكه بهذا القرار طوال فترة حرب 1948 وخلال الأعوام التي أعقبت ذلك، لكنه فضّل أن يتم هذا الأمر مع الأردن وليس بين اليهود والفلسطينيين.

·       صحيح أن بن- غوريون طرح في أيلول/سبتمبر سنة 1948 أمام الحكومة فكرة غير واضحة لاحتلال بعض المناطق في الضفة الغربية، لكن الحكومة رفضت هذا الاقتراح. وفي جميع الأحوال فقد رفض بن- غوريون في آذار/مارس 1949 بشدة اقتراح قائد الجبهة الجنوبية اللواء يغآل ألون، احتلال الضفة الغربية كلها، إدراكاً منه لما تنطوي عليه هذه الخطوة من مشكلات سياسية وديموغرافية. وظل بن-غوريون متمسكاً بهذه الفكرة حتى في أعقاب حرب الأيام الستة، وحث ليفي أشكول على إعادة الضفة الغربية إلى السيادة العربية (باستثناء القدس الشرقية).

·       طوال الفترة الممتدة من سنة 1949 وحتى سنة 1966 لم تجر محاولة واحدة من جانب إسرائيل لاحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة، وذلك على الرغم من كلام بن- غوريون والجنرالات الآخرين. وقد جرى احتلال الضفة في حزيران/يونيو 1967 في إثر القصف الأردني للأراضي الإسرائيلية الذي استمر على الرغم من الطلبات المتكررة التي تقدمت بها الأمم المتحدة وأميركا إلى الملك حسين لوقف القصف، وعلى الرغم من التعهدات بأنه في حال أوقف الأردن الأعمال العدائية فإن إسرائيل ستبقي الضفة خارج نطاق الحرب.

·       ومنذ حزيران/يونيو1967، امتنعت إسرائيل في ظل الحكومات المتعاقبة عليها، من ضم الضفة (على الرغم من ضم القدس الشرقية الموسعة). وأيدت أغلبية وزراء حزب العمل مشروع آلون الذي اقترح إعطاء الجزء الأكبر من الضفة إلى الأردن في مقابل السلام. لكن، ومع ذلك، تغلبت النزعة التوسعية التي ترافقت مع تصاعد الرؤى الخلاصية على المنطق السياسي والديموغرافي، وبدأت إسرائيل بإرسال المستوطنين إلى داخل المناطق المحتلة، وفي سنة 1977 أرسلتهم إلى داخل المناطق ذات الكثافة السكانية العربية مثل الخليل ونابلس.

·       لكن في أعقاب الانتفاضة الأولى التي نشبت سنة 1987 تغيرت مواقف الأغلبية اليهودية وتخلت عن فكرة أرض إسرائيل الكاملة، ورضخت لفكرة التقسيم وقيام دولة فلسطينية مجاورة لها. ولقد نجم عن هذه الصحوة عملية أوسلو التي أدت إلى انتقال غزة وبعض مدن الضفة الغربية إلى السلطة الفلسطينية، وإلى طرح مقترحات السلام التي قدمها باراك وكلينتون خلال شهري تموز/يوليو وكانون الأول/ديسمبر 2000، والتي دعيا من خلالها إلى إقامة دولة فلسطينية على 94٪ من أراضي قطاع غزة، و96٪ من أراضي الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية. لكن عرفات رفض هذه المقترحات، ولم يبد أي من مساعديه الكبار، بمن فيهم عباس، تحفظهم على هذا الرفض، كما لم يحتجوا عليه. وفي سنة 2008 كرر أولمرت طرح مقترحات كلينتون، لكن عباس، الذي أصبح في هذه الأثناء رئيساً للسلطة الفلسطينية، رفضها مرة أخرى.

·       لا يزال المشروع الاستيطاني، الذي توسع وقوي في عهد الحكومات اليمينية وفي عهد الحكومات التي ترأسها حزب العمل خلال التسعينيات وخلال سنة 2000، يشكل عائقاً في وجه السلام. إلاّ إن عدم استعداد الفلسطينيين للتسوية الإقليمية يشكل عائقاً أكبر في وجه تحقيق السلام بين الشعبين (ولا سيما أن خطة الفصل التي طبقت في سنة 2005 أثبتت إمكان إخلاء المستوطنات).

·       في ظل الوضع السياسي المعقد والمنقسم السائد حالياً في إسرائيل، وفي ظل الوضع الجيو - استراتيجي في المنطقة، ليس في إمكان أي حزب الانسحاب من الضفة، لأسباب عسكرية وسياسية، من دون التوصل إلى اتفاق سلام ثابت، ويبدو أن اتفاقاً كهذا أمر مستحيل الحدوث بسبب الرفض الفلسطيني.