· في الأوضاع الحالية لدولة إسرائيل وقيادتها تُعتبر "تفاهمات التهدئة" معقولة، وتعكس التوازن بين مصالح "حماس" وإسرائيل. إن السؤال الكبير، الحقيقي والمؤلم هو: كيف وصلنا إلى هنا؟ كيف نجحت حركة "إرهابية"، تقاطعها الأسرتان الدولية والعربية، وترزح تحت حصار اقتصادي، ولا تحظى بشرعية إلا في نظر نفسها ونظر "محور الشر"، في تحقيق اتفاق تكون فيه على قدم المساواة مع إسرائيل، من دون أن تتنازل عن أي من مبادئها، وأيضاً من دون الإفراج عن غلعاد شاليط؟
· سأحاول أن اطرح وجهة نظري المتواضعة في هذا الشأن. إن مقاربة ما بعد الحداثة السائدة في الغرب، والتي لها حصة الأسد في تفكير نخبنا، تعتقد أن سلوكنا يجب أن يتركز على الزمن الراهن وعلى الفرد، لا على المستقبل أو الجماعة. وبناء على ذلك، لماذا يجب أن نقلق على مستقبل الأبناء والأحفاد؟ ولماذا يجب أن ندافع عن الوطن؟ إن هذا التفكير يؤدي إلى فقدان الجهوزية للقتال.
· يبدو أن السياسيين في إسرائيل كيّفوا أنفسهم أيضاً مع روح هذه المرحلة النخبوية، وأصبح شعارهم: الأمر المهم هو أنا، وما أفعله من أجل بيتي الخاص. وليس من قبيل المصادفة أن المستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية أكد، بصورة لا تقبل التأويل، أن الفساد ينخر قيادة الدولة.
· في مقابل ذلك هناك الطرف الآخر، الفلسطيني، بقيادة "حماس"، الذي يرغب في أن يبني المستقبل على أنقاضنا، وهو على استعداد لأن يعاني من أجل الأبناء والأحفاد، ويضحي في سبيلهم، ولذا فهو مستعد لأن يُقتل ويَقتل. وبجملة واحدة أقول: إن الفلسطينيين مستعدون للتضحية بالحاضر من أجل المستقبل، في حين أن جزءاً كبيراً من النخب لدينا (لا عموم الجمهور بأي حال) على استعداد للتضحية بالمستقبل من أجل الحاضر.
· لا أعتقد أن "تفاهمات التهدئة" هشة، بحسب ما يدعي البعض. إن لدى "حماس" مصلحة كبيرة في تطبيقها كي يكون في إمكانها أن تحقق غاياتها الاستراتيجية، وأن تدفعها قدماً بهدوء. إن أبرز هذه الغايات هي تكريس شرعيتها كسلطة مدنية في قطاع غزة، وتهيئة الأرضية للسيطرة الهادئة والشرعية على يهودا والسامرة [الضفة الغربية]، لدى انتهاء ولاية أبو مازن في كانون الأول/ ديسمبر المقبل.