نصيحة استراتيجية لرئيس حزب العمل الجديد يتسحاق هيرتسوغ
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- قال التيار الأشكينازي العلماني القوي والمركزي في حزب العمل كلمته عندما انتخب يتسحاق هيرتسوغ رئيساً للحزب. ومما لا شك فيه أن الرئيس الجديد قادر على أن يغير الأجواء السياسية في حزب العمل وفي الأوساط المحيطة به تغييراً كبيراً. لكن على الرغم من ذلك، من واجبنا أن نسأل: هل هذا كاف؟
- من المعروف عن هيرتسوغ أنه سياسي نشط وكفء وشخصية وزارية من نوعية جيدة لا ينفر من الاهتمام بالأمور الصغيرة ويهتم في الوقت نفسه بالأمور الكبيرة. ومن أجل أن يتحول هيرتسوغ إلى شخصية تاريخية، يتعين عليه أن يغيّر، وأن يتحدى نظام عالم الإسرائيليين الحاليين، ويتخلص من قيود الماضي ويطلق قدراته المستقبلية.
- لكن هيرتسوغ يحن إلى الماضي، وعبر عن هذا الحنين قائلاً: "نحن الحزب الذي صنع الدولة". هذا صحيح على صعيد الوقائع، لكنه خطأ من حيث السياسة. ثمة خطآن أساسيان في هذا الكلام.
- لم تكن جميع الأيام الأولى رائعة، فقد كانت إسرائيل لدى نشوئها دولة يهودية، علمانية، اشتراكية وأوروبية. أما الآخرون كالعرب والمتدينين والبرجوازيين والشرقيين، لم يكن لهم مكان في الدولة التي بناها حزب مباي.
- واليوم، لا تزال إسرائيل دولة أكثر يهودية، ومكان الفلسطينيين الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية فيها صار أضيق. ولم تعد دولة علمانية ولا اشتراكية، وصارت بعيدة من أن تكون دولة أوروبية. لقد أصبحت إسرائيل مجتمعاً تتأرجح فيه هوية أغلبية اليهود فيه بين الهوية الدينية المتشددة والهوية التقليدية السطحية، كما أصبحت دولة رأسمالية من دون رحمة، وذات ثقافة شرق أوسطية.
- إن قول هيرتسوغ "نحن الذين أنشأنا الدولة" هو في الواقع غطرسة، لأنه يعني أن "الدولة والمجتمع لنا، ومن غير المسموح أن يشاركنا أحد في المشروع".
- لذا، فإن أول نصيحة لهيرتسوغ هي: عد إلى الماضي وتذكره، لكن يجب عليك أن تتحرر من قيوده. فما دمت غارقاً في الماضي، لن تكون قادراً على بناء الغد الذي نحن بحاجة إليه.
- لدى اليمين الإسرائيلي فكرة أساسية واحدة: "أرض إسرائيل"، وهو يعبر عنها من خلال التشدد الديني والبطش العسكري والاستيطان المخبول. وجميع الطرق المؤدية إلى هذه الفكرة مسموحة.
- في المقابل، تبدو كتلة اليسار منقسمة على نفسها. من هنا، فإن مهمة هيرتسوغ هي تجميع اليسار تحت علم واحد يمكن أن يُرفع بفخر في وجه اليمين.
- في إسرائيل فقط يجري تعريف اليسار انطلاقاً من مواقفه السياسية. فاليسار هو من كان مع الحل السياسي، واليمين هو من كان ضد هذا الحل. أما سائر الخصائص "اليسارية" الجوهرية فقد ماتت، وهي تحديداً التي يجب احياؤها من جديد.
- من بين المبادئ الأساسية لليسار الحقيقي فكرة الحرية والمساواة، فالبشر جميعهم متساوون بغض النظر عن اختلافاتهم. وجميعهم لهم الحق بالحرية الطبيعية التي لا يمكن حرمانهم منها بأي صورة من الصور. ويمثل هذا فرصة كبيرة لهيرتسوغ كي يطرح فكرة الحرية والمساواة بديلاً من النظرة القومية العنصرية التي تسيطر على إسرائيل منذ سنوات عديدة.
- إن الأحوال الشخصية التي تنبع من فكرة المساواة تفرض الفصل بين الدين والدولة، إذ لا يجوز لمن يملك احتكاراً دينياً محدوداً أن يميز بين الرجل والمرأة، وأن يحدد من يسمح له بتكوين عائلة ومن يمنع من الزواج لعدم وجود قانون اجتماعي معاصر.
- إن مبدأ المساواة يفرض تفكيراً اقتصادياً مختلفاً لا وجود فيه للثغرات التي تعفي المجتمع من تحمل المسؤوليات المشتركة، إنه يفرض اقتصاداً يقوم على الشراكة الكاملة في المصادر وفي استخدام الموارد المشتركة، ويفرض توزيعاً عادلاً للمال، ويقوم بتقليص الثغرات، والعودة إلى دولة الرفاه.
- إن الديمقراطية القائمة على الاحتلال وعدم المساواة ليست ديمقراطية. فالمساواة بين البشر والسلام السياسي والديمقراطية المدنية ثالوث لا يمكن تجزئته.
- ومما لا شك فيه أن معسكر المساواة هذا بأحزابه سيكون مفتوحاً أمام الجميع: اليهود والعرب، العلمانيون والمتدينون، الكبار والشباب، مواليد إسرائيل والمهاجرون إليها. فهل هيرتسوغ هو الشخص القادر على تزعم هذا المعسكر؟ انطلاقاً من معرفتي به، أعتقد أنه قادر على ذلك.