الحركة الاحتجاجية في الضفة الغربية سببها الأزمة الاقتصادية والإحباط والقطيعة بين الجمهور وزعامته
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

 

·       في حين يقوم رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بزيارة رسمية للهند، نجد أن الضفة تغلي. ويبدو أن المسافة التي تفصل بين رام الله ونيودلهي هي المسافة نفسها التي تفصل بين رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، التي تعتبر نفسها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، وشعبه. فمن المحتمل أن يكون مستشارو محمود عباس المقربون قالوا له إن في إمكانه السفر بهدوء، وإن الوضع في الضفة تحت السيطرة. ففي بداية حركة الاحتجاجات الشعبية ضد غلاء الأسعار، كان الحديث الرسمي عن أن هذه التظاهرات ليست مسيسة، وليست موجهة ضد سلطة "فتح"، لكن عندما رُشق مبنى بلدية الخليل بالحجارة، وأُشعلت الإطارات على مداخل المخيمات، وحاصر المتظاهرون في الخليل مركز الشرطة، انهالت الاتهامات والشكوك في وجود "عناصر غريبة تسعى لإثارة الأجواء"، وكثرت الأحاديث عن مؤامرات، بعضها مصدره أوساط رسمية تحدثت عن أن الذي بدأ الإضرابات والتظاهرات أعضاء في حركة "فتح" يسعون للإطاحة برئيس الحكومة سلام فياض. وفي حال كان هذا الكلام صحيحاً، فهو قد يكون أخطر من القطيعة بين الرئيس الفلسطيني وبين جمهوره، لأن هذا معناه أن أعضاء "فتح" منقطعون عن الواقع الذين يعيشون فيه، ولا يدركون خطورة الأزمة الاقتصادية وعمق مشاعر الإحباط لدى الجمهور، ولا يعرفون أن كل تظاهرة هي بمثابة عود ثقاب من شأنه إشعال كل شيء. إذ بات الناس، من جنين وحتى جنوب جبل الخليل، يتحدثون عن السلطة الفلسطينية كما لو كانت سلطة غريبة أو احتلالاً ثانياً.

·       منذ قيام السلطة الفلسطينية اعتقدت زعاماتها أنها قادرة على التصرف كما لو كانت من الدول الكبرى السيادية. فقد سمحت لنفسها بتجميع الثروات، وسمحت للمقربين منها بالاغتناء، وأوجدت سلسلة من أصحاب الوظائف الكبيرة. وجرى هذا كله في ظل الاحتلال الإسرائيلي وبإذن منه، في مقابل أن تتحول السلطة الفلسطينية إلى مقاول ثانوي للتوقيفات والتحقيقات.

·       وفي سنة 2006 تلقت السلطة الفلسطينية ضربة قاسية لدى خسارتها في الانتخابات. ويومها اعتقدنا أن هذا سوف يلقنها درساً وسيغير طريقة تصرفها، لكن التغييرات التنظيمية المالية التي أدخلتها بعد ذلك، كان هدفها الأول إرضاء الدول المانحة. وهكذا أدت عملية "بناء أجهزة الدولة" [المشروع الذي تبناه سلام فياض] إلى تعميق عدم المساواة داخل المجتمع الفلسطيني. ومع ذلك، فقد أعطى جزء كبير من سكان الضفة الغربية السلطة الفلسطينية فرصة أخرى، على أمل أن يفرض الغرب على إسرائيل احترام القرارات الدولية وأن تقوم دولة فلسطينية.

·       بيد أن الغرب لم يفرض شيئاً على إسرائيل، لا بل إن الأزمة الاقتصادية العالمية جعلته غير قادر على مواصلة تغطية الخسائر التي يتكبدها الاقتصاد الفلسطيني جراء استمرار الاحتلال الإسرائيلي. لقد انتهجت السلطة الفلسطينية العمل الدبلوماسي الذي لا يستطيع أن يهزم الاحتلال، ولا أن يطرح سياسة اقتصادية مختلفة من شأنها تقليص الفوارق الاقتصادية غير المحتملة وسط الجمهور، ولا أن يرمم ثقة الجمهور من جديد بالسلطة الفلسطينية. فالتحسينات التي أعلنها بالأمس سلام فياض لا تعدو كونها أشبه بحبة دواء مسكنة للألم، بصورة موقتة.