· بعد تخطيط وتحضيرات متقنة، بدأ الجيش الإسرائيلي عملية سلامة الجليل [1982]، التي كان هدفها المعلن تخليص الجليل من نيران صواريخ الكاتيوشا، وذلك عبر إبعاد المخربين الفلسطينيين عن حدودنا الشمالية. إلاّ إنه كان لهذه العملية هدف سياسي بعيد المدى لم يُكشف عنه، وهو رغبة إسرائيل في تغيير النظام السياسي في لبنان، الأمر الذي يسمح لها بتحويل هذا البلد إلى دولة حليفة لها على حدودها الشمالية. وما زلنا نذكر النتائج التي آلت إليها الأمور، فقد أوجدت متاهة التحالفات، والعلاقات بين الطوائف والمجموعات المختلفة في لبنان، واقعاً معقداً لا يمكن أن تتحمله إسرائيل، التي اكتفت بالحزام الأمني، الذي شكل "فقاعة تحالف" بدلاً من دولة حليفة، والذي وجدت نفسها مضطرة إلى الانسحاب منه سنة 2000.
· أظهرت دروس هذه الحرب صحة النظرية الاستراتيجية التي وضعها بن- غوريون، والقائلة إن دولة إسرائيل غير قادرة على تغيير الواقع السياسي بالوسائل العسكرية. وكما قال بن- غوريون سنة 1955 لقادة الجيش الإسرائيلي: "ليست لدينا القدرة على إيجاد حل نهائي للنزاع بيننا وبين العرب ما دام العرب يرفضون الحل... كما أننا لا نستطيع وقف هذا النزاع."
· ويبدو أن هذ الفهم لم يكن موجوداً لدى متخذي القرارات عندما وضعوا أهداف العملية. فجرى اتخاذ القرارات من دون وضع خطة خروج محكمة، وفي ظل غياب الإجماع الوطني على أهداف العملية، وهذا ما جعل الجيش الإسرائيلي يجد نفسه غارقاً في "الوحل اللبناني" لأعوام.
· لقد شكلت عملية سلامة الجليل نقطة تحول في تطور فهمنا للخطر الذي يتهدد دولة إسرائيل، إذ أظهر نشوء حزب الله ونظريتة بشأن المقاومة، كذلك أظهرت الانتفاضة الأولى [انتفاضة سنة 1987]، التغير الجذري الذي طرأ على نظرة العدو، الذي أدرك أن الجبهة الخلفية في إسرائيل هي نقطة الضعف، وبنى على هذا الأساس نظرته الاستراتيجية – العملانية التي تركزت على استخدام القوة ضد الجبهة الخلفية المدنية في إسرائيل. من هنا يمكن القول إن الأهداف السياسية لاستخدام القوة في عملية الجليل تجعلنا ندرك أنه في ظل الواقع الجيو - استراتيجي لدولة إسرائيل يجب أن تنبثق الأهداف السياسية للعمل العسكري من النظرة الأساسية لبن- غوريون.
· إن المطلوب من دولة إسرائيل إنشاء ردع يسمح لها بالهدوء الأمني، ويمكن أن تستغله من أجل تحصين أمنها وتطوير الاقتصاد والتعليم واستيعاب الهجرة والسعي نحو تسويات سياسية. وفي حال انهيار هذا الردع، لا خيار أمامها سوى استخدام القوة من أجل تجديده لأعوام طويلة أُخرى. وحينئذ سيُطلب من الجيش الإسرائيلي تحقيق هدفين أساسيين، هما: أولاً، توجيه ضربة قاسية إلى العدو لايستطيع أن ينساها لأعوام طويلة، وتفرض عليه عمليات إعادة بناء باهظة الثمن؛ ثانياً، تقصير مدة جولة المواجهة، وتقليص الضرر الذي سيلحق بوتيرة الحياة.
· ويبقى أن الدرس الأساسي لهذه الحرب هو المتعلق بالحاجة إلى بناء إجماع وطني واسع قبل خوض المعركة، فكم بالأحرى بالنسبة إلى معركة مثل سلامة الجليل جرى التخطيط لها طويلاً.
· ومثلما حدث في الماضي، كذلك يحدث اليوم، فإسرائيل بحاجة إلى بلورة شرعية داخلية واسعة من أجل مواجهة التحديات الأمنية المعقدة. ومن شروط التوصل إلى هذا الإجماع الوطني الواسع هو الاقتناع بأن القضاء على الخطر بالوسائل العسكرية هو الحل الأخير.