معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
المؤتمر السنوي السادس لمعهد دراسات الأمن القومي
نيسان / أبريل 2013
برنامج إيران النووي: آن أوان اتخاذ القرارات
[تلخص هذه الوثيقة أبرز نتائج النقاش الذي أجراه الخبراء الاستراتيجيون لمعهد دراسات الأمن القومي بشأن أفضل السبل لمواجهة برنامج إيران النووي. وتتضمن هذه الوثيقة تحليل هذه المسألة، والذي جرى في ربيع سنة 2013 ، وذلك استناداً إلى نتائج البحث الذي نُفّذ في ربيع 2012، كما تطرح أفكاراً وتوصيات تتعلق بالمستوى السياسي].
ما الذي تغير في السنة الماضية؟
· برنامج إيران النووي يمضي قدماً ويتجاوز الخطوط الحمر: لقد بلغ مخزون اليورانيوم ذي التخصيب المتدني (3,5%) قرابة 8,3 أطنان مترية من سادس فلوريد اليورانيوم UF6، وهي كمية كافية لإنتاج ست قنابل ذرية إذا بلغ تخصيب اليورانيوم مستويات عسكرية . كما يواظب الإيرانيون على عمليات التخصيب بدرجة 20%، على الرغم من الانطباع السائد بأنهم يتجنبون تجاوز الخط الأحمر الذي تكلم عنه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، أي إنتاج كمية كافية لصنع قنبلة ذرية واحدة (نحو 250 كيلوغراماً [من اليورانيوم المخصَّب]). وتجدر الإشارة إلى أن تحويل بعض المواد إلى وقود نووي، وهو ما يسمح لإيران بالزعم أنها لم تتجاوز الخط الأحمر، هو مسار يمكن التراجع عنه خلال فترة زمنية وجيزة، إذ يمكن إرجاع معظم الكميات إلى حالتها السابقة في غضون وقت قصير.
وقد أصبحت منشأة فوردو عملانية وتحتوي على 2500 جهاز طرد مركزي. وارتفع العدد الإجمالي لأجهزة الطرد المركزي في منشأتَي التخصيب إلى نحو 12000 جهاز، الأمر الذي يعني أن زمن الاختراق الإيراني بات نحو ثلاثة أشهر، بمجرد أن تصبح أجهزة الطرد عملانيةً. علاوة على ذلك، ركّبت إيران أجهزة طرد أكثر تطوراً من الطراز القديم في منشأة نتانز. ويمكن أن نضيف إلى ذلك التقدم الموازي في مسار إنتاج البلوتونيوم، إذ أعلن الإيرانيون عزمهم على استكمال مفاعل البلوتونيوم الذي هو في قيد الإنشاء في أراك بحلول سنة 2014. وثمة تخوف من وجود منشآت سرية وغير معلنة.
· سياسة الولايات المتحدة الأميركية: خلال العام الأخير، اعتمدت الإدارة الأميركية سياسة أكثر صرامة تجلّت عبر فرض العقوبات المؤلمة التي ألحقت ضرراً بالغاً بالاقتصاد الإيراني، وعبر الكلام الحازم بشأن "الوقاية" (Prevention) بدلاً من "الاحتواء" (Containment)، وعبر تحضيرات عسكرية في الخليج. لكن في الواقع، فإن الأميركيين يخرجون من حربَين في منطقة الشرق الأوسط، وهناك إحجام أميركي عام عن خوض حرب جديدة، وتُسمع أصوات من خارج الإدارة الأميركية تدعم خيار "الاحتواء"، وهذه الأمور جميعاً تنتقص من صدقية الكلام الأميركي أن "جميع الخيارات مفتوحة." فالهدف من زيارة أوباما الأخيرة كان إقناع حكومة إسرائيل بدعم الولايات المتحدة الأميركية في هذه المسألة بالذات. ويمكن القول إن درجة التفاهم التي بلغها الطرفان في هذا المجال هي مقياس في منتهى الأهمية لهذا التحليل.
· التدخل الإسرائيلي: خلال النصف الأول من سنة 2012، أطلق قادة إسرائيل تهديدات صريحة بأن لحظة توجيه ضربة عسكرية [إسرائيلية] ضد إيران باتت قريبة. وأدت هذه التهديدات إلى مواجهة مع الإدارة الأميركية التي مارست ضغوطاً قوية لمنع إسرائيل من تنفيذ تهديداتها، وإلى جدل داخلي حادّ في إسرائيل شارك فيه الرئيس شمعون بيرس الذي أبدى معارضته العلنية للضربة. وفي أيلول / سبتمبر الماضي، غيّرت إسرائيل معاييرها بالنسبة إلى تحديد "الخط الأحمر"، فلم يعد هذا الخط هو دخول "إيران منطقة الحصانة" [التي تسمح لها باستكمال برنامجها من دون الخوف من حدوث تدخّل مؤثر]، وإنما بات معيار "الخط الأحمر" هو كمية المادة المخصَّبة بدرجة 20%. وسمح هذا المسار لإسرائيل بتأخير العمل العسكري على الرغم من دخول إيران "منطقة الحصانة". وكان لافتاً غياب موضوع توجيه ضربة إلى إيران عن جدول أعمال الحملة الانتخابية في كل من الولايات المتحدة وإسرائيل. فهناك اليوم في إسرائيل حكومة جديدة تضمّ وزراء أساسيين يواجهون لأول مرة الاعتبارات والاستراتيجيات الجديدة، وتقويم القدرات والمخاطر في الملف الإيراني. ومن السابق لأوانه معرفة ما إذا كان الفريق الحكومي الجديد سيؤيد توجيه ضربة عسكرية إلى إيران.
· المجتمع الدولي: يبذل المجتمع الدولي جهوداً حثيثة لتجنّب أزمة تفضي إلى نزاع مسلح، ويفضّل إجراء كل شيء عبر القنوات الدبلوماسية. ومع أن روسيا والصين لا تشاركان في العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، إلاّ إن حدّة معارضتهما للعقوبات خفّت كثيراً. وهما تؤديان دوراً إيجابياً في إطار مجموعة الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، علاوة على ألمانيا (مجموعة الـ "5+1") من خلال الضغط الدبلوماسي على إيران والمفاوضات معها. وقد قامت أوروبا خلال سنة 2012 بدور قيادي في فرض العقوبات على إيران، لكن لا يوجد نظام واحد موحّد لتطبيق العقوبات بحزم حتى لدى مجموعة الثلاث (ألمانيا؛ فرنسا؛ إنجلترا).
· كوريا الشمالية: تُعتبر الأزمة التي أطلقتها كوريا الشمالية في الآونة الأخيرة، والتي شملت تهديدات صريحة باستخدام السلاح النووي ضد الولايات المتحدة واليابان، حالةً اختباريةً مهمةً في سياق المسألة الإيرانية. فهذه الأزمة ربما تؤثّر في مقاربة كل من الولايات المتحدة والمجتمع الدولي للملف الإيراني، وقد يكون لها تأثير إيجابي محتمل عبر مزيد من التفهم لضرورة منع الدول "المارقة" من امتلاك القدرات النووية العسكرية. ومع ذلك، قد ينبري بعض الأطراف، بعد إنتهاء الأزمة، للقول إن عدم استخدام السلاح النووي في نهاية الأمر يثبت أنه يمكن لجم واحتواء حتى الدول "المارقة" مثل إيران وكوريا الشمالية.
· الاستراتيجيا الإيرانية: تواصل إيران العمل وفق الاستراتيجيا التي أثبتت جدواها في العقد الأخير. وبهذه الطريقة تتقدّم إيران شيئاً فشيئاً وبخطوات مدروسة في تطوير البنى التحتية النووية، الأمر الذي يكفل لها تحقيق اختراق مضمون بمدة قصيرة نحو امتلاك قدرات نووية عسكرية، وفي أي وقت تختاره. فعلى الرغم من التحدي الإيراني للمجتمع الدولي، يبدو أن عروض الدول الغربية لإيران آخذة في التحسن من وجهة نظرها، ما دامت المفاوضات مستمرة.
ثلاثة سيناريوهات محتملة للعام المقبل
· السيناريو الأول: "بقاء الأمور على ما هي عليه"، فتحرص إيران على عدم تجاوز الخطوط الحمر التي وضعتها الولايات المتحدة وإسرائيل، وتمضي قدماً وبحذر في برنامجها النووي، وتواجه تأثير العقوبات بفضل أرصدتها الضخمة من العملة الصعبة، ولا تعطي أياً من الولايات المتحدة وإسرائيل ذريعة لزيادة تهديداتهما أو للقيام بعمل عسكري أو التحضير لعمل كهذا، ولن يكون للعمل العسكري في نظر المجتمع الدولي أي مشروعية عندئذ، وستبقى المفاوضات الدبلوماسية مستمرة. وهذا سيناريو إشكالي للغاية لأنه يسمح لإيران بمواصلة توسيع منظومة أجهزة الطرد، وزيادة مخزون اليورانيوم المخصَّب بدرجة متدنية، وبتقصير المدة اللازمة لتحقيق اختراق نحو امتلاك قدرات نووية عسكرية.
· السيناريو الثاني: "التوصل إلى تسوية عبرالقنوات الدبلوماسية"، إذ قد يؤدي الخوف من العمل العسكري ومفعول العقوبات إلى دفع الأطراف المعنية إلى اتفاقية تسوية، لكن تجدر الإشارة إلى أنه ليست كل اتفاقية بمثابة حلّ فعلي للمسألة النووية الإيرانية، وإنما يجب التمعن في مضمون كل اتفاقية. وتأتي الاتفاقيات بثلاثة أشكال: فهناك "الصفقة السيئة" التي تركّز فقط على منع تخصيب اليورانيوم بدرجة 20%، وعلى منع تطوير السلاح النووي بعينه، فضلاً عن تحسين آلية الرقابة، لكنها تبقي على الأنشطة النووية في إيران، وتسمح بتوسعيها، وتتيح لإيران تحقيق اختراق نحو امتلاك السلاح النووي في فترة وجيزة جداً في أي وقت تختاره؛ وهناك "الصفقة الجيدة" التي تفكّك برنامج إيران النووي وتُخرج مجمل المواد المخصَّبة من إيران. ويمكن القول إن احتمال حدوث أي من هاتين الصفقتين ضعيف جداً. ومن المرجح أن تكون "الصفقة المعقولة" حلاً وسطاً بين هاتين الصفقتين يؤخر اقتراب إيران من امتلاك قدرات نووية عسكرية. وهكذا، يمكن بلورة صفقة معقولة تعترف بحقوق الإيرانيين في تخصيب اليورانيوم، لكن لا تسمح بحيازة إيران لعدد من أجهزة الطرد المركزي القادرة على تحقيق اختراق نووي. ويمكن أن تؤدي هذه الاتفاقية المعقولة إلى إخراج معظم المواد المخصبة من إيران، وإلى إغلاق منشأة فوردو لتخصيب اليورانيوم ومفاعل أراك لإنتاج البلوتونيوم، وتطبيق رقابة ناجعة بشكل فاعل، أقلّه بمقاييس "البروتوكول الإضافي". وسيكون على إسرائيل أن تقرر ما إذا كانت "الصفقة المعقولة" مقبولة من وجهة نظرها، وفي حال اعتبرتها "سيئة"، فإن عليها أن تقرر ما إذا كان في استطاعتها القيام بعمل عسكري بمفردها في الوقت الذي لا يعطي المجتمع الدولي، ومن ضمنه الولايات المتحدة الأميركية، مشروعية لعمل كهذا.
· السيناريو الثالث: " نشوء أزمة"، إذ ربما تنشأ أزمة من فعل الإيرانيين أنفسهم، أو الإسرائيليين، وبدرجة أقل الأميركيين أيضاً. فقد يتسبب الإيرانيون بأزمة إذا وجدوا صعوبة في مواجهة العقوبات. وفي هذه الحالة، قد تنسحب إيران من معاهدة الحد من انتشار السلاح النووي (NPT)، وتطرد مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA)، وترفع درجة التخصيب إلى مستوى القدرات النووية العسكرية. كما تستطيع إيران أن تمارس التحدي باعتدال بحيث تحاول البقاء تحت مظلة معاهدة الحد من انتشار السلاح النووي (NPT)، وتتحين الفرص لتوسيع نشاط التخصيب العالي الدرجة، مثلاً، من أجل إنتاج وقود نووي للغواصات (درجة تخصيب تتراوح ما بين 60 و90%). وسيحتّم سيناريو كهذا على إسرائيل، وربما أيضاً على الولايات المتحدة، اتخاذ قرار بتوجيه ضربة عسكرية إلى إيران.
الأمور تتجه نحو اتخاذ القرار
· يقترب اللاعبون الثلاثة الرئيسيون: إيران، والولايات المتحدة، وإسرائيل، من مفترق طرق يفرض عليهم اتخاذ قرارات حاسمة [لجهة التصعيد أو التسوية] في النصف الثاني من سنة 2013. فثمة شك في أن الاستراتيجيات المتّبعة خلال الأعوام الأخيرة قادرة على تقديم أجوبة ملائمة للمتغيرات، وعلى كل طرف أن يختار بين التصعيد أو التسوية. فعلى إيران أن تختار بين التعامل بمرونة في المفاوضات، أو على العكس، البدء بالاختراق قدماً بحسب النموذج الكوري الشمالي. وعلى الولايات المتحدة أن تقرر ما إذا كانت ستقدم تنازلات معينة للوصول إلى اتفاقية تسوية معقولة. وقد تواجه إسرائيل وضعاً يحتّم عليها درس إمكان القيام بعمل عسكري بمفردها على الرغم من المعارضة الأميركية، علماً بأن الوقت يداهمها، أو القبول بصفقة سيئة من وجهة نظرها، انطلاقاً من ثقتها بالوعد الذي قطعه الرئيس الأميركي بأنه لن يسمح بتحول إيران إلى قوة نووية.
ما هي اعتبارات الأطراف المعنية؟
· لم تقتنع إيران حتى الآن بتغيير مسارها، فهي تبدي على سبيل المثال، استعداداً لتقديم تنازلات هامشية فقط، في موضوع تخصيب اليورانيوم بدرجة 20%، في مقابل رفع العقوبات عنها. ولا شيء يدل على أنها في وارد التخلي عن خيار امتلاك السلاح النووي في الوقت الذي تختاره، لأنها تعتبر أنه لا يزال لديها مجال للمناورة، فقد أدركت أنه كلما زاد تحديها، أبدت الدول الغربية مرونة أكبر بهدف الوصول إلى اتفاق.
· الولايات المتحدة ملزمة بوقف المسعى الإيراني، لكن من الواضح أن الأفضلية هي لعقد صفقة معقولة مع إيران. ففي نظرها لا يزال هناك وقت كافٍ لاتخاذ القرار بشأن العملية العسكرية. فهي ليست مضطرة إلى توجيه ضربة عسكرية، وقد تكون مستعدة لدفع أثمان في مقابل تجنب قرار كهذا، ومن المحتمل أن تبدي استعداداً للقبول بصفقة مع ثغرات.
· إسرائيل ستكون أول من سيضطر إلى اتخاذ قرار في جميع الحالات، ذلك بأن تأثيرها في المفاوضات محدود بسبب عدم مشاركتها فيها. وإذا واصلت إيران إنتاج اليورانيوم المخصب بالوتيرة الحالية، فإنها من المتوقع أن تتجاوز "الخط الأحمر" الإسرائيلي في النصف الثاني من سنة 2013. وحتى في سيناريو اتفاقية تسوية، فمن المرجح أن تعتبر إسرائيل هذه الاتفاقية غير قادرة على إيقاف مشروع إيران النووي العسكري. ومع ذلك، يواجه العمل العسكري معوّقين أساسيين: توسع رقعة انتشار المنشآت النووية الإيرانية ووضعها الحصين، وضرورة تأمين مشروعية دولية لتوجيه ضربات عسكرية إلى إيران، وتفعيل التنسيق المشترك مع الولايات المتحدة بهذا الشأن. ويبقى السؤال الرئيسي: هل تستطيع الولايات المتحدة وإسرائيل التفاهم بشأن رسم "الخطوط الحمر"، وتنسيق المواقف من الضربات العسكرية؟
· وهنا بيت القصيد: فعلى الرغم من صعوبة وضع إيران في العقد الأخير ـ كونها معزولة وخاضعة للعقوبات القاسية - فإن المحاولات كلها لم تمنعها من مواصلة مشروعها النووي خلال سنة 2012: لقد فشلت دبلوماسية المفاوضات، ودبلوماسية العقوبات، والتخريب، والعمليات السرية، في إقناع إيران بتغيير مسارها. وفي ظل وتيرة التقدم الإيراني الحالي، فإن الإيرانيين سيحققون في نهاية العام الحالي قدرة اختراق مدته شهر أو شهران إذا ما أقدموا على تشغيل أجهزة الطرد المتطورة التي في حيازتهم بطاقتها الكاملة.
فيما يلي مقترحات بشأن السياسة التي من شأنها إيقاف هذا التطور الإشكالي والخطر:
أ- مقترحات موجهة إلى الإدارة الأميركية
جولة إضافية وفورية من العقوبات: مع أن العقوبات على إيران كانت مؤلمة إلاّ إنها لم تنجح في حملها على تغيير مسارها. وبناء عليه، نقترح توسيع العقوبات الدولية وتشديدها. والأفكار المطروحة هي التالية: تعليق مشاركة إيران في المنظمات الدولية (الرياضية، والثقافية، وغيرهما)؛ إجراءات لخفض واردات الصين والهند النفطية من إيران؛ إقناع دول إضافية بالمشاركة في فرض العقوبات؛الحظر الكامل على منح القروض لإيران من قبل المؤسسات الدولية؛ خفض مستوى التمثيل الدبلوماسي؛ خطوات جذرية أُخرى تتمثل في فرض الحصار البحري أو البري المحكم على إيران.
ب- حل دبلوماسي محدد بالمهل الزمنية: وذلك بسبب فشل أسلوب الخطوات المتدرجة والهادفة إلى بناء الثقة. تستخدم إيران بنجاح كبير دبلوماسية المفاوضات للمناورة لكسب الوقت. ومن هنا، يجب الاستعاضة عن الاستراتيجيا الدبلوماسية بمسار يعكس الاتفاقية النهائية التي تعترف بحقّ إيران في التخصيب، وتُبقي على برنامج نووي رمزي، وتطيل بصورة ملحوظة زمن الاختراق نحو امتلاك قدرات نووية عسكرية، في حال قامت إيران بخرق بنود الاتفاقية. ويجب إفهام إيران أنه لا مجال للقبول بمفاوضات عبثية إلى ما لا نهاية. فإذا رفض الإيرانيون هذا المقترح، يتوجب اتخاذ إجراءات غير مباشرة لفرضه بالقوة، ليس من خلال ضربة عسكرية مباشرة، وإنما عن طريق الحصار البحري، أو الهجمات السيبرانية وما إليه. ومع علمنا أن هذه الخطوات يعرّفها القانون الدولي أعمالاً حربية، إلاّ إن عدم سقوط قنابل يسمح بالتحكم في التصعيد، ويشكل رافعة للوصول إلى اتفاقية.
ج- تعزيز صدقية الخيار العسكري الأميركي: لا تشعرالقيادة الإيرانية حتى الآن بالتهديد الجدي، وهذا الأمر ينتقص من فاعلية الخيار الدبلوماسي. ولذا نوصي بتصعيد متدرج في الأقوال والأفعال. وبناء عليه، نقترح ما يلي: إعلان الرئيس الأميركي أن جميع الخيارات مفتوحة "بما فيها الخيار العسكري"، وأنه لن يتردد عند الضرورة عن " اللجوء إليه"؛ تصريح للرئيس يقول فيه إن الولايات المتحدة الأميركية تمتلك قدرات عسكرية موثوقاً بها وفاعلة وفي استطاعتها أن تلحق الأذى البالغ بمنشآت إيران النووية وأن تحبط أي ردّ عسكري إيراني؛ نشر تقارير عن مناورات لقاذفات بي ـ 2، وتنفيذ طلعات جوية في سماء الخليج لطائرات محملة بالقنابل الجديدة المضادة للتحصينات؛ زيادة جدية في حجم القوات العسكرية الأميركية في الخليج لتبلغ ثلاث قوات ضاربة من حاملات الطائرات.
د- تعزيز خيار الضربة العسكرية "الجراحية"، وتعزيز ثقة الولايات المتحدة الأميركية بقدرتها على التعامل مع الرد العسكري الإيراني. وهناك طرحان متداخلان يقوّضان صدقية القول الأميركي وفحواه أن "جميع الخيارات مفتوحة": أولاً، الزعم أن الحرب على إيران ستكون على منوال الحرب على العراق؛ ثانياً، الاعتقاد أن الرد الانتقامي الإيراني "سيُحرق منطقة الشرق الأوسط." فالأبحاث الجارية حالياً في معهد دراسات الأمن القومي تؤكد أنه يمكن إلحاق أضرار بالغة بمشروع إيران النووي من خلال ضربات جوية مركَّزة خلال مدة قصيرة. فنحن على قناعة بأنه ليس لإيران القدرة أو المصلحة في توجيه رد انتقامي قوي ومتواصل، وأن التصعيد قابل للاحتواء بسرعة. وإذا تبنّت الإدارة الأميركية هذه الأفكار علانيةً، فلن يشك أحد في أن الضربات العسكرية الأميركية خيار عملي مفتوح يؤدي دوره الرئيسي، وهو إقناع الإيرانيين باتفاقية تسوية لإدراكهم فحوى الفشل في التوصل إلى اتفاقية كهذه.
توصيات إلى حكومة إسرائيل
أ- الحفاظ على صدقية التهديد بتوجيه ضربة عسكرية: لا نزال على موقفنا الذي أعلناه في سنة 2012، وهو أنه في حال فشل جميع الخيارات، وكان على إسرائيل الاختيار بين القنبلة النووية الإيرانية وقصف إيران بالقنابل، فإن عليها اللجوء إلى خيار قصف إيران لأن مفاعيله الاستراتيجية على إسرائيل أقل خطورة. ومن هنا، فإن الخيار العسكري الإسرائيلي الناجع والموثوق به هو جزء لا يتجزأ من الاستراتيجيا الإسرائيلية.
ب- مواصلة العمل "من الصفوف الخلفية": على إسرائيل مواصلة السياسة التي اتبعتها في أواخر سنة 2012، والعمل ضد إيران انطلاقاً من "الصفوف الخلفية"، أي الإحجام عن المبادرة وعدم تصدّر المواجهة مع إيران. أمّا الأسباب فهي التالية: إن قدرة إسرائيل محدودة، وبالتالي، يجب رفع فرص نجاح الخيارات غير العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة، والتي تحظى بدعم دولي، إلى أقصى حد. فقيادة إسرائيل للمواجهة من شأنها أن تقوّض مشروعية الجهود الدولية ومشروعية الضربة العسكرية الأميركية، إذا اقتضت الضرورة ذلك، ومن شأنها أيضاً إبقاء إسرائيل وحدها في ساحة المعركة. ومع ذلك، يجب التفكير بإيجابية في نقلة معتدلة وتكتيكية نحو "الصفوف الأمامية" من خلال عرض معتدل لتهديد الخيار العسكري، فقد أثبت هذا التكتيك فاعليته في إقناع المجتمع الدولي بفرض عقوبات على إيران.
ج-تعزيز التنسيق مع الولايات المتحدة الأميركية وتوثيقه: إن نجاح الاستراتيجيا الإسرائيلية الخاصة بمنع امتلاك إيران السلاح النووي مشروط بالتنسيق الوثيق مع الولايات المتحدة. وليس المقصود بذلك انتظار "الضوء الأخضر" الأميركي، ذلك بأن التفاهم على حقيقة أن الخيارات كلها قد استُنفذت سيسهّل وقوف الولايات المتحدة إلى جانب إسرائيل في "اليوم التالي للضربة"، وفي "العقد الزمني التالي للضربة". وهذا يحتّم على إسرائيل التنسيق مع الإدارة الأميركية وأن توثق تعاونها معها، وأن تتفاهم معها على الخطوات بهدف استنفاذ الجهود الدبلوماسية في مواجهة إيران، وصوغ تفاهم بشأن ضرورة العمل العسكري وتوقيته الملائم.
د- تحديد "خط أحمر" جديد: لأن مسألة "الخط الأحمر" إشكالية بحد ذاتها، وهناك خلاف على توصيفه. فالإعلان بشأن "خط أحمر" يسمح للخصم بالبقاء تحت هذا الخط، والقيام بأنشطة خطرة من دون تجاوزه. وفي العام المنصرم، اعترضنا على مفهوم "منطقة الحصانة" كمعيار لتجاوز الخط الأحمر، وبالتالي لشنّ ضربة عسكرية ضد إيران. كما أن مسألة "الخط الأحمر" الإسرائيلي الجديد، الذي تحدده كمية اليورانيوم المخصَّبة بدرجة 20%، هي إشكالية في نظرنا. فهو يسمح ببلوغ إيران عتبة القنبلة من دون تجاوز "الخط الأحمر" بمفهومه الحالي، وبتطوير قدرات كافية لتحقيق اختراق نحو امتلاك القنبلة النووية بمدة قصيرة، حين تسنح الأوضاع الدولية بذلك، مع حد أدنى من مخاطر الكشف والتعرض للضربة العسكرية. لذا، فإن "الخط الأحمر" الناجع ينبغي له أن يعطي الوقت الكافي للكشف عن الجهود الإيرانية نحو الاختراق وإحباطها. وبناء عليه، نحن نوصي بتعريف "الخط الأحمر" على أنه زمن الاختراق الإيراني نحو امتلاك القنبلة النووية، وبعدم تداول هذه المسألة في العلن، وإبقائها محصورة في النقاشات الداخلية بين إسرائيل والولايات المتحدة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
* ضمت مجموعة التفكير كلاً من: إفرايم إسكولاي؛ يهودا بن مئير؛ شلومو بروم؛ يوئيل غوجنسكي؛ أفنير غولوب؛ عاموس يادلين؛ إميلي لنداو؛ عيدو نحوشتان؛ إفرايم كام.
- ترجمته عن العبرية: يولا البطل.