نزعة التطرف في أوساط الجمهور الحريدي في مرآة انتخابات بلدية القدس
المصدر
المعهد الإسرائيلي للديمقراطية

 

  • خاضت انتخابات مجلس بلدية القدس [التي أجريت في 22/10/2013] ثلاثة أحزاب حريدية – أشكنازية (أي دينية أصولية – أشكنازية) هي: حزب "أغودات يسرائيل" (رابطة إسرائيل) الذي يمثل التيار المركزي في اليهودية الحريدية، لائحة "بني توراة" (أبناء التوراة) التي تمثل الجناح الأيديولوجي الصلب في القطاع اللتواني، ولائحة "طوف ليروشلايم" (الخير للقدس) التي تمثل الحريديم العاملين والجناح المعتدل ("العصري" كما يطلق عليه أحياناً بلهجة ساخرة)، في اليهودية الحريدية. وكانت النتائج فوز "أغودات يسرائيل" بثمانية مقاعد في المجلس البلدي، و"أبناء التوراة" بمقعد واحد، وأما "الخير للقدس" فلم يفز بأي مقعد وكان بعيداً جداً من المقعد المنشود. وهذه النتائج أخبار سيئة لكل من يتابع عمليات الانفتاح داخل الجمهور الحريدي.
  • في أوساط الجمهور الحريدي تكون الانتخابات للسلطات المحلية على وجه العموم أكثر أثارة وأكثر حيوية، بل حتى أكثر غرائزية من انتخابات الكنيست. أعني خصوصاً انتخابات المدن ذات الطابع الحريدي (مدينة "بني براك") أو المدن التي فيها تجمع حريدي كبير (القدس مثلاً). في هذه المدن يُنسى الصراع مع الأحزاب العلمانية والدينية – الصهيونية، ويتم تحويل الجزء الأكبر من الطاقة نحو الصراعات الداخلية بين المجموعات الحريدية المختلفة. هنا في الصراعات داخل العائلة، تكون حدة الحساسيات أقوى بكثير.
  • وعلى الرغم من الهجمات الكلامية المكثفة من جانب كبار علماء التوراة اللتوانيين وفي مقدمهم الحاخام شطيمان والحاخام كنيفيسكي، على "أبناء التوراة" وناخبيها، وعلى الرغم من الضغوط الهائلة على الأرض، نجحت الحركة الفتية الصغيرة في أن تكتسب لنفسها جمهوراً ناخباً عنيداً وأن تثبت وجودها "على الخارطة".
  • إلى حين وفاة الحاخام يوسف شالوم أليشيف (18/12/2012)، كانت قيادة التيار اللتواني في يد زعيم واحد يحظى على وجه العموم بإجماع مدهش من جميع القطاعات، ولكن منذ وفاته لم يعد هناك قيادة واحدة، وهذه اللامركزية يمكن أن تعمل لمصلحة القوى الأكثر اعتدالاً من التيار المركزي على غرار لائحة "الخير للقدس". ولكنها يمكن أن تعمل أيضاً لمصلحة القوى الأكثر تطرفاً من التيار المركزي على غرار "أبناء التوراة". في الجولة الحالية كان هؤلاء الأخيرون هم الرابحون من اللامركزية.
  • لماذا منيت لائحة حزب "الخير للقدس" ذاك الحزب اللطيف، نظيف اليدين، والمليء بالنوايا الحسنة الذي حقق موجة نجاحات في عدد من المجالس البلدية لمدن حريدية، بخسارة مؤلمة إلى هذا الحد؟
  • إن تعاظم قوة المحافظين وضعف القوى المعتدلة في المجتمع الحريدي، نقيض لمنحى سنوات عديدة، وعلينا التفكير في ذلك. هناك عدد من التفسيرات، ولا أريد نفي إمكانات أخرى من ضمنها
  • اعتبارات محلية على غرار الهوية "المقدسية" للمعسكر المحافظ، لكن من أهم هذه التفسيرات لما نحن بصدده: الصعود الباهر لحزب "يش عتيد" (يوجد مستقبل)، والأصوات المعربدة التي صدرت عن ممثليه وعن جوقة المشجعين له، إقصاء الأحزاب الحريدية عن المشاركة في الائتلاف الحكومي، الإصرار المتعنت على فرض "ضريبة التجنيد" (كما يطلق عليها الحريديون) في سياق فرض عقوبات جنائية على المتخلفين. كل ذلك تردّدت أصداؤه بقوة داخل أحياء القدس الحريدية.
  • بعد قرار محكمة العدل العليا في موضوع قانون طال (شباط/ فبراير 2012)، رفع البروفسور يديديا شتيرن الصوت عالياً محذراً من تعاظم قوة الجهات المتطرفة في المجتمع الحريدي من جراء هذه الخطوة، وهذا ما قاله حرفياً: "قد يتضح أن قرار محكمة العدل العليا كان غلطة تاريخية، ومن المحتمل أن يقلب رأساً على عقب التوجه نحو الاندماج ويقطع رؤوس براعم التغيير". المؤسف في الأمر هو أن محكمة العدل العليا التي تحلّت بضبط النفس على امتداد ثلاثين عاماً في هذه القضية، لم تكن على استعداد للانتظار قليلاً إلى حين نضوج العملية الاجتماعية.
  • كانت تلك فترة مفجعة بالنسبة إلى المجتمع الحريدي، فالقيادة المرجعية الفقهية لكبار العلماء على وشك أن تتبدل بحكم تقدمها في العمر وتلاحظ بداية حالة من الدمقرطة في أوساطها، كما بدأت تظهر مؤشرات إلى إقبال بالغ الدلالة على الدراسات الأكاديمية في أوساط المجتمع الحريدي (نمو بنسبة 250 في المئة خلال خمس سنوات)، وبدأ الانفتاح على الإنترنت يتسع ومعه إدراك أوسع للواقع، وبدأت تنشأ طبقة حريدية وسطى سئمت حياة الفقر البشع.
  • هذه تغييرات جديدة مستقبلها غير مضمون، وقرار محكمة العدل العليا يشكل خطراً عليها. ومن أجل دفع عمليات مرغوبة داخل المجتمع الحريدي قدماً، لا داعي لشهر العصي والسواطير في وجهه، وبخاصة ليس عندما بدأت هذه العمليات بالنضوج داخله. وكل ما كان يتوجب على الدولة فعله هو تشجيع هذه العمليات التي كانت قائمة تلقائياً. وكل ما هو مطلوب من الجمهور الواسع القيام به (العلماني والديني - الصهيوني)، هو إسماع الصوت تجاه هذه العملية التي فيها تقدير وتعاطف إزاء مجتمع محافظ يبدي استعداداً للانفتاح على محيطه.