سلام فياض أو الفرصة الضائعة
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

·       إن معظم الأحداث التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط في الأعوام الأخيرة كانت بمثابة أخبار سيئة، فقد سيطرت حركة "حماس" على قطاع غزة، وحركة الإخوان المسلمين على مصر، وتحولت تركيا إلى قوة عظمى إقليمية عثمانية جديدة ومشاكسة، وتم قمع الانتفاضة الإيرانية [سنة 2009]، ودخل العراق في دائرة النفوذ الشيعي، وغدت سورية مسلخاً مروّعاً، وحتى ليبيا، التي لاحت فيها بارقة أمل لفترة وجيزة، قُتل فيها بالأمس السفير الأميركي.

·       ففي معظم أرجاء العالم العربي، يزداد التطرف ويتضاءل الاعتدال ويبدو المستقبل قاتماً. وعلى الرغم من الآمال التي أيقظها الربيع العربي، فإن أغلبية دول المنطقة تبدو أقل استنارة واستقراراً وسلاماً من ذي قبل.

·       إلاّ إن الأمور بدت مغايرة في منطقة واحدة فقط، فهناك مكان وحيد في العالم العربي ثابر على تصدير أخبار جيدة في الاعوام الخمسة الأخيرة، وهو الضفة الغربية، إذ عرفت الضفة منذ سنة 2007، وفي ظل قيادة سلام فياض، فترة ازدهار لا مثيل لها. هكذا، استتب حكم القانون والنظام، وبلغ معدل نمو الاقتصاد قرابة 10٪ في العام، وتوسع نطاق الحياة الطبيعية بالتدريج، من رام الله، إلى الخليل، وبيت لحم، ونابلس، وجنين، وقلقيلية، وطولكرم. وبعد أعوام الفوضى خلال الانتفاضة الأولى، وأعوام الفساد أيام ياسر عرفات، وكابوس الانتفاضة الثانية، ساد نوع من الهدوء، فتحول المتطرفون إلى براغماتيين، والإرهابيون إلى رجال أعمال، وعاد طابع حب الحياة حاضراً بقوة. فقد نجح رئيس الحكومة الفلسطينية في إحداث أعجوبة اقتصادية ذات دلالات بعيدة المدى في الضفة الغربية.

·       إن أهمية مشروع فياض ليست اقتصادية الطابع أو موضعية فقط، فالفلسطينيون لم يعرفوا طوال تاريخهم قيادة وطنية سعت لتحسين نوعية حياتهم، فلا الحاج أمين الحسيني، ولا أحمد الشقيري، ولا عرفات، سعوا لتحقيق العيش الكريم اليومي لشعبهم. وقد ناضلت حركة التحرر الوطني [الفلسطينية] ضد البريطانيين، ثم ضد الصهاينة، وضد الإسرائيليين، لكنها لم تعمل على تنمية قدرات الفلسطينيين، فهي لم تطور المؤسسات التربوية، أو الصحية، أو البنى التحتية التي تؤمن العيش الكريم.

·       إلاّ إن هذا المشهد تبدل مع سلام فياض. فهذا الاقتصادي، ابن الضفة الغربية، الذي تلقى علومه في تكساس الأميركية، ونمّى قدراته في صندوق النقد الدولي، كان الزعيم الفلسطيني الأول الملتزم بتحقيق العمران والازدهار، وهو لم يتنازل عن أي هدف قومي، لكنه سعى لتحقيق هذه الأهداف بواسطة إطالة الحياة لا عبر تقصيرها.

·       من هنا، كانت الأعوام الخمسة من عهد فياض بمثابة فرصة ذهبية، فكان في الإمكان التحاور معه، وعقد صفقات تجارية معه، وبناء دولة فلسطينية معه.

·       طبعاً، كان رئيس حكومة السلطة الفلسطينية خاضعاً لرافض السلام المحنك، الرئيس محمود عباس، ولم تكن لديه الصلاحيات الدستورية لتوقيع اتفاق السلام، كما لم يكن لديه الدعم السياسي المطلوب لإنجاز تسوية تاريخية. لكن فياض كان يمكن أن يكون شريكاً مثالياً في مسار تدريجي لتقاسم الأرض، كما كان يمكن أن يكون الشريك الصامت المؤتمن على أجزاء من الضفة الغربية لإقامة كيان فلسطيني عليها يسعى للسلام. وفياض هو الفلسطيني الذي لطالما حلمنا به، والذي كان يمكن العمل معه لتحقيق حلم التعايش.

لكن حكومة بنيامين نتنياهو فوتت هذه الفرصة الذهبية، وعلى الرغم من أن نتنياهو تكلم كثيراً على السلام الاقتصادي. وعلى الرغم أن إيهود براك التزم بتقاسم الأراضي، فإنه لم يعرض على فياض مساراً حقيقياً لتقاسم الأرض. فحوّل الإسرائيليون طريق النمو التي شُقت في رام الله في الأعوام الأخيرة إلى طريق مسدود، ولذا نرى الآن، كيف جرى حشر سلام فياض في الزاوية، سواء أنجح التمرد عليه أم لم ينجح إذ إن بصيص الأمل الذي كان متجسداً في هذا السياسي الفلسطيني المعتدل الأول، بدأ يذوي.