· لا شك في أن الحادثة الخطرة، التي وقعت أول من أمس على الحدود الشمالية، تعكس الواقع الحقيقي في لبنان، وهو الواقع الذي يرفض كثيرون في واشنطن وباريس أن يروه على حقيقته. وبالتالي، من المهم معرفة كيف تبدو صورة لبنان في العالم، وفي المقابل ما هو الواقع الحقيقي فيه.
· إن صورة لبنان في العالم كله تبدو على النحو التالي: ثمة معسكران متخاصمان فيما بينهما، فمن جهة أولى هناك معسكر "الأخيار" الذي يضم المسيحيين والسنّة والدروز، وهو مناصر للسلام، ويرغب في تعزيز الديمقراطية، ومعني بالتقرب من الغرب، ومن جهة ثانية هناك معسكر "الأشرار" الذي يضم حزب الله أساساً، وهذا الأخير مدعوم من طرف "محور الشرّ" ـ سورية وإيران أساساً ـ ويتصارع هذا المعسكران فيما بينهما من أجل الهيمنة على لبنان.
· لو أن هذه الصورة تعكس الواقع في لبنان كما هو بالفعل، لكان الاستنتاج الذي توصلت إليه كل من الولايات المتحدة وفرنسا، وفحواه أنه يجب الاستمرار في تقديم المساعدات السياسية والاقتصادية والعسكرية إلى لبنان من أجل تعزيز معسكر "الأخيار"، هو استنتاج صحيح للغاية، لكن الواقع في لبنان مغاير تماماً.
· صحيح أن هناك معسكرين في لبنان، لكن يوجد بينهما اتفاق غير مكتوب يقضي بتوزيع الأدوار فيما بينهما. وبموجب ذلك، فإن معسكر "الأخيار" يتكفل بإظهار صورة جميلة عن لبنان، في حين أن المعسكر الآخر (حزب الله) يحتفظ بحق النقض [فيتو] إزاء أي قرار سياسي، ويُعتبر القوة العسكرية الأعظم في الدولة، وهو الذي يقرر مجريات الأمور كلها المتعلقة بما يحدث في منطقة الحدود مع إسرائيل.
· لقد ارتكبت إسرائيل، خلال حرب لبنان الثانية، خطأ فادحاً حين جعلت عملياتها العسكرية تتلاءم مع هذه الصورة المريحة بالنسبة إلى اللبنانيين، وبناء على ذلك، فإنها خاضت حرباً مع حزب الله فقط. ويمكن القول إن الحكومة الإسرائيلية الحالية ستحسن صنعاً إذا ما استغلت حادثة أول من أمس كي تشرح لأصدقائها في العالم حقيقة الواقع في لبنان.
· فضلاً عن ذلك، فإن ما يتعين على إسرائيل فعله هو توجيه تحذير فحواه أنه في حال استمرار العمليات الاستفزازية على الحدود الشمالية، فإن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى اندلاع حرب لبنان الثالثة، وعندها، فإن هذه الحرب ستكون مختلفة عن حرب لبنان الثانية في أمر مركزي واحد، هو كونها حرباً بين إسرائيل وبين دولة لبنان كلها، الأمر الذي يعني أن دماراً هائلاً سيلحق بهذه الدولة، بما في ذلك القضاء على بناها التحتية والتعرّض لجيشها ومؤسساتها.
· إن ضرورة تغيير طابع الحرب المقبلة على لبنان ناجمة ليس عن منطق سياسي مغاير فحسب، بل أيضاً عن ضرورة عسكرية، ذلك بأنه في حال حصر الحرب ضد حزب الله فقط، فإن نتائجها لن تكون أفضل من نتائج حرب لبنان الثانية. صحيح أننا قمنا، منذ تلك الحرب الأخيرة، بتحسين قدراتنا القتالية كثيراً، إلا إن حزب الله قام هو أيضاً بتحسين قدراته القتالية. وربما ننجح في التعرض لحزب الله بصورة أفضل، لكن هذا الحزب سينجح أيضاً في التعرض للجبهة الإسرائيلية الداخلية بصورة أشمل وأكثر دقة. ولذا، فإن وقوع مواجهة بين دولتين سيمنح إسرائيل أفضليات أكبر.
· يمكن القول إنه لا يوجد طرف معنيّ بتدمير لبنان ـ سواء أكان هذا الطرف الشعب اللبناني أم حزب الله أم الدول الغربية أم حتى سورية ـ ولذا، فإن الطريق الأفضل لمنع الحرب المقبلة، أو للانتصار فيها في حال اندلاعها، كامنة في إقناع كل من الولايات المتحدة وفرنسا بالطرق الدبلوماسية بأن تقولا للحكومة اللبنانية ما يلي: إذا كان لديك مطالب من إسرائيل (مثل، تغيير رسم الحدود؛ مزارع شبعا؛ وقف الطلعات الجوية إلخ...)، فإننا سنقدم المساعدة المطلوبة لذلك، شرط أن تبرهني على قدرتك على السيطرة على الدولة وعلى منع العمليات الاستفزازية، وإذا لم تفعلي ذلك، وبقيت معنية باستمرار سيطرة حزب الله وسورية، فإننا لن نقدم أي مساعدة إلى لبنان في حال اندلاع حرب أخرى؛ وفي حال اختار لبنان أن يبقى تابعاً لـ "محور الشرّ"، لن يكون لدينا أسباب وجيهة لمنع إسرائيل من التعرض له بقسوة شديدة.