توتير العلاقات مع الولايات المتحدة على خلفية أزمة البرنامج النووي الإيراني لا يعود بأي فائدة على إسرائيل
تاريخ المقال
المصدر
- تسببت المفاوضات الجارية في جنيف بين مجموعة دول 5+1 وإيران بتوتر العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة كما انعكس ذلك في تصريحات مسؤولين كبار من كلا الطرفين وفي لغة أجسادهم ونبرة كلامهم. فما الذي يدور الحديث حوله في الحقيقة ؟ وأين كان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو على حقّ، وأين كان بإمكانه أن يسلك سلوكاً مغايراً؟
- لقد تجسّد الغضب الإسرائيلي لأول مرّة في الخطاب الذي ألقاه رئيس الحكومة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد وقت قصير من زيارة الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني الناجحة إلى الولايات المتحدة وإعلان بدء الحوار بين الدولتين. وبرأيي أنه كان خطأ من طرف نتنياهو أن يغضب لمجرد بدء هكذا حوار، لأنه مثل أي مسؤول إسرائيلي رفيع آخر يكرّر منذ أعوام شعاراً فحواه أن الحل الذي تفضله إسرائيل [لأزمة البرنامج النووي الإيراني] هو الحل السياسي. وكيف يتم إحراز حل سياسي؟ من خلال التفاوض. إذاً كيف يمكن الغضب إزاء معاودة مفاوضات الغاية منها إحراز حل سياسي؟
- إن الأمر الثاني الذي يثير غضب الإسرائيليين من دون حقّ هو جوّ الصداقة والثقة الذي نشأ بين إيران والولايات المتحدة. إن هذا الجوّ لا يعتبر شرطاً ضرورياً لمفاوضات ناجحة وناجعة فحسب، إنما يجب أن نتذكر أيضاً أن الوفد الإيراني إلى هذه المفاوضات يجري في واقع الأمر تفاوضين متوازيين: الأول مع القوى العظمى الست وفي مقدمها الولايات المتحدة؛ والثاني مع السلطة في إيران التي يجب أن توافق على مطالب هذه القوى العظمى. بناء على ذلك، يمكن القول إن الوفد الإيراني هو إلى حد كبير، أشبه بوسيط بين القوى العظمى وزعماء إيران.
- مع ذلك، أين كان نتنياهو على حقّ؟
- إن رئيس الحكومة على حق في ما يتعلق بخمسة أمور: الأول، أنه يعتقد أن استعداد الولايات المتحدة للتوصل مع إيران إلى "اتفاق مرحلي" هنا والآن خطأ، فقد كان من الصواب ترجمة الضغط الذي يرزح الإيرانيون تحت وطأته إلى إصرار على إحراز "تسوية شاملة" لأن الاتفاق المرحلي الذي سيوقع في الجولة التالية سيمنح إيران على ما يبدو هواء للتنفس بما يجعل من الصعب في المستقبل التوصل إلى تسوية شاملة ملائمة؛ الأمر الثاني الذي كان فيه نتنياهو على حق هو في كل ما يتعلق بمضمون ذلك الاتفاق المرحلي الذي ستحصل إيران بموجبه على تسهيلات تحوّل إلى خزينتها التي أخذت تفرغ مليارات من الدولارات وتعطي في مقابل ذلك القليل جداً؛ الأمر الثالث هو الخشية من أن تستمر المفاوضات مع إيران للتوصل إلى اتفاق شامل أكثر من ستة أشهر (هي المدة التي اقترحتها الولايات المتحدة)، وفي أثناء ذلك ستعاني إيران من عقوبات لكنها ستستمر في تخصيب اليورانيوم أيضاً؛ الأمر الرابع أن نتنياهو شأنه شأن مسؤولين إسرائيليين كبار كثيرين، يعتقد أن أحد الشروط الضرورية لإحراز حل سياسي جيد يكمن في وجود خيار عسكري ذي صدقية. والسلوك الأميركي في هذا الشأن بدءاً بالتصريحات المعلنة لرئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأميركي الجنرال مارتن ديمبسي وانتهاءً بالامتناع عن أي عمل عسكري ضد سورية، أضعف صدقية الشعار الذي تكرّره جهات أميركية كثيرة أن "كل الخيارات ما زالت مدرجة في جدول الأعمال؛" الأمر الخامس وهو الأكثر أهمية، أن نتنياهو يتخوّف من ألا يكبح الاتفاق النهائي قدرتين لدى إيران: أولاهما القدرة على الاستمرار في تخصيب اليورانيوم بصورة محدودة وخاضعة للرقابة، لأن مجرد وجود هذه القدرة سيتيح لإيران إمكان إنتاج سلاح نووي في المستقبل البعيد؛ الثانية، التسليم بوجود مفاعل الأبحاث في أراك، وهو مفاعل يمكن أن تنتج فيه قنبلة نووية من البلوتونيوم من خلال استعمال المياه الثقيلة.
- إن الربط غير الناجح بين المطالب الصادقة والغضب غير المبرّر ولغة الجسد العصبية لا ينطوي على أي جدوى ولا يعود بأي فائدة على إسرائيل. وكان حرياً بالمسؤولين في إسرائيل أن يوجهوا التحية إلى الولايات المتحدة علنا للنجاح (الجزئي) للعقوبات الذي دفع إيران للعودة إلى مائدة المفاوضات وهي في حالة ضعف. كما أنه كان حرياً بهؤلاء المسؤولين أن يوجهوا التحية إلى الولايات المتحدة لنجاحها في تشكيل جبهة موحدة نسبياً مع خمس دول عظمى أخرى (بما في ذلك روسيا).
- وفي مقابل ذلك يمكن بل ومن الصحيح تأكيد مخاوف إسرائيل المحددة بموازاة التشديد على الحاجة إلى حوار موضوعي مفتوح بشأن الخطوات التي من الصحيح اتخاذها.