· إذا ما أنصتنا إلى ما يقوله المسؤولون في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، في الوقت الحالي، فإن الأوضاع في غزة واضحة للغاية وليست معقدة، وهي تبيّن أن حركة "حماس" مسيطرة على الوضع، وأنه لا مصلحة لديها ولا لدينا في حدوث تصعيد عسكري. أمّا عمليات إطلاق الصواريخ وقذائف الهاون فإنها، في معظمها، تتم من طرف فصائل فلسطينية أخرى، وخلافاً لموقف "حماس" في هذا الشأن، ولذا، فإن الرد الإسرائيلي يأتي ملائماً لها، أي القيام بهجمات موضعية تكون محسوبة بدقة شديدة.
· ومع ذلك، فإننا ما زلنا نذكر أنه في تشرين الثاني/ نوفمبر 2008، أي قبل شهر من شنّ عملية "الرصاص المسبوك"، كان كبار المسؤولين في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية يتكلمون باللهجة نفسها تقريباً. كما يجب التأكيد أن ما يريده الجانبان [إسرائيل و"حماس"]، وما هي مصالحهما، غير مهمين قط عندما يدور الحديث على غزة.
· قبل نحو شهر، أجرت قيادة المنطقة الجنوبية العسكرية وهيئة الأركان العامة تلخيصاً لسنة 2009. وقد أكدت الاستنتاجات أن عملية "الرصاص المسبوك" حققت ردعاً في مواجهة "حماس"، فضلاً عن أنها جسدت لقادة هذه الحركة ما هو الثمن المترتب على استفزاز إسرائيل.
· وعلى الرغم من أن الهدف الإسرائيلي الرئيسي كان ولا يزال إسقاط سلطة "حماس" في غزة، فإنه في واقع الأمر، يمكن الحفاظ على الهدوء بصورة أفضل، ما دامت هذه السلطة قوية ومستقرة. ووفقاً لما يقوله ضابط كبير في قيادة المنطقة الجنوبية، فإن "حماس" ستبقى مسيطرة على قطاع غزة لفترة طويلة، وبناء عليه، فإن الوضع هناك يتجه لأن يصبح، أكثر فأكثر، شبيهاً بالوضع في لبنان، لا بالفوضى التي كانت سائدة في غزة قبل عامين. إن المقصود بذلك ليس تعزّز النظام والسيطرة المركزية فحسب، بل أيضاً أن المواجهات العسكرية مع "حماس" ستصبح على فترات متباعدة، وستكون أشد عنفاً من السابق. ويصعب العثور على مسؤول عسكري إسرائيلي واحد لا يعتقد أن هذه المواجهات ستكون شبه حتمية، وأن وقوعها هو مسألة وقت لا أكثر.
· من ناحية أخرى، فإن الجدار الفولاذي المصري، الذي يهدف إلى سدّ الطريق على الأنفاق المحفورة على طول محور فيلادلفي، والتي تعتبر شريان الحياة الرئيسي في قطاع غزة المحاصر، بات يهدد سلطة "حماس" في غزة، أكثر من طائرات الجيش الإسرائيلي ودباباته. فهذه الأنفاق ليست منفذاً لتهريب الوسائل القتالية فحسب، بل إنها تتيح أيضاً إمكان صيانة الأوضاع الاقتصادية في منطقة صغيرة ومزدحمة وفقيرة.
· أمّا فيما يتعلق بالمواجهة العسكرية المقبلة مع "حماس"، فلا شك في أنها ستشهد تفعيلاً لقوة عسكرية إسرائيلية سريعة وعلى نطاقات غير مسبوقة، كما يؤكد كبار القادة العسكريين في الجيش الإسرائيلي. ويشدد هؤلاء القادة، مراراً وتكراراً، على أنه إذا ما كانت إسرائيل راغبة في خفض الضرر السياسي الذي يمكن أن يترتب على عملية عسكرية قوية، فلا بُد من أن تكون عملية قصيرة وأكثر عنفاً. كما أنهم يؤكدون أن هذه العملية لن تؤدي إلى الحسم ولا إلى إسقاط "حماس"، وإنما إلى صيانة قوة الردع الإسرائيلية مرة أخرى، إلى أن تتأكل تحت وطأة أوضاع جديدة.