المصالحة الفلسطينية بين "حماس" والسلطة الفلسطينية: الرابحون والخاسرون
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

المؤلف

·      عندما ندرس بنود اتفاق المصالحة بين "فتح" و"حماس" نرى فوراً أن لا جديد فيها، وأن المقصود هو تطبيق اتفاقات المصالحة الداخلية الفلسطينية السابقة. وما يمنح الاتفاق الحالي شيئاً من الجدية هو الجدول الزمني الذي وضع للاتفاق: خمسة أسابيع لتأليف حكومة موقتة، ثم ستة أشهر من أجل إجراء انتخابات عامة. لكن اتفاقات سابقة مثل اتفاق القاهرة [أيار/مايو 2011] وإعلان الدوحة [شباط/فبراير 2012] حددت لهما جداول زمنية لتطبيقهما لكن في النهاية لم يطبق شيء.

·      من المؤشرات التي تدل على أن المصالحة خطوة تكتيكية- على الأقل بالنسبة لأبو مازن- عدم تضمنها إطلاق معتقلي الطرفين في سجون غزة والضفة، كما لم يأت الاتفاق على ذكر المبادئ التي ستعمل بموجبها القوى الأمنية التابعة للسلطة وتلك التابعة "لحماس"، كما لم يذكر كيف سيجري الدمج بين مؤسسات السلطة الأخرى. ومن يبحث عن مؤشرات إضافية تدل على تحفظات أبو مازن سيلفت نظره أنه لم يتحدث مطولاً عن الاتفاق باستثناء تعليق مقتضب قال فيه إن الاتفاق الفلسطيني الداخلي لا يتعارض مع المفاوضات مع إسرائيل. وحدهم المسؤولون الكبار في "حماس" مثل إسماعيل هينة وموسى أبو مرزوق تحدثوا بإسهاب عن المصالحة.

·      وهذا ليس مستغرباً، فحماس" هي الرابح الأساسي من توقيع الاتفاق، فهذا التنظيم الإسلامي الذي يسيطر على قطاع غزة يعاني من ضائقة اقتصادية وسياسية حادة وهو غير قادر على تأمين الحد الأدنى من حاجات نحو مليون ونصف المليون من سكان القطاع بسبب ابتعاده عن سورية وإيران وخسارته لدعم النظام الحاكم حالياً في مصر الذي يعتبر "حماس" حليفة للإخوان المسلمين وأنها تشكل تهديداً غير مباشر لأمن المواطنين في مصر. ولهذا السبب يقوم رجال الجنرال السيسي بهدم أنفاق التهريب ويفتحون معبر رفح بصورة متقطعة.

·      إن اتفاق المصالحة الموقع قبل يومين يمنح "حماس" الشرعية الدولية وربما قد تحصل بعده على مساعدات للتغلب على محنتها ومحنة سكان القطاع. فاليوم تقدم قطر وتركيا بصعوبة ما تعهدتا به.

·      لكن ما هو أكثر أهمية بالنسبة لـ"حماس" هو أن اتفاق المصالحة يجعل أبو مازن مسؤولاً عن أمن سكان القطاع ورفاههم، فإلى اليوم يدفع أبو مازن حسابات محطة الوقود في غزة (إسرائيل هي التي تزودها بالوقود)، وهو الذي يدفع رواتب الأساتذة الذين ينتمون لحركة "فتح" في القطاع مع أنهم لا يفعلون شيئاً منذ سنة 2007، ومنذ الآن سيصبح محمود عباس مسؤولاً عن الجميع، وسيصدع رأسه بحثاً عن عذر يمكنه من الحصول على مساعدات من الأميركيين والأوروبيين ستصل في النهاية إلى "حماس" والفصائل الأخرى في غزة.

·      ثمة فائدة أخرى ستحصل عليها "حماس" هو قبولها مع الجهاد الإسلامي الفلسطيني والمنظمات الغزية الأخرى كأعضاء في منظمة التحرير الفلسطينية. وهذا سيسمح لـ"حماس" بالسيطرة على المنظمة التي تمثل الشعب الفلسطيني. ويجب ألا ننسى أن أبو مازن هو زعيم منظمة التحرير ومنها يستمد صلاحياته. فإذا سيطرت "حماس" على المنظمة، فإن هذا سيمنح المنظمة الفلسطينية توجهاً جديداً كفاحياً.

·      في المقابل، فإن أبو مازن وحركة "فتح" لن يربحا الكثير، فهما سيحصلان على نقاط وسط الرأي العام الفلسطيني لأن المصالحة تحظى بتأييد كبير في الضفة ومخيمات اللاجئين. وسوف يحصل أبو مازن على سوط جديد يستطيع أن يرفعه فوق رؤوس الأميركيين والإسرائيليين في ما يتعلق باستئناف المفاوضات السياسية.

·      على الرغم من التصريح الذي أدلى به أبو مازن هذا المساء فإنه في حال جرت الاستجابة للشروط التي وضعها لاستئناف المفاوضات، فهو يستطيع التهرب من الاتفاق الحالي مع "حماس" مثلما فعل في الاتفاقات السابقة. لكن إذا لم تجر الموافقة على شروطه، فبإمكانه اتهام إسرائيل والأميركيين بأنهم هم الذين دفعوا به إلى أحضان "حماس" والجهاد الإسلامي ولجان المقاومة الشعبية.

·      وفي الواقع هناك أسباب عديدة تجعل أبو مازن غير سعيد بالاتفاق، فهو يعلم أن التقارب بينه وبين "حماس" والجهاد الإسلامي لن ينظر إليه بعين الرضا خاصة من جانب مصر والسعودية اللتين تعاديان الإخوان المسلمين وأمثالهم. كما ان الاتفاق مع "حماس" يعرض للخطر حكمه وحركة "فتح" والسلطة الفلسطينية في الضفة. فقد تسيطر "حماس" على الضفة وتدفع الفلسطينيين إلى مواجهة مع إسرائيل وإلى وضع اقتصادي صعب مثل وضع أهالي غزة.

·      أما في ما يتعلق بإسرائيل فليس هناك أسباب تدعوها للتحسر، فاتفاق المصالحة يعطي رئيس الحكومة ووزير الدفاع وسيلة دعائية مهمة يستطيعان استغلالها من أجل إظهار أبو مازن ورجاله في صورة ذئاب إرهابية في ثياب نعاج من أنصار السلام، وما يؤكد ذلك هو الوحدة بين "فتح" و"حماس".

·      في هذه الأثناء، تتخذ الإدارة الأميركية موقفاً مثيراً للاهتمام، فهي مستعدة لمنح شرعية غير مباشرة لـ"حماس" شرط استمرار المفاوضات، وألا يشكل اتفاق المصالحة سبباً لوقف الاتصالات مع إسرائيل. كيف يمكن تحقيق ذلك؟ بأن تعترف، حسبما يقول الأميركيون، حكومة الوحدة الفلسطينية بمبادئ عدم استخدام العنف وبدولة إسرائيل والاتفاقات السابقة معها، وبهذه الطريقة تلتف "حماس" على ضرورة الاعتراف مباشرة بهذه المبادئ.

·      لكن الأميركيين يضيفون شرطاً آخر قد يثقل على "حماس" وأبو مازن وهو أن تطبق الحكومة الفلسطينية هذه المبادئ أي الامتناع عن إطلاق صواريخ. وبهذه الطريقة تسجل إسرائيل لنفسها إنجازاً إضافياً: فإذا نُفذ الاتفاق سيصبح أبو مازن مسؤولاً رسمياً عن كل صاروخ قسّام أو عبوة ناسفة تخرج من القطاع أو تنفجر في إسرائيل والضفة. الأمر الذي سيعزز مطالب إسرائيل الأمنية في إطار أي اتفاق ويسمح لنتنياهو ويعالون بإضافة مطالب أخرى.

·      إن مجرد توقيع اتفاق المصالحة يعزز الادعاء الإسرائيلي بشأن الحاجة إلى ترتيبات أمنية صارمة وواسعة، كما أن الاتفاق يجعل أبو مازن المسؤول المباشر عما يفعله أنصار "حماس" وسائر التنظيمات، فإذا تبين أنه غير قادر على السيطرة عليهم، فهذا يعني أنه غير قادر على تطبيق الاتفاق الذي سيوقعه مع إسرائيل. وسوف تستغل هذه الحجة سياسياً من جانب اليمين الإسرائيلي.

·      إن قرار إسرائيل إلغاء المحادثات التي كان يجب أن تجري هذا المساء خطوة ضغط تمارسها على الأميركيين والفلسطينيين هدفها التشديد على أن أبو مازن هو المسؤول عن تفجير المفاوضات وليس إسرائيل.

·      وفي الختام يبدو أن توقيع اتفاق المصالحة لا يدل بالضرورة على رغبة أبو مازن في تطبيقه. ويمكننا افتراض أن تطبيقه منوط اليوم بأمر واحد هو هل سيتفق كل من إسرائيل والفلسطينيون على تمديد المفاوضات. فإذا جرى ذلك، فإن اتفاق المصالحة الفلسطينية سيتبخر مثلما تبخرت الاتفاقات السابقة. أما إذا لم يتم الاتفاق على تمديد المفاوضات السياسية، فإن أبو مازن سيواصل مفاوضاته مع "حماس" إلى أن يحدث انفجار جديد.