ثمن الانسحاب من لبنان في السياسة الهجومية
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

المؤلف

·       يشكل الانسحاب من لبنان حدثاً مهماً واستثنائياً، بصفته محاولة من طرف واحد لبلورة واقع أمني في الشمال، مع السعي للحصول على اعتراف دولي واسع به.

·       كما شكل الانسحاب ذروة التغيرات المهمة التي طرأت على العقيدة العسكرية في إسرائيل، لكننا حتى الآن، لا نستطيع إعطاء جواب واضح عمّا إذا كان عملية مخططاً لها، وجاء نتيجة تفكير استراتيجي ـ سياسي، أم أنه نتج من الضغط الذي مارسه الرأي العام خلال الأعوام التي سبقته. إن الآراء، حتى اليوم، وبعد أحداث القتال ضد الفلسطينيين، وحرب لبنان الثانية، وعملية "الرصاص المسبوك"، ما زالت متباينة بشأن الدوافع التي كانت وراء قرار الانسحاب.

·       لقد شكل الانسحاب من لبنان مؤشراً إلى التغيير الذي لحق بالعقيدة العسكرية، وعلامة على الانتقال من العقيدة الهجومية إلى العقيدة الدفاعية.

·       كان بن ـ غوريون هو من وضع الاستراتيجيا الأمنية للدولة، وكانت استراتيجيا دفاعية، لكنها تسمح بالهجوم كأسلوب قتالي ـ تكتيكي، وبناء على ذلك طورت إسرائيل عقيدة هجومية لمواجهة التنظيمات الإرهابية. وخلال أعوام طويلة، طبّق الجيش الإسرائيلي باستمرار عقيدة عسكرية هجومية حالت دون نمو خطر الإرهاب، وأبقته على "نار خفيفة".

·       مع مرور الأعوام على وجود الجيش الإسرائيلي في لبنان، بدأ يتكون مسار متدرج أدى إلى التخلي عن العقيدة الهجومية وتبنّي عقيدة دفاعية واضحة الملامح. فقد تراجع عدد العمليات الهجومية، كما أن حرية العمل العسكري المعطاة للقادة العسكريين على الأرض تقلصت بصورة كبيرة. ونشأ نتيجة ذلك واقع عسكري جعل من الصعب الاستمرار في انتهاج عقيدة هجومية، وقد جرى هذا في ظل مناخ اجتماعي حوّل خسائر البقاء في لبنان عنصراً أساسياً في النقاش العام.

·       لقد شكل الانسحاب من لبنان ذروة هذا المسار. فإسرائيل انسحبت إلى خط دفاعي، وتوقفت كلياً عن القيام بعمليات هجومية، وانتقلت إلى سياسة "احتواء"، وسعت لحصر كل حدث في إطاره المحلي، من دون المساس بالأطر الأوسع للخطر، ومن دون أن تحاول التأثير في التطورات على الصعيدين المتوسط والبعيد.

·       كانت هذه عقيدة دفاعية ضيقة الأفق، وتتعارض بصورة كاملة مع العقيدة الأساسية للجيش منذ قيام الدولة. فبعد مضي ستة أشهر على الانسحاب، سنحت الفرصة لإسرائيل من أجل وضع معادلة هجومية رادعة، وذلك في أعقاب عملية الخطف التي وقعت في هار ـ دوف [مزارع شبعا]. لكن الفرصة ضاعت، ولم يحدث شيء، وكانت النتيجة مضي إسرائيل والجيش الإسرائيلي بعيداً في سياسة "الاحتواء".

·       لقد قُدّمت تبريرات كثيرة لاتّباع هذه السياسة مثل الانشغال بالقتال ضد الفلسطينيين وعدم الرغبة في توسيع دائرة المواجهة، لكن هذه السياسة سمحت للمنظمات الإرهابية بأن تنمو من دون كوابح، ولحزب الله بالتزود بأسلحة صاروخية عديدة. وبعد أن أدركت الحكومة الإسرائيلية أن لا مجال أكثر من ذلك للاستمرار في هذه السياسة التي تُعدّ سيئاتها أكثر من حسناتها، وقعت حرب لبنان الثانية. ويمكن القول إن عملية "الرصاص المسبوك" حدثت عندما قررت حكومة إسرائيل، بعد أعوام من القصف، القيام بعملية هجومية.

يتعين علينا اليوم أن نتقصّى ما إذا كنا نشهد تغييراً جذرياً في العقيدة، أم أن ما جرى هو مجرد تغيير محدود. وآمل أن يتم الانتقال إلى عقيدة أكثر هجومية في الدفاع عن مصالح دولة إسرائيل.