دلالات تقرير بالمار وانعكاساته
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال

 

  • أدى الكشف عن تقرير بالمار ونشره في صحيفة "النيويورك تايمز" إلى اتخاذ تركيا سلسلة من الخطوات ضد إسرائيل، معظمها كان متوقعاً مسبقاً، مثل تخفيض العلاقات الدبلوماسية، والتجميد الرسمي للعلاقات العسكرية التي كانت محدودة جداً، لكن على الرغم من ذلك، فإن حجم هذه الخطوات وأهميتها شكّلا صفعة لإسرائيل. وقد كرر وزير الخارجية التركي في المؤتمر الصحافي الذي عقده رفض تركيا الاعتراف بشرعية الحصار البحري على غزة، وقال إن بلده سيتوجه إلى محكمة العدل العليا في لاهاي بهذا الشأن، وإن الأسطول التركي سيعمل على تأمين حرية الملاحة شرق البحر الأبيض المتوسط.

     
  • وتعود ردة الفعل العنيفة التركية إلى عدم رضا تركيا عن تسريب تقرير بالمار، ورفضها النتائج التي توصّل إليها، وخيبة الأمل من إصرار إسرائيل على عدم الاعتذار. ويبدو أن الأتراك انتقلوا من مرحلة الغضب إلى مرحلة الانتقام، والخطوات التي اتخذوها لا علاقة لها مباشرة بأسطول المساعدات أو بمطالبة تركيا بالاعتذار، وإنما تنطوي في حد ذاتها على احتمال التدهور إلى مواجهة مباشرة بين سلاحَي البحر للدولتين.

     
  • ونظراً إلى محدودية قدرة تركيا على الضغط على إسرائيل من خلال العلاقات الثنائية، فإن التوجه إلى المنظمات الدولية، وتصوير حرية الملاحة على أنها مشكلة أساسية، يهدفان إلى الضغط على إسرائيل على المستوى الدولي، الأمر الذي سيلحق بها ضرراً كبيراً سيكون له انعكاساته الواسعة جداً.

     
  • ويجري الضغط التركي في أكثر من مجال، بدءاً من دعم الشكوى التي تقدم بها أهالي ضحايا أسطول المساعدات التركية ضد إسرائيل، مروراً بالتوجه إلى محكمة العدل العليا للاعتراض على شرعية الحصار البحري على غزة، ووصولاً إلى الزيارة التي ينوي رجب طيب أردوغان القيام بها لغزة بهدف توجيه اهتمام الرأي العالمي إلى ما يجري هناك. ويعود تركيز تركيا على حرية الملاحة في البحر الأبيض المتوسط إلى التوقعات التي تتحدث عن وجود كميات من الغاز الطبيعي هناك أكبر مما جرى اكتشافه حتى الآن، الأمر الذي يعني استفادة قبرص من هذا الغاز، والصلة المباشرة لهذا الموضوع بالنزاع بين قبرص اليونانية وقبرص التركية.

     
  • إن سبب فشل تقرير بالمار في تحقيق هدفه الأساسي في تسوية الخلاف بين الطرفين، وهو ما يسمح بترميم علاقاتهما ببعض، وكذلك الفشل الأميركي في التوصل إلى حل للنزاع، على الرغم من الضغوط الكبيرة التي مورست على الطرفين، هو الحساسية الكبيرة لدى الجمهورين الإسرائيلي والتركي تجاه قضية أسطول المساعدات، فلو أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو قرر الاعتذار إلى تركيا، لكانت أغلبية الجمهور الإسرائيلي وقفت ضده...

     
  • كما أن قرار عدم الاعتذار له ثمن كانت تعرفه الحكومة الإسرائيلية، ومن هنا الخلافات التي برزت داخلها بشأن مسألة الاعتذار، لكن على الرغم من عدم الاعتذار، فإن نتنياهو بذل قصارى جهده للتشديد على رغبة إسرائيل في تهدئة الوضع وترميم العلاقات بتركيا.

     
  • إن سياسة ضبط النفس التي مارستها الحكومة الإسرائيلية صحيحة بصورة عامة، لكن يمكننا التشديد على ثلاثة موضوعات: أولاً، رفض تركيا تقرير لجنة الأمم المتحدة التي هي عضو فيها، في مقابل قبول إسرائيل بالتقرير وعملها على تطبيق توصياته وإعرابها عن أسفها على ما حدث؛ ثانياً، التمييز المهم الذي يقيمه التقرير بين الحصار البحري الشرعي في نظر القانون الدولي، وبين القيود المفروضة على المعابر الحدودية البرية؛ ثالثاً، إن جزءاً من التحديات المطروحة على إسرائيل مطروح على تركيا أيضاً [فالبلدان يعانيان مشكلة الإرهاب].

     
  • وفي الفترة التي مرت منذ أحداث أسطول الحرية حتى صدور تقرير بالمار، وقعت أحداث مهمة في الشرق الأوسط من شأنها أن تساهم في جعل العلاقات بين تركيا وإسرائيل أكثر اعتدالاً حتى لو كان من الصعب اليوم رؤية ذلك، إذ إن هذه الأحداث قرّبت تركيا من الغرب وأبعدتها عن إيران وسورية، وهذا تطور إيجابي في نظر إسرائيل حتى لو لم يؤد ذلك إلى تحسين العلاقات الثنائية بتركيا. بل إن التقرب التركي من مصر، والذي حدث مؤخراً، يجب النظر إليه بصورة إيجابية لأن تركيا قادرة على أن تشكل مصدر ثقل مضاد لنفوذ إيراني محتمل في مصر، وقد تساعد في تقليص التأثير الإيراني في الفلسطينيين. ونظراً إلى كون مصر ما زالت تمر في مرحلة انتقالية، فإن من الصعب معرفة ما إذا كانت المساعي التركية للتقرب من مصر قد أعطت ثمارها.

     
  • إن التطورات الإقليمية لم تساعد تركيا وإسرائيل في حل خلافاتهما، ومع ذلك، فإننا نأمل بأن تؤدي هذه التطورات إلى التخفيف من حدة المواجهة بينهما، والتي دخلت الآن مرحلة مقلقة للغاية.