الحرب ضد لبنان ما زالت رهن المواجهة الكبرى مع إيران
المصدر
معاريف

تأسست في سنة 1948، وخلال العشرين عاماً الأولى من صدورها كانت الأكثر توزيعاً في إسرائيل. مرّت الصحيفة بأزمة مالية خانقة بدءاً من سنة 2011، واضطرت إلى إغلاق العديد من أقسامها، إلى أن تم شراؤها من جديد في سنة 2014.  تنتهج خطاً قريباً من الوسط الإسرائيلي، وتقف موقفاً نقدياً من اليمين.

المؤلف

·       يُعتبر القائد الحالي للجبهة العسكرية الشمالية، اللواء غادي أيزنكوت، الضابط الوحيد في القيادة العسكرية الإسرائيلية الحالية، الذي يتذكر شخصياً وقائع ما حدث في 12 تموز/ يوليو 2006 [موعد اندلاع حرب لبنان الثانية]، ذلك بأنه كان في ذلك الوقت رئيساً لشعبة العمليات العسكرية في هيئة الأركان العامة، واطلع هناك على حقيقة أنه بعد ساعة واحدة من عملية اختطاف الجنديين الإسرائيليين إلداد ريغف وإيهود غولدفاسر، صادق وزير الدفاع الإسرائيلي عمير بيرتس على قيام الجيش الإسرائيلي بتنفيذ خطة "البُعد الرابع" التي تشمل شن هجمات جوية واسعة على جنوب لبنان.

·       بناء على ذلك، قامت طائرات سلاح الجو الإسرائيلي، في غضون ساعات قليلة، بعد عملية اختطاف الجنديين، بتدمير عشرات الجسور فوق نهر الليطاني، وتعرضت المواقع جميعها تقريباً في أنحاء "الحزام الأمني" السابق في جنوب لبنان، والتي كانت ضمن أهداف الهجمات الجوية الإسرائيلية، للقصف العنيف. وردّ حزب الله على هذه الهجمات بإطلاق صواريخ الكاتيوشا بصورة كثيفة على المستوطنات الحدودية. وقبل أن يفكر أحد بشكل معمق فيما يحدث، اندلعت حرب لبنان الثانية.

·       في ضوء ما تقدّم، يمكن القول إنه بين المسؤولين العسكريين كلهم الذين كانوا موجودين في منطقة الحدود الشمالية في أثناء قيام قناصة من الجيش اللبناني بإطلاق النار على جنود الجيش الإسرائيلي هذا الأسبوع، فإن أيزنكوت كان المسؤول العسكري الوحيد الذي أدرك جيداً كم أن احتمال اندلاع مواجهة عسكرية كبرى بين الجانبين كبير للغاية. في الوقت نفسه، فإن عدداً من كبار الضباط في دائرة المسؤولين العسكريين أصحاب القرار أيّد هذا الأسبوع ردة فعل شبيهة بخطة "البعد الرابع" على الحادثة المذكورة، لكن ذلك لم يحدث، والسبب الأساسي هو هوية الجهة التي قامت بإطلاق النار، أي الجيش اللبناني. ومع ذلك، فإن عدم اندلاع مواجهة عسكرية كبرى هذه المرة لا يعني مطلقاً أن هذا ما سيحدث في المرة المقبلة.

·       ويبدو أن القيادة في إسرائيل حرصت على إدخال تغيير طفيف على الرواية الإسرائيلية المتعلقة بالحادثة في الحدود الشمالية، ذلك بأنه في الساعات الأولى بعد وقوعها أكدت البيانات العسكرية الرسمية أن ما حدث كان عبارة عن "كمين مدبّر"، لكن في ساعات المساء، عقد مصدر عسكري رفيع المستوى مؤتمراً صحافياً خاصاً للمراسلين العسكريين حرص خلاله على تأكيد أن الجيش الإسرائيلي لا يملك معلومات موثوق بها تشير إلى أن أوامر إطلاق النار على جنود الجيش الإسرائيلي صدرت عن بيروت، أي عن طرف قيادي أعلى من قائد الكتيبة التاسعة في الجيش اللبناني. كذلك، فإن أي مسؤول في إسرائيل لم يتحدث حتى عن أوامر صريحة صادرة عن قائد هذه الكتيبة، وهو ضابط شيعي جرى الحديث عنه باعتباره المسؤول المباشر عن تأجيج التوتر في ذلك القطاع، في حين قال المصدر العسكري الرفيع المستوى نفسه إنه يجوز أن أحد قادة المجموعات العسكرية هو المسؤول المباشر عن الحادثة، وذلك سعياً منه لنيل حظوة لدى قائده.

·       ومع هذا، لا بُد من الإشارة إلى أن الجيش اللبناني خضع لتغيرات كبيرة منذ أن وضعت حرب لبنان الثانية أوزارها قبل أربعة أعوام، وقد أصبح 60% من جنوده من أبناء الطائفة الشيعية، فضلاً عن ازدياد عدد الضباط الشيعة ذوي الرتب العسكرية الكبيرة، وهؤلاء كلهم يدينون بالولاء الأكبر لطائفتهم التي يُعتبر السيد حسن نصر الله [الأمين العام لحزب الله] الزعيم الأبرز لها.

·       في المقابل، فإن مسؤولين كباراً في الجيش الإسرائيلي يؤكدون أن الجيش اللبناني يساعد حزب الله في جعل التفويض الممنوح لقوات الطوارئ الدولية (اليونيفيل) بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، عديم الأهمية. وفي ضوء ذلك، فإن هذه القوات لا تدخل إلى القرى الشيعية في جنوب لبنان، التي تُعتبر قواعد لحزب الله. ومن ناحية أخرى، فإن وجود الجيش اللبناني يمنع حزب الله من طرد القوات الدولية، الأمر الذي من شأنه أن يكشف النقاب عن حقيقة الوضع القائم في تلك المنطقة. إن ما ينجم عن ذلك كله هو كذبة كبيرة اسمها الهدوء على الحدود الشمالية، ومن الواضح أن هذا الهدوء لن يصمد طويلاً.

·       ما يمكن قوله إجمالاً هو أن شيئاً جوهرياً لم يتغير في جنوب لبنان هذا الأسبوع، إذ لا يوجد حتى الآن أي مصلحة لدى إسرائيل أو لدى حزب الله في خوض مواجهة عسكرية كبرى فيما بينهما. وعلى ما يبدو، فإن أصحاب القرار في إسرائيل تخلصوا من الوهم بأن في إمكانهم توجيه ضربة ساحقة إلى حزب الله الذي ما زال زعيمه نصر الله، منذ سنة 2006، منهمكاً في مداواة جروحه، فضلاً عن أنه يواجه مشكلات صعبة أخرى في الوقت الحالي، في مقدمها احتمال صدور قرار ظنيّ عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان يتهم مسؤولين كباراً في الحزب بارتكاب عملية اغتيال [رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق] رفيق الحريري. وبالتالي، فإن آخر شيء يريد نصر الله أن يكون متهماً به الآن هو المسؤولية عن التسبب باندلاع مواجهة عسكرية أخرى في الجنوب.

في المقابل، فإن كبار المسؤولين في الجيش الإسرائيلي يؤكدون أنه في حال اندلاع مواجهة عسكرية مع حزب الله، فإن هذه المواجهة ستكون مرتبطة بالمواجهة الأكبر مع إيران. وحتى الآن، يبدو أن كلاً من إيران وإسرائيل ليس لديه أي مصلحة في اندلاع حرب في جنوب لبنان.