· إن باراك أوباما يرغب في أن يكون زعيماً عظيماً، ولذا، فإنه ينظر إلى مؤسسة الرئاسة الأميركية وإلى ولايته الرئاسية باعتبارهما فرصة للتأثير في مجرى التاريخ، من خلال شق طريق أخرى للولايات المتحدة.
· من المعروف أن أوباما هو الرئيس الـ 44 للولايات المتحدة، منذ استقلالها قبل 234 عاماً. ثمة رؤساء أميركيون كثيرون لا يذكرهم أحد الآن، غير أن التاريخ ما زال يذكر رؤساء عظماء مثل أبراهام لينكولن أو فرانكلين روزفلت أو هاري ترومان، ذلك بأن كتب التاريخ تكنّ التقدير للزعماء العظماء فقط.
· وهناك إجماع واسع في أوساط المؤرخين على أنه منذ جورج واشنطن، أول رئيس للولايات المتحدة، وحتى الآن، فإن صفة زعيم عظيم لا تنطبق إلاّ على عشرة رؤساء أميركيين فقط. وعلى ما يبدو، فإن أوباما يتطلع إلى الانضمام إلى هذه اللائحة، وهو يعتقد أن قيامه بحل مشكلات الشرق الأوسط سيتيح له إمكان دخول نادي الرؤساء الأميركيين العظماء.
· لكن يبدو أيضاً أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، الذي وصف لقاءه مع أوباما أمس بأنه كان "حميماً وودياً للغاية ومرتكزاً على المصالح المشتركة لكل من إسرائيل والولايات المتحدة"، لم يفهم جيداً، على مدار العام ونصف العام الفائتين، ماهية الدوافع التي تحرك أوباما، وجوهر القيم السياسية التي يتبناها. ولو أنه فهم ذلك جيداً لكان طرح على الرئيس الأميركي، خلال أحد اللقاءين السابقين اللذين عقدهما معه، رؤية عامة تتضمن وجهة نظره السياسية، ورؤية أخرى تلائم ما بين العلاقات الأميركية ـ الإسرائيلية والتغيرات الإقليمية، وتنطوي على إقرار بأن قوة إسرائيل مستمدة أساساً من قوة الولايات المتحدة في العالم. وفي رأيي، فإنه كان في إمكان نتنياهو أن يفعل ذلك من دون تقديم أي تنازلات تتعلق بمصالح إسرائيل القومية الحيوية.
· في المقابل، فإن الرئيس الأميركي لم يفهم جيداً المخاوف والقيود وخيبات الأمل لدى الإسرائيليين جرّاء ما حدث ويحدث في الشرق الأوسط. ولذا، فإن العلاقات بين الجانبين بقيت متوترة ومتسمة بقدر كبير من عدم الثقة.
· إن ما يمكن قوله الآن هو أن الزعيمين أدركا خطأهما الأساسي، ولذا، فإن لقاءهما أمس كان بمثابة لقاء مصالحة يفسح المجال أمام إمكان السير في طريق جديدة إيجابية. وقد توصل هذا اللقاء إلى نتائج وتفاهمات وطرق تفكير مشتركة، فضلاً عن توصله إلى توافق كامل فيما يتعلق بموضوعات مثل إيران وسياسة الغموض النووية الإسرائيلية ومحاربة الإسلام الراديكالي و"الإرهاب" المترتب عليه.
· مع ذلك، فإنه من الخطأ الاعتقاد أن لقاء أوباما ـ نتنياهو أمس أسفر عن شق طريق جديدة إزاء تسوية مشكلات الشرق الأوسط، ذلك بأن الخلاف بين الدولتين فيما يتعلق بموضوع التقدم نحو "حل الدولتين" لا يزال على حاله. إن أوباما يرى أن "حل الدولتين" يصبح شيئاً فشيئاً غير قابل للتطبيق، الأمر الذي يشكل خطراً استراتيجياً على إسرائيل، ويمس مصالح الولايات المتحدة، في حين أن نتنياهو يعتقد أن الأوضاع لم تنضج بعد لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وبالتالي، فإن إقامتها في الوقت الحالي من شأنها أن تفاقم خطر تحولها إلى قاعدة "إرهابية".
بناء على ذلك، من المتوقع أن يُسأل نتنياهو قريباً عن "خطة سياسية"، وأن يُطالَب في أيلول/ سبتمبر أو في تشرين الأول/ أكتوبر المقبلين بتقديم خريطة مفصلة شبيهة بالخريطة التي تضمنتها خطة كلينتون سنة 2000، أو بالخريطة التي أسفرت عنها محادثات إيهود أولمرت ومحمود عباس سنة 2008، وعندها ربما نعود مرة أخرى إلى الحديث عن "أزمة" في العلاقات الأميركية - الإسرائيلية.