قواعد اشتباك جديدة لسلاح البحر الإسرائيلي دفاعاً عن حقول الغاز البحرية
المصدر
يسرائيل هيوم

صحيفة يومية توزَّع مجاناً وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية. صدرت للمرة الأولى في سنة 2007، مالكها شيلدون أدلسون، وهو من الأصدقاء المقرّبين من بنيامين نتنياهو، وتنتهج خطاً مؤيداً له. ونظراً إلى توزيعها المجاني، فقد تحولت إلى الصحيفة الأكثر توزيعاً في إسرائيل.

– ملحق الأسبوعي
ترجمته عن العبرية يولا البطل
  • حمل شهر كانون الثاني/ يناير سنة 2009، الكثير من الأخبار السارة لدولة إسرائيل، في أعقاب الإعلان عن اكتشاف احتياطي كبير من الغاز الطبيعي قبالة سواحلها الشمالية.
  • وتكتسب هذه الاكتشافات في المياه الاقتصادية لإسرائيل أهمية قصوى من الناحية الاقتصادية، ولا سيما في حقلي "تمار" و"ليفْيَتان"، حيث تقدّر قيمة الإحتياطي الإجمالي من الغاز الطبيعي المكتشف بنحو 200 مليار دولار وأكثر.
  • وبفضل هذه الاكتشافات، أصبح بالإمكان إنتاج التيار الكهربائي في إسرائيل باستخدام الغاز الطبيعي بنسبة 60% [من مصادر الطاقة] بعد عامين، ثم بنسبة 90% بعد سنوات معدودة.
  • ويقدّر الإحتياطي الإجمالي من الغاز الطبيعي في الحقول المكتشفة بنحو 1480 مليار م³ (متر مكعب)، منها 470 مليار م³ في حقل "ليفْيَتان"، ونحو 250 مليار م³ في حقل "تمار". إنها كميات وفيرة من الغاز، وأموال كثيرة!
  • بيد أن القيمة الإجمالية لتكاليف تطوير هذه الحقول هائلة. إذ تبلغ كلفة حفر بئر واحدة [في قاع البحر] نحو 100 مليون دولار. وقد تُقلص محدودية كميات الغاز الموجودة فيها من جدواها الاقتصادية. ويكلف كل يوم حفر مبلغ مليون دولار. وهكذا، تقدر تكاليف منصة التنقيب العائمة التي ستعمل على استخراج الغاز من حقل "تمار" بمليارات الدولارات. فالاستثمار المطلوب من الشركاء في تطوير حقل "تمار"، وعلى رأسهم شركة "نوبل إنرجي" الأميركية، يبلغ نحو 3,25 مليار دولار. إنها مشاريع ضخمة "ومن شأن المختصين في هذا القطاع فقط!"، على حد قول يارون زار المحلل في شركة "كلال فينانسيم" للاستثمار. ومن المتوقع أن يتضاعف الطلب المحلي على الغاز الطبيعي في إسرائيل ثلاثة أضعاف تقريباً من نحو 5 مليارات م³ في العام الجاري إلى نحو 15 مليار م³ في سنة 2017.
  • لكن استخراج ثروات الغاز من قاع البحر يصطدم بمشكلات معقدة، مادية وقانونية، ويعيد طرح مسألة ترسيم الحدود البحرية والمعاهدات الدولية، فضلاً عن مشكلات التمويل والإخضاع الضريبي، وضرورة المحافظة على البيئة، وتحديات نقل الغاز بواسطة خط أنابيب تحت سطح البحر بطول 100 كلم وأبعد، والاختيار بين الاستهلاك المحلي أو التصدير، ومعالجة الغاز وتخزينه في مرافق على اليابسة أو في عرض البحر. والأهم من كل ذلك، أن هذه المرافق التي تقدر قيمتها بمئات مليارات الدولارات هي ظاهرة للعيان، ومكشوفة أمام الجميع وفي عرض البحر.
  • وتطلق إسرائيل تعبير "المياه الاقتصادية" على المصطلح الدولي "المنطقة الاقتصادية الخالصة" Exclusive Economic Zone، وهي تمتد حتى 200 ميل بحري اعتباراً من خط الأساس، في حين أن المياه "السيادية" أو الإقليمية لا تتجاوز 12 ميلاً بحرياً. ووفق المعاهدات الدولية [قانون البحار لعام 1982]، للدولة الحق في التنقيب واستخدام الموارد الموجودة في البحر وقعره وتحته وإقامة ما تراه مناسباً من إنشاءات داخل مياهها الاقتصادية، بشكل لا يعرض حركة الملاحة والبيئة البحرية لأية مخاطر مضرة، وبما لا يتعارض مع حقوق الدول الأخرى المقابلة أو المجاورة. وتغطي المياه الإقليمية لدولة إسرائيل مساحة 4000 كلم²، في حين تغطي المياه الاقتصادية لإسرائيل مساحة 28000 كلم²، أي أكثر من مساحة دولة إسرائيل البالغة 22000 كلم².
  • ويخضع ترسيم حدود المياه الاقتصادية للمعاهدات الدولية. ويقول رئيس أركان سلاح البحرية الإسرائيلية، العميد يارون ليفي، في هذا الشأن: "لدينا مع قبرص اتفاقية موقعة في العام 2010 والتي ترسّم الحدود"، مضيفاً أنه "لدينا مع الدولة اللبنانية جدلاً صغيراً يتعلق بعدد من الدرجات في الزاوية القائمة بين منطقتنا ومنطقتهم، إلى الشمال الشرقي من الحدود البحرية"، داعياً إلى تفادي أي احتكاك مع الجانب اللبناني من أجل الحؤول دون نشوء [متلازمة] "مزارع شبعا جديدة" في عرض البحر. وأضاف: "أنا أوصي بالامتناع عن إنشاء نقاط تنقيب على الحدود" في تلك المنطقة.
  • وكذلك تفادياً لأي جدل قد ينشأ مع مصر حول استثمار حقلي "شمشون" و"غال"، جرى إشراك شركة "إديسون" الإيطالية العاملة في مصر لاستثمرار وتطوير حقل "غال".

زيارة ميدانية إلى حقل تمار

  • في زيارة ميداينة إلى حقل تمار على ظهر زورق "دفورا" التابع لسلاح البحرية باتجاه موقع "يام ثيتيس ـ تمار"، استعرض رئيس قسم التخطيط والتنظيم في سلاح البحرية، الكولونيل إيلان لافي، خريطة التهديدات الجديدة التي سيضطر سلاح البحرية لمواجهتها، مع بدء النشاط الكثيف في المياه الاقتصادية. فقال: "أولاً، تضاعفت مساحة عملياتنا ثلاثة أضعاف، وأصبحت في داخلها أهداف جاذبة وعرضة للأعمال العدائية؛ وثانياً، قد نواجه قوارب خفيفة وسفن صدم؛ وصواريخ متنوعة، بعضها متطور جداً مثل صواريخ "ياخونت" yakhont [الروسية الصنع]. ويمكن إصابة المنصة العائمة من تحت سطح البحر، بواسطة قنابل الأعماق [المضادة للغواصات] أو عبر إغارة غواصين قتاليين، أو عبر مهاجمتها من الجو".
  • ولقد أوضح رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو مسوّغ الدفاع عن هذه الموارد. فأعلن في 20/1/2011، أن حقول الغاز البحرية "تشكّل أهدافاً استراتيجية لأعداء إسرائيل الذين سيحاولون إلحاق الأذى بها"، متعهداً بأن "إسرائيل ستدافع عن مواردها". وعليه، أعلنت الحكومة الإسرائيلية رصد ميزانية لحماية "مصادر الطاقة البحرية الاستراتيجية". وبلغ السقف الذي وضعته لجنة شيشنسكي لمساهمة الحكومة في نفقات حماية حقول الغاز نسبةَ 50%.
  • وأُلقيت مسؤوليات الدفاع على سلاح البحرية. ويقول العميد يارون ليفي [رئيس أركان سلاح البحر الإسرائيلي]، "أصبحت الساحة البحرية في غاية التعقيد. فعلى الجبهة الشمالية، مثلما رأينا في حرب لبنان الثانية (لدى إصابة السفينة الحربية حانيت)، يتزوَّد حزب الله بقدرات عسكرية بحرية بدعم إيراني؛ وفي سورية نشهد استثماراً  كبيراً على الجبهة الساحلية، ولا سيما عبر التسلح بصواريخ بر - بحر من طراز 'ياخونت'؛ وتعزز مصر قدراتها بسفن غربية، وبغواصات ألمانية منشأها أحواض السفن التي تصنع غواصات 'دولفين' لصالح إسرائيل؛ وحتى قطاع غزة، لا يستكين، ولقد وجدنا على سفينة الشحن  Victoria التي اعترضناها في آذار/مارس 2011 صواريخ مضادة للسفن من طراز C-704 مزودة بالرادار، كان مقصدها قطاع غزة".
  • ومن هنا، إختار سلاح البحرية استراتيجيا الدفاع الشامل، التي تقضي بتضافر عمل الاستخبارات، والرصد، والرقابة والتحكم، والتواجد الميداني، وبالطبع ـ الردّ الانتقامي، في سبيل تأمين حماية شاملة للمنطقة بمجملها. "ذلك بأن تأثير أي عمل إرهابي ناجح سيكون خطيراً"، بحسب قول الكولونيل إيلان لافي، "ليس فقط بسبب جسامة الأضرار المادية وتكاليفها، والخسارة الناجمة عن توقف العمل لأيام. وإنما لأن هذا من شأنه رفع أقساط التأمين إلى مستويات تهدد جدوى أعمال التنقيب. فيتراجع كثيراً دافع الشركات الأجنبية للقدوم إلى هنا".
  • ويسعى سلاح البحرية للتسلح بأربع سفن ستشكل العمود الفقري لمنظومة الدفاع عن المياه الاقتصادية. وبحسب قول رئيس الأركان، "يقوم سلاح البحرية بتوسيع ملاءته الدفاعية الضيقة منذ اليوم، فالسفن الأربع الجديدة هي من طراز Offshore Patrol Vessel، وهي بمستوى سفن الصواريخ الحالية، لكنها مزوّدة بقدرات قتالية أقل. ويبلغ ثمن هذه السفن 3 مليارات دولار. وسيمر وقت طويل قبل أن تصبح في حيازة سلاح البحرية، لأن صنع كل سفينة يستغرق أربع سنوات ونصف. لكن في النهاية سيكون لدينا أسطول ممتاز، مسلّح بمنظومة القبة الحديدية التي هي من صنعنا، ومنظومة صواريخ باراك Barak [المعترضة للصواريخ المضادة للسفن، من إنتاج الصناعات الجوية الإسرائيلية وشركة رفائيل لتطوير الوسائل القتالية]، ومدفع من طراز فولكان (نظام فالانكس) Vulcan Phalanx، ومروحيات وغيرها من الوسائل القتالية. وسوف ننفذ المهمة بجدارة".

·         بعد مضي 45 دقيقة على إبحارنا، لاحت في الأفق الهياكل العنكوبتية لمنصّتَيْ التنقيب العائمتين: منصة "يام ثيتيس" الصغيرة،  ومنصة "تمار" الحديثة والكبيرة. وعندما أجلنا النظر من حولنا، رأينا بسهولة سواحل عسقلان وغزة، فبدا لنا أننا على مسافة واحدة من كلتيهما، وهي مسافة قريبة جداً. وهذا المشهد وحده يعكس الإشكالية المعقدة للدفاع عن منشآت الغاز في المياه الاقتصادية. فالمنصتان اللتان لا تتجاوز المسافة بينهما 1500 متر، سيتم الربط بينهما، ثم وصلهما بمرفق وحيد لمعالجة الغاز الطبيعي. وقد شرح لنا الوضع رئيس قسم التخطيط والتنظيم، الكولونيل إيلان لافي، فقال: "لقد نضب بئر 'يام ثيتيس' تقريباً؛ أما 'تمار' فهي منصة تنقيب مربوطة بأطول خط أنابيب غاز في العالم، الذي يبدأ ببئر ‘تمار‘، وصولاً إلى بئر تحت سطح البحر في الطرف الشمالي من مساحة الحقل. وسوف تقوم منصة 'تمار' باستخراج الغاز ومعالجته من الشوائب، ثم بتخفيض ضغطه، فتضخه في الأنابيب مروراً بــ'يام ثيتيس' وصولاً إلى اليابسة. وسيتم تحويل كميات الغاز الفائضة إلى بئر 'يام ثيتيس' الناضب لتخزينها".

·         وسيبدأ العمل بهذه المنظومة المتكاملة في الشهر القادم. ويقول المحلل يارون زار، "إن مشروع 'تمار' هو مشروع مُحْكم من كل النواحي. فنموذجه الاقتصادي واضح المعالم. ومستوى المخاطر فيه منخفض جداً. وهو المشروع الوحيد في البلد الذي يتمتع بعائدات مضمونة لفترة زمنية طويلة".

اكتشاف حقل"ليفْيَتان" وتعيين لجنة شيشنسكي

  • يُعزى النجاح في اكتشافات الغاز إلى شركة "نوبل إنرجي" الأميركية ومقرها تكساس، وهي من أكبر وأعرق شركات الطاقة في العالم. وتقدَّر قيمة موجودات هذه الشركة، العاملة في التنقيب في البر والبحر على صعيد العالم، بنحو 17 مليار دولار ( وكانت قد بدأت نشاطها في إسرائيل سنة 1998).
    تم اكتشاف حقل "يام ثيتيس" (بئري "ماري" و"نوعا") في مطلع الألفية الثالثة، من قبل مجموعة "نوبل إنرجي" الأميركية و"ديليك للحفر" الإسرائيلية (لصاحبها يتسحاق تشوفا). وكان مخزون "يام ثيتيس" من الغاز ضئيلاً نسبياً (32 مليار م³) لكن ما أن بدأ ضخ الغاز منه في العام 2004، حتى ظهر أن الكميات كانت كافية، بالإضافة إلى الغاز المصري [المنقول عبر خط أنابيب ممتد من العريش في سيناء إلى محطة الاستقبال في عسقلان] لتلبية احتياجات إسرائيل المتواضعة من الغاز التي بلغت 5 مليارات م³ في ذلك العام.
  • بعد هذا النجاح، سعت المجموعة في سنة 2006 للحصول على ترخيص للتنقيب عن الغاز في المنطقة الشمالية من المياه الاقتصادية. ولما كان "كل طالب ترخيص يحصل عليه في تلك الحقبة"، بحسب قول المحلل يارون زار، " فقد حصلت مجموعة نوبل/ديليك على حق التنقيب في معظم المنطقة الشمالية. أما اليوم فإن الحكومة أصبحت أقل سخاءً في منح التراخيص. ومع ذلك، ينبغي الاعتراف بأن شركة نوبل أنجزت عملاً ممتازاً، من خلال المسح الجيولوجي للمنطقة بمجملها، الأمر الذي أفضى إلى اكتشاف حقل "تمار"، ثم "حقل لفيتان".
  • ولقد جلبت "نوبل" إلى سواحل إسرائيل أولى منصات التنقيب الملائمة للمياه العميقة. ونُفّذت التجربة الأولى في سنة 2008، وفي كانون الثاني/يناير 2009 تم اكتشاف حقل الغاز "تمار" الذي بدّل المشهد، ليس فقط بسبب حجم احتياطي الغاز الكبير الذي عدّل موازين قطاع الطاقة في إسرائيل، وإنما بفضل توقيته المناسب. فلقد أوشك المزوّدان الحاليان للغاز لإسرائيل على التوقف عن العمل: أولاً، بسبب الثورة الإسلامية في مصر؛ وثانياً، لأن حقل "يام ثيتيس" يوشك على النضوب.
  • ويقول يارون زار، "توقعت منذ سنتين عدم حصولنا على الغاز من مصر. فلقد كنت أتابع وسائل الإعلام المصرية إبان الثورة، واستطعت أن أجزم بفارق أسبوع واحد متى سيتم نسف خط أنابيب الغاز الواصل بين مصر وإسرائيل. لكن، بغض النظر عن التعقيدات السياسية، هناك مشكلة عملية متمثلة في عدم توفر كميات كافية من الغاز المصري للتصدير".
  • وفي [29 كانون الأول/ديسمبر] من سنة 2010  أعلنت شركة نوبل إينرجي الأميركية عن اكتشافها حقل غاز طبيعي بحري كبير في منطقة ترخيص "ليفْيَتان". كان الحدث استثنائياً حتى بالنسبة لمسيرة الشركة الطويلة. وبين ليلة وضحاها، تحوّلت إسرائيل إلى واحدة من أرباب الغاز الطبيعي. ودفع الاكتشاف بوزير المال [يوفال شتاينتس] إلى تعيين [في 13/4/2010] لجنة [مؤلفة من ستة أشخاص] برئاسة [الخبير في المالية العامة والضرائب] البروفسور [في الجامعة العبرية في القدس] إيتان شيشنسكي، مهمتها تقديم اقتراحات لتعديل نظام الضرائب التي يخضع لها قطاع الغاز والنفط، في سبيل زيادة عوائد ملكية الدولة للموارد الطبيعية المكتشفة.
  • وفي التقرير النهائي للجنة شيشنسكي [الذي نُشر في 3/1/2011، والذي تبنّته الحكومة الإسرائيلية]، أوصت اللجنة بإخضاع أرباح النفط والغاز لضريبة تصاعديّة، تبدأ بحدّ أدنى يبلغ 20% وصولاً إلى حدّ أقصى يبلغ 50%  على أن يبدأ تطبيقها [عندما تبلغ نسبة العائدات إلى النفقات 150%] أي بعد سداد مجمل الاستثمارات [نفقات الاستكشاف والتطوير] زائد 50%. "إنه إنجاز كبير للدولة"، بحسب قول الكولونيل إيلان لافي الذي يضيف، "من اليوم وحتى سنة 2040 ستجبي الدولة عائدات ملكية وتحقق وفراً بقيمة إجمالية مقدرة بنحو 140 مليار دولار. وهذا يحقق زيادة بنسبة 5% في الناتج القومي الإجمالي GNP، بدون أي استثمار zero investment.

حذر وخيبة أمل

  • لكن هناك جدل داخلي حول البعد الاستراتيجي لاكتشافات حقول الغاز البحرية على الاقتصاد الإسرائيلي. فلقد صرّح وزير الطاقة والمياه [عوزي لانداو] لملحق "الطاقة" في صحيفة "هآرتس" في شباط/فبراير 2013 بما يلي: "إن اكتشافات 'تمار' و'ليفْيَتان' وإحتياطي الحقول الأخرى المحتمل اكتشافها، تبشر بضمان أمن الطاقة لإسرائيل". وسيكون لإحلال الغاز الطبيعي محل مصادر الطاقة الأخرى تأثير مباشر على التنافس فيما بين منتجي القطاع الخاص، الذين سيبدأون بإنتاج الطاقة الكهربائية بحلول نهاية سنة 2015.
    وستؤثر هذه الاكتشافات في تشجيع استخدام الغاز الطبيعي في جميع القطاعات، وفي خفض الأسعار في قطاع الطاقة (حتى لو لم يصل هذا الاستخدام إلى المستهلك النهائي)، وفي التحول إلى استخدام الغاز في القطاع الصناعي، وسيكون"إنتاجاً نظيفاً" و"أخضر" أكثر (على الرغم من أن إنشاء محطات ساحلية لمعالجة الغاز يواجه بمعارضة المنظمات البيئية. وتجدر الإشارة هنا إلى إيقاف مشروع إنشاء محطة طرفية لمعالجة الغاز في كيبوتز "شاطئ دور" [قرب  مدينة قيسارية الفلسطينية].
  • ويعتقد الخبراء في هذا المجال أن مكانة إسرائيل الجيوسياسية سوف تتعزز من جراء الاكتشافات، إذ أن "الدول المسوّقة للطاقة أكثر تأثيراً في المحافل الدولية"، وفق هؤلاء الخبراء.
  • بيد أن المحلل يارون زار يدعو إلى التروي، فيقول: "لا شك أن الغاز قد حسّن بشكل ملحوظ الوضع الاقتصادي [لإسرائيل]، لكنه لم يغير النظام العالمي". وحتى أكثر الخبراء تفاؤلاً لا يتوقعون أن يصبح مستوى المعيشة [في إسرائيل] مساوياً لما هو عليه في [المملكة العربية] السعودية. أضف إلى ذلك أن أعمال التنقيب قد تؤدي أحياناً إلى نتائج مخيبة للآمال. فعلى سبيل المثال تبين أن آبار "ميرا" و"ساره" التي قدر مخزونها بأكثر من 180 مليار م³ هي ناضبة تماماً: "لقد أنفقت شركة  PetroMed التي أنشأتها هيئة تطوير الأراضي Israel Land Development نحو 200 مليون دولار من أموال المستثمرين في أعمال التنقيب من دون طائل. وذلك لأن التكوين الجيولوجي لقعر البحر هناك غير ملائم لتكوّن الغاز الطبيعي".

تلبية الطلب المحلي أو التصدير؟

  • وتطرح عائدات إنتاج الغاز الكبيرة المتوقعة تساؤلاً حول كميات الغاز التي سيُسمح بتصديرها. ويقول يارون زار، في هذا الخصوص، "لولا لجنة شيشنسكي، لما سُمح بتصدير الغاز على الإطلاق؛ وفقط بسبب الإيرادات المستقبلية التي وَعَدت بها اللجنة، تعالج المسألة اليوم ".
  • وكُلفت لجنة "تسيمح" (التي يرأسها مدير عام وزارة الطاقة والمياه، شاؤول تسيمح) بوضع قواعد التصدير، وبإصدار التوصيات حول كميات الغاز التي ستحتفظ دولة إسرائيل بها خدمةً لاقتصادها حتى 25 عاماً. ولماذا 25 عاماً فقط؟ لأن احتفاظها بكميات كبيرة من الغاز لفترة طويلة سيقلص من استعداد المستثمرين [الأجانب] للتنقيب ولاكتشاف حقول جديدة، الأمر الذي يكبد الدولة خسائر في الإيرادات.

·         وبحسب التقديرات، سيحتاج الاقتصاد في العام 2016 إلى استثمارات إضافية تتراوح بين 10 و20 مليار دولار. ومن هنا، فإن فرص جذب مستثمرين جدد تعتمد على أذونات التصدير. ولقد ذهبت مجموعة consortium "ليفْيَتان" أبعد من ذلك عندما أعلنت أنه إذا لم يؤذن لها بالتصدير فهي لن تقوم بتزويد السوق المحلية بالغاز، لعدم جدوى ذلك اقتصادياً.

  • ويقول يارون زار، "عندما تزعم "الهيئة المسؤولة عن القيود التجارية" أنها تريد كسر الاحتكار (والمقصود هو احتكار شركة نوبل إنرجي) في سوق الغاز، فهذا قول هراء. لأنه علينا أن نعتاد، سواءً في إسرائيل، أو في سائر العالم، على وجود احتكارات في قطاع الطاقة. المطلوب من الهيئات الناظمة فقط العمل على كبح فلتان الأسعار".

وأمام لجنة تسيمح ثلاثة تقييمات أساسية، جميعها متحفظة، وهي التالية:

1.     ليس متوقعاً في المستقبل حصول اكتشافات غاز ملحوظة إضافية.

2.     على الرغم من أن إحتياطي الغاز الطبيعي في الحقول المكتشفة يقدر بنحو 1480 مليار م³، إلا أن اللجنة تقول إن الإحتياطي المؤكد هو 950 مليار م³ فقط.

3.     في الأعوام الـ 25 القادمة، سيحتاج السوق المحلي إلى 450 مليار م³ من الغاز، وهذه هي الكمية التي ينبغي الاحتفاظ بها. وعليه، يمكن تصدير 500 مليار م³ على الأقل.

وقد جاءت توصيات اللجنة في آب/أغسطس الماضي على النحو التالي:

1.     يُسمح للحقول التي يبلغ مخزونها من الغاز 200 مليار م³ وما فوق، مثل "تمار" و"ليفْيَتان"، بتصدير حتى 50% من إنتاجها.

2.     يُسمح للحقول متوسطة المخزون التي تحتوي بين 100 و200 مليار م³ بتصدير حتى 60% من إنتاجها.

3.     يُسمح للحقول الصغيرة التي يبلغ مخزونها أقل من 100 مليار م³ بتصدير 75% من إنتاجها.

·       ولكي تصبح هذه التوصيات سارية المفعول، عليها أن تُقَر من قبل الحكومة الإسرائيلية الجديدة التي ستتشكل قريباً. وقد أعلن رئيس مجلس إدارة شركة نوبل إنرجي، تشارلز دافيديسون، أنه بانتظار أن تُقر توصيات لجنة تسيمح، "لن تتخذ شركة نوبل قرارات فيما يخص مستقبل المشاريع الكبرى التي هي شريكة فيها في إسرائيل". وهكذا، وبلغة دبلوماسية، أشهر اللاعب الرئيسي في سوق الغاز في إسرائيل بطاقة صفراء لحكومتنا.

  • وأعرب [وزير الطاقة والمياه] عوزي لانداو عن استعداده لإقرار توصيات لجنة تسيمح، لكنه ينتظر تشكيل الحكومة، وقال، "سننتظر الحكومة الجديدة ثم نحدد سياسة تصدير الغاز. وبعد الاحتفاظ بكميات كافية للاستهلاك الداخلي، بما في ذلك استخدام الغاز كبديل لأنواع الوقود الأخرى في قطاع النقل، نستطيع تصدير الغاز لجيراننا، الأردنيين والفلسطينيين. كما إنه تجري مباحثات بين شركة الكهرباء الإسرائيلية وقبرص لدراسة جدوى مد خط أنابيب تحت البحر".
  • يبقى السؤال ماذا سيفعلون بأموال عائدات الغاز؟ وهنا يتفق الخبراء على قول ما يلي؛ "إذا ذهبت الأموال للنفقات الجارية، ولسداد الدين العام، أو لإرضاء الفرقاء الائتلافيين، فهذا تضييع للفرص". فحبذا لو ينشأ صندوق للأجيال القادمة، وتصرف الأموال على مشاريع التطوير التي تحتاجها دولة إسرائيل.