خطة الانفصال عن غزة كانت أول محاولة جريئة لمواجهة جرثومة الاحتلال الفتاكة
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

·       لا بُد من القول إن اليمين الإسرائيلي كان على حق في موقفه إزاء خطة الانفصال عن غزة [التي جرى تنفيذها في سنة 2005]، وذلك في وقت كانت إسرائيل خلاله تعيش نشوة ذلك الانفصال، وكانت وسائل الإعلام تغدق المديح على تلك الخطة.

·       إن ما يتبين الآن هو أن نبوءات الغضب، التي أطلقها اليمين في ذلك الوقت، والتي جرى التعامل معها باعتبارها هستيرية وغير صحيحة، كانت نبوءات دقيقة تماماً. وقد برهن انتصار حركة "حماس" في الانتخابات الفلسطينية (سنة 2006)، وسيطرة هذه الحركة على غزة (سنة 2007)، إلى أي مدى كان اليمين القومي في إسرائيل على حق.

·       في الوقت نفسه، فإن هذا اليمين ارتكب خطأ، ذلك بأنه على الرغم من فهمه جيداً المخاطر الكامنة في الانسحاب الأحادي الجانب من غزة، فإنه لم يفهم قط ضرورة هذا الانسحاب. بكلمات أخرى، فإن اليمين الإسرائيلي تنبأ بالمستقبل القريب لكنه لم يتنبأ بالمستقبل البعيد، وبينما رأى التفصيلات المتعلقة بالمشكلة العسكرية، إلا إنه كان عَمِي عن التهديد الاستراتيجي الحقيقي. إن اليمين الإسرائيلي لم يفهم قبل خمسة أعوام ما يرفض أن يفهمه الآن أيضاً، وهو أن جرثومة الاحتلال أصبحت جرثومة فتّاكة.

·       كانت خطة الانفصال عن غزة ملأى بالعيوب، ذلك بأنها لم توجد وضعاً في غزة من شأنه أن يسفر عن نهاية الاحتلال والاعتراف بذلك من طرف الأمم المتحدة، ولم تكن مقرونة بخطة مارشال دولية لإنعاش غزة وتعزيز قوة المعتدلين فيها، ولم تعقبها سياسة ردع قاسية تمنع تحوّل غزة إلى قاعدة صواريخ تهدّد تل أبيب، ولم تمنح إسرائيل أرصدة سياسية يمكن أن تصمد طويلاً. مع ذلك، فإن قوة خطة الانفصال تبقى كامنة في كونها أول تجربة جريئة من نوعها لمواجهة جرثومة الاحتلال الفتاكة، ولذا، فإن المنطق الأساسي الذي كان وراءها لا يزال ساري المفعول حتى الآن.

·       إن منطق الانفصال فحواه ما يلي: يقع على عاتق إسرائيل واجب مصيري وأخلاقي هو إنهاء الاحتلال، ونظراً إلى عدم وجود شريك فلسطيني، فإنه يتعين عليها أن تتخذ خطوات محدودة ومحسوبة لإنهائه على مراحل. صحيح أنه لا توجد احتمالات للتوصل إلى سلام كامل في المستقبل المنظور، لكن لا فائدة ترجى من استمرار الوضع القائم. ولذا، على إسرائيل أن تأخذ زمام المبادرة بيديها، وأن تعمل بحكمة على رسم حدود ثابتة بينها وبين فلسطين. وبهذه الطريقة فقط يمكنها أن تضمن هويتها وشرعيتها كدولة يهودية وديمقراطية، وأن تحوّل النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني إلى نزاع يمكن تحمله وإنهاؤه في نهاية الأمر.

إن الصورة، بعد مرور خمسة أعوام على الانفصال، تبدو واضحة للغاية: خطة الانفصال عن غزة في سنة 2005 كانت إشكالية، لكن استراتيجيا الانفصال كانت ولا تزال ضرورية. أمّا العبرة من فشل خطة الانفصال رقم 1 فهي أنه يجب تنفيذ خطة الانفصال رقم 2 بصورة مغايرة. لا يجوز الانسحاب إلى خطوط 1967، أو الانسحاب من دون تأييد دولي وتفاهمات هادئة مع معتدلين فلسطينيين، كما أنه لا يجوز الانسحاب من دون توفير رد حقيقي على تهديد الصواريخ. لكن في نهاية الأمر لا يوجد خيار آخر. إن الانفصال خطر، لكنه أقل خطراً من أي بديل آخر.