· لعل الشيء الأسهل بالنسبة إلينا هو أن نحمّل تنظيم الجهاد العالمي المسؤولية عن إطلاق الصواريخ على إيلات والعقبة أمس، وبذا، لن يكون هناك عنوان محدد، أو جهة مسؤولة، يجب معاقبتهما، وبالتالي، لا يتعين الإقدام على أي ردّ. وما دامت عمليات إطلاق الصواريخ هذه لا تسفر عن وقوع ضحايا كثيرة، فمن المريح للجميع أن يدفنوا رؤوسهم في الرمال، وأن يمروا عليها مرور الكرام في انتظار عملية إطلاق الصواريخ المقبلة.
· أمّا الجواب عن السؤال المتعلق بمصلحة الجهاد العالمي في إطلاق الصواريخ على إيلات أو العقبة، فإنه يمكن أن يكون مرتبطاً دائماً إمّا بوجود بدو غير منضبطين في سيناء يقومون بفعل أي شيء في مقابل الحصول على الأموال، وإمّا برغبة تنظيم القاعدة وتوابعه في القضاء على إسرائيل.
· لكن في واقع الأمر، فإن إيلات تشكل هدفاً كبيراً لهجمات منظمتين في الشرق الأوسط لديهما استراتيجيا مبلورة وبرامج بعيدة المدى، هما الجناح العسكري في حركة "حماس"، وحزب الله. وتؤكد هاتان المنظمتان، منذ فترة طويلة، أن إيلات هي هدف مفضل لديهما، وذلك في إطار الحرب الاقتصادية والنفسية التي تخوضانها ضد دولة إسرائيل. وفي ضوء ذلك، فإن بعض العناصر الاستخباراتية في إسرائيل قدّرت أن تكون حركة "حماس"، وليس الجهاد العالمي، هي المسؤولة عن إطلاق الصواريخ على إيلات والعقبة أمس.
· إن منظمتي حزب الله و"حماس"، شأنهما شأن حركة الإخوان المسلمين في مصر، قد فهمتا في الآونة الأخيرة أن السياحة هي أكبر نقطة ضعف اقتصادية، ولذا، لا بُد من القيام بعمليات مسلحة ضد السياح. ويمتلك كل منهما قدرات ذاتية تؤهله لمهاجمة مدينة إيلات، باعتبارها أهم تجمع سياحي في إسرائيل. فحزب الله يمتلك صواريخ سكود طويلة المدى تصل إلى إيلات، أمّا الجناح العسكري في "حماس" فإنه يمتنع من القيام بعمليات عسكرية من داخل القطاع نتيجة الضغوط السياسية التي تتعرض لها الحركة في الآونة الأخيرة، وبالتالي، فإنه يبحث عن طرق عمل بديلة، وليس هناك ما هو أسهل من إخراج عدد من الصواريخ من القطاع إلى سيناء، ونصبها في منطقة الجبال الواقعة جنوبي غربي طابا، وإطلاقها على إيلات والعقبة، ثم الهروب من هناك، ولا سيما أن مصر لا تسيطر على سيناء كلياً، فضلاً عن أن القوات المصرية المرابطة فيها فاسدة ويمكن شراؤها بالأموال.
· وقد أشارت تقارير قوات الأمن في إيلات إلى أن الصواريخ التي أطلقت أمس هي من طراز غراد، وأن صواريخ غراد أخرى كانت أُطلقت على المدينة قبل نحو شهرين، أي أن الأمر لم يكن من قبيل المصادفة. ولذا، فإن الحديث يدور على مصدر واحد يقف وراء إطلاق الصواريخ.
· لكن من ناحية إسرائيل، فإن الوقت الحالي يبدو غير ملائم مطلقاً لاتهام الجناح العسكري في "حماس" أو حزب الله بإطلاق هذه الصواريخ، ذلك بأن اتهاماً كهذا يستوجب قيام إسرائيل بردّ قاس ومؤلم، ولا يملك أحد قدرة سياسية على اتخاذ قرار يقضي بردّ من هذا القبيل في وقت تجري على قدم وساق استعدادات كبيرة من أجل استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين.