· إن تدفق آلاف اللاجئين السوريين إلى تركيا، وصور التظاهرات الشعبية التي تعرضها مواقع اليوتيوب، والتنديد الدولي، والعقوبات الدولية، لا تدل على أن النظام في سورية على وشك السقوط، وإنما تدل على عدم نجاح المعارضة والإخوان المسلمين في توحيد صفوفهما وتحويل التمرد المسلح في سورية إلى انتفاضة شعبية شاملة.
· إن معظم التنظيمات والشخصيات في المعارضة السورية وزعماء الإخوان المسلمين هم خارج سورية. صحيح أنهم يخوضون معركتهم الافتراضية بنجاح، ويحصلون على التعاطف مع حركة الاحتجاج، ويضعفون شرعية نظام عائلة الأسد على الصعيدين الوطني والدولي، لكنهم ضعفاء على الصعيد التنظيمي، وغير قادرين على تقديم زعامة وحكم بديل من الحكم القائم. ولهذا السبب لم تظهر في أي مكان في سورية كتلة حاسمة من الجماهير المندفعة القادرة على التغلب على عنف النظام (مثلما حدث في مصر وفي تونس وفي جزء من ليبيا)، والأسوأ هو أنه بعد مرور ثلاثة أشهر على الانتفاضة في سورية يبدو أن الكفة بدأت تميل لمصلحة النظام وذلك للأسباب التالية:
· أولاً: التصميم الكبير الذي تظهره عائلة الأسد وقيادة حزب البعث في مساعيهما للتمسك بالسلطة، وعدم تورعهما عن استخدام أية وسيلة للمحافظة عليها، بما في ذلك حمامات دم لقمع الانتفاضة. وهما لا يدافعان فقط عن سيطرتهما على السلطة، بل أيضاً عن مصير الطائفة العلوية وأنصار حزب البعث، فالخطر الأساسي الذي يهدد النظام هم السنة من سكان الأرياف ومدن الأطراف حيث للإخوان المسلمين نفوذ كبير.
· ثانياً: إن قدرة النظام السوري على الحفاظ على ولاء الجيش والأجهزة الأمنية والطائفة العلوية وطبقة رجال الأعمال ساعدته في تحقيق أهدافه. فعلى الرغم من حدوث حالات انشقاق وفرار عدد من الجنود والضباط الصغار السنّة من وحداتهم العسكرية، إلاّ إن هذا لا يشكل تهديداً للسلطة، ولا يعرقل استخدام الفرق العسكرية. ففي رأي المستشرق شاوول منشيه، لا يشكل الجيش في الشرق الأوسط خطراً على النظام إلاّ في حال قيام عدد كبير من قادة الوحدات العسكرية بالانقلاب على هذا النظام والوقوف ضده بصورة واضحة. لذا، فإن مفتاح أي تحرك للجيش السوري هو في يد الجنرالات في هيئة الأركان العامة وفي يد قادة الفرق في سلاحي البر والجو.
· السبب الثالث: عدم تدخل المجتمع الدولي بصورة فعالة من أجل وقف عمليات القمع الوحشي، إذ أعطى غياب الضغط الخارجي الفعال الجيش والأجهزة الأمنية وقتاً وهامشاً للمناورة من أجل معالجة الوضع. والسبب الأساسي للعجز السياسي والعسكري الذي يظهره الغرب تجاه سورية هو الخوف من أن يؤدي سقوط نظام بشار الأسد إلى حرب طائفية واسعة النطاق بين السنة والعلويين والأكراد والدروز قد تزعزع المنطقة بأسرها، وتجر معها العلويين في لبنان، وحزب الله الذي سيهب لنجدة الشيعة في سورية.
· وثمة سبب آخر يمنع الغرب من التدخل هو المعارضة الروسية والصينية، إذ تعتبر روسيا أن سورية دولة تقع تحت وصايتها، ليس فقط بسبب السلاح الذي تبيعه لها، بل أيضاً لأن الأسد أعطى الروس قاعدة بحرية في اللاذقية، الأمر الذي يسمح للكرملين بالتأثير في السياسة في المنطقة. أمّا معارضة الصين المبدئية للتدخل في الشؤون الداخلية لدولة أخرى فتعود إلى أنها لا تريد أن يشكل هذا سابقة قد تستخدم ضدها مستقبلاً.
· كذلك فإن ما يجري في ليبيا، حيث ظهرت القدرة المحدودة لضربات حلف الأطلسي (الناتو) الجوية ضد القذافي، أدى إلى ظهور الغرب بمظهر العاجزعن التدخل الفعال. وهذه الأسباب جميعها تجعل سورية محصنة ضد التدخل الدولي.
· وفي الوقت الذي يتجاهل فيه الأسد الولايات المتحدة وأوروبا والأمم المتحدة، نراه يسعى للمحافظة على مواقع التأييد الإقليمي له، فقد حافظ على علاقته مع إيران، وسارع إلى تثبيت سيطرته على لبنان، وضغط على حزب الله من أجل إنهاء الأزمة السياسية التي منعت تأليف الحكومة خلال الأشهر الخمسة الماضية. كذلك يسعى الأسد لتقليص التوتر في العلاقات مع تركيا إدراكاً منه أن أردوغان الإسلامي السني غاضب من القمع الوحشي للسنة وللإخوان المسلمين في سورية، والرئيس السوري يعرف أيضاً أن تركيا تخاف من تدفق النازحين إلى أراضيها، ولا سيما أن أغلبية اللاجئين هم من السنة. ويتخوف أردوغان من استمرار الثورة في سورية ووصولها إلى المناطق التركية هناك، الأمر الذي قد يضطره إلى السماح لآلاف الأكراد بدخول تركيا، وهذا ما سيتسبب بتوتير المناطق الكردية جنوب تركيا، وقد يدفع الجيش التركي إلى التوغل في المناطق السورية الحدودية، وإقامة منطقة عازلة لإسكان اللاجئين فيها. إن ذلك كله من شأنه أن يضعف شرعية نظام الأسد وسيطرته على بلده، ولهذا السبب نراه يرسل المبعوثين إلى أنقرة ويستقبل الموفدين منها من أجل منع تدهور جديد في العلاقات مع تركيا.