تأسس في سنة 1993 على يد الدكتور توماس هيكت، وهو من زعماء اليهود في كندا، وكان تابعاً لجامعة بار إيلان، وأُطلق عليه هذا الاسم تخليداً لذكرى اتفاق السلام الإسرائيلي -المصري الذي وقّعه مناحيم بيغن وأنور السادات. يعالج مسائل النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني والصراعات في المنطقة والعالم. يميل نحو وجهة نظر اليمين في إسرائيل. كما أصدر المركز مئات الدراسات والكتب باللغتين العبرية والإنكليزية.
· في مطلع شباط / فبراير 2012 نشر الجيش الإسرائيلي منظومة القبة الحديدية المضادة للصواريخ في شمال إسرائيل، بهدف صدّ التهديدات المحتملة لهذه المنطقة. وكانت المنظومة حقاً إنجازاً تكنولوجياً لافتاً، وتُعتبر رصيداً ثميناً لإسرائيل، ليس فقط بسبب قدرتها على إنقاذ الأرواح البشرية، بل أيضاً لأنها تمنح القيادات السياسية والعسكرية درجة أكبر من المرونة لاختيار توقيت وشكل الردّ على الهجمات التي تستهدف الجبهة الداخلية.
1- الثناء على القبة الحديدية
· باعتراف جميع المراقبين، بمَن فيهم الذين كثيراً ما شكّكوا في فاعليتها، فإن منظومة القبة الحديدية نجحت في اعتراض نحو 90% من الصواريخ التي أُطلقت ضد إسرائيل في إبان عملية عمود سحاب في تشرين الثاني/ نوفمبر 2012 (قبل وصولها إلى مناطق آهلة)، الأمر الذي تخطى توقعات مطوّري المنظومة، وساهم بشكل ملحوظ في تعزيز قدرات إسرائيل الدفاعية. لقد أنقذت المنظومة أرواح مدنيين وجنود على السواء، فنالت استحسان المجتمع الإسرائيلي الذي ينفر من تكبّد خسائر بشرية، ولا سيما في النزاعات التي لا تهدد مصالح إسرائيل الأمنية الأكثر حيوية، ولا تهدد وجودها. وفي جميع الأحوال، فإن التكلفة العالية للمنظومة الدفاعية تبقى أدنى من الأضرار التي تحدثها الصواريخ الفلسطينية أو صواريخ حزب الله، سواء في الأملاك، أو في الأرواح، إذ تبلغ تكلفة كل صاروخ معترض تطلقه منظومة القبة الحديدية نحو 50,000 دولار، بينما تُقدّر أضرار صاروخ واحد يؤدي إلى مقتل فرد إسرائيلي متوسط العمر، بنحو 750,000 دولار، وتُقدّر الأضرار بالأملاك التي يتسبب بها صاروخ واحد بنحو 190,000 دولار. كما أن استعداد الولايات المتحدة الأميركية لتمويل المنظومة يعني أن عبئها على الميزانية الأمنية لإسرائيل يمكن تحمّله.
2- انتقاد القبة الحديدية
· بيد أن حفنة من خبراء الاستراتيجيا أفسدوا الفرحة عندما أثاروا شكوكاً في شأن فاعلية هذه المنظومة الدفاعية. فعلى سبيل المثال، يزعم بعض هؤلاء أن المنظومة لا تستطيع التصدي لآلاف الصواريخ المهاجمة التي تطلَق في آن واحد، وأنها عجزت تكنولوجياً، ومنذ البداية، عن حماية المراكز السكانية المحاذية لحدود قطاع غزة، وأن حماية كهذه لتلك المراكز تتطلب منظومات أُخرى، ولا سيما منظومات ليزر. كما يسوقون حججاً أُخرى مثل محدودية فاعلية منظومة القبة الحديدية، لأن بعض الصواريخ [التي مصدرها قطاع غزة] تمكّن من اختراق النظام الدفاعي.
· وهناك جوانب سلبية أُخرى للمنظومة يجب أخذها في الاعتبار، وأهمها أن المنظومة لا تعزز الردع، وأنها غير قادرة على القضاء على رغبة الفلسطينيين أو حزب الله في مهاجمة إسرائيل، كما أن ردعها يقوم على الحرمان (denial)، لا على الردع بالعقاب (punishment). ففي النوع الأول من الردع، يُحْرَم المهاجِم من تحقيق أهدافه بسبب الانتشار الدفاعي للخصم، وفي النوع الثاني، يتكبد المهاجِم ثمناً باهظاً من خلال [تطبيق مفهوم] "الانتقام الرهيب" من الخصم. وفي الوقت الراهن، لا تستطيع منظومة القبة الحديدية سوى إحباط الطرف الذي يبادر إلى التحدي وليس ردعه. وأبعد من ذلك، فإن الرسالة غير المقصودة التي يتضمنها نصبُ المنظومات الدفاعية هي أن إسرائيل مستعدة لتحمّل الهجمات على جبهتها الداخلية، وهذا يضعها في موقف الضعف في مواجهة عدو على استعداد لأن يقتل ويُقْتَل، ويؤدي بالتالي إلى تآكل ردعها.
· علاوة على ذلك، فإن مقولة إن المدن الإسرائيلية لن تكون رهينة بين أيدي الفصائل الفلسطينية، هي صحيحة جزئياً فقط، ذلك بأن تأثير صفارات الإنذار، وتأثير الـ 10% من الصواريخ التي تخترق منظومة القبة الحديدية ـ فضلاً عن الصواريخ التي لا يتم اعتراضها عن قصد بسبب سوء تقدير أجهزة رادار المنظومة بأنها ستسقط في مساحات غير آهلة ـ هي محبطة للمعنويات. وستظل الصواريخ القليلة العدد التي ستنجح في اختراق منظومة القبة الحديدية تجبر المواطنين الإسرائيليين على الاحتماء في ملاجئ آمنة خلال الغارات الصاروخية، الأمر الذي يعطّل سير الحياة العادية. وحتى نظام أكثر اكتمالاً لا يستطيع أن يضمن المحافظة على نمط الحياة الآمن، لأن شظايا الصواريخ التي يتم اعتراضها في الجو، وشظايا الصواريخ المعترضة نفسها، ستشكل خطراً على السكان في هذه المناطق.
· علاوة على ذلك، وبسبب قدرة إسرائيل على تحمّل ضربات صاروخية بفضل معدل الإصابات المنخفض، فإن هذا يعني أن المراكز السكانية المحاذية للحدود ستظل تعاني نزاعاً طويل الأمد، وستبقى رهينة "حماس" وحزب الله.
أمّا الزعم أن المنظومة تمنح القيادة السياسية والجيش الإسرائيلي مجالاً للتحضير لشنّ عمليات هجومية فأمر إشكالي أيضاً، إذ يمكن قول العكس: لأن انخفاض عدد الإصابات بين السكان الإسرائيليين المدنيين سيجعل أي عملية عقابية واسعة النطاق تبدو غير مشروعة، سواء في خارج إسرائيل أو داخلها.
· أخيراً، يشكّل تعامل منظومة القبة الحديدية مع صليات الصواريخ التي تطلَق ضد إسرائيل عاملَ تحفيز لسباق التسلح، لأنه يشجع المتحدّين على اقتناء كميات كبيرة من الصواريخ والقذائف الصاروخية في محاولة لاختراق الغلاف الدفاعي، وهو ما دفع في النهاية القوى العظمى في إبان الحرب الباردة إلى الاتفاق على عدم نشر أنظمة كهذه، باستثناء نصبها في بعض المناطق المحدودة. بيد أن مساحة إسرائيل الضيقة تبرر انتشاراً كهذا، لكن ذلك لا يغيّر حقيقة أن أعداء إسرائيل حددوا منذ زمن بعيد مكامن ضعف دفاعها الفاعل، وأخذوا يتسلحون بكثافة لهذا الغرض، وهذا مسار يشكل تحدياً لمنظومة القبة الحديدية وغيرها من منظومات الدفاع الفاعل.
· إن أكثر الجوانب إيجابية في منظومة القبة الحديدية هو قدرتها على إنقاذ الأرواح، وشعور المواطنين الإسرائيليين بأنهم أصبحوا محميين أكثر، وهذا شأن لا يُستخف به. ومع ذلك، فإن هناك شكوكاً بشأن منافع المنظومة، فهي لا تؤمّن الحماية للقاطنين على مقربة من الحدود، ولا تكاد تحرر الجبهة الداخلية من تعطيل سير الحياة اليومية للسكان، ومن إحباط المعنويات. أضف إلى ذلك أنها غير منتجة فيما يخص الردع، وقد توحي بأن إسرائيل مستعدة لتحمّل ضربات العدو الصاروخية، كما أنها قد تقيّد يدَي إسرائيل بدلاً من إطلاق حرية الخيار والحركة فيما يتعلق بالرد الانتقامي، وربما تضعف مقاربة إسرائيل الهجومية المعهودة. وأخيراً، فإنها قد تحفّز سباق تسلح كمّي جرّاء محاولة العرب الإفادة من عدم قدرة المنظومة على التصدي لإطلاق أعداد كبيرة من الصواريخ في آن واحد.