· في بداية تموز/ يوليو الحالي، توفي في لبنان السيد محمد حسين فضل الله، الذي جرت العادة على اعتباره الزعيم الروحي لحزب الله. وتشكل وفاته سقوطاً لـ "ورقة التوت" التي كانت تستر النشاط الإيراني السياسي والعسكري في لبنان.
· من المعروف أن فضل الله، ومنذ وصوله إلى لبنان في سنة 1966، عمل على بلورة تصور عام مغاير كلياً للتصور العام للإمام موسى الصدر، الذي كان في ذلك الوقت الزعيم الديني الأهم لدى الطائفة الشيعية. وبناء على هذا التصور الذي بلوره هذا الأخير، فإن الطائفة الشيعية ركزت، أكثر من أي شيء آخر، على تعزيز مصالحها وبناء مؤسساتها المستقلة، كما أن الإمام وقف بالمرصاد للفلسطينيين الذين فرضوا سيطرتهم على جنوب لبنان واستعملوه للكفاح ضد إسرائيل. لكن فضل الله كان يعتقد أن الكفاح ضد إسرائيل يجب أن يعلو على مصالح الطائفة الشيعية، ولذا، استغل عملية الليطاني [في سنة 1978]، وحرب لبنان الأولى [في سنة 1982] وما تخللها من قيام إسرائيل بمحاصرة بيروت، من أجل توثيق عرى العلاقة بين الشيعة والفلسطينيين.
· ظل فضل الله يعمل في ظل الزعامة المطلقة للإمام الصدر حتى شباط/ فبراير 1978 حين اختفت آثار هذا الأخير في أُثناء زيارة رسمية قام بها إلى ليبيا، وعلى ما يبدو، فإنه اغتيل مع مرافقيه على يد معمر القذافي.
· تُعتبر ثورة الخميني في إيران سنة 1979 حدثاً مؤسساً في سيرة فضل الله، ففي إثرها بدأ مبعوثون من إيران بزيارة لبنان لنشر أفكار الثورة فيه، وسرعان ما أصبح فضل الله حليفاً لهم. وقد تحوّل إلى رصيد مهم للإيرانيين، بسبب قدرته على نقل رسائل الثورة الخمينية بلغة عربية فصيحة إلى الشيعة العرب كلهم.
· وتجدر الإشارة إلى أنه في سنة 1979 كانت حركة "أمل" المنظمة الأكبر والأهم لدى الطائفة الشيعية في لبنان، وقد بذل فضل الله جهوداً كبيرة ومثابرة من أجل تغيير أساليب عملها بما يتلاءم مع الاتجاهات الآتية من طهران. وعندما باءت جهوده بالفشل اضطر إلى تأييد إقامة منظمة شيعية جديدة هي حزب الله.
· ما يمكن قوله إذاً، هو أن قوة فضل الله ومكانته في لبنان تعاظمتا كثيراً بالتزامن مع اختفاء الصدر ونجاح الثورة الإيرانية، ومع ذلك، فإن قصته هي في الوقت نفسه، قصة فشل إسرائيل في لبنان، والناجمة عن تفويت فرصة لتحويل الشيعة إلى حلفاء لها. فدولة إسرائيل التي حررت الجنوب الشيعي من سيطرة الفصائل الفلسطينية، استمرت في التعامل مع الطائفة الشيعية بالأسلوب نفسه الذي اتبعه المسيحيون، ولم تبدر عنها أي إشارة تنم عن استعدادها لتمكين الطائفة الشيعية في جنوب لبنان من السيطرة على مناطقها.
إن وفاة فضل الله هي وفاة آخر "ورقة توت" إيرانية في لبنان، ومن الآن فصاعداً لن يكون هناك زعيم ديني شيعي يُقال إنه الزعيم الروحي لحزب الله، وسيكون آية الله خامنئي، الزعيم الروحي الإيراني، من الناحية العملية المعلنة، هو الزعيم الروحي والمرجعية الدينية للشيعة في لبنان.