· تدل تصريحات المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل دفاعاً عن الدولة الفلسطينية على أن مشروع الدولة الفلسطينية حي وباق. إن سعي السلطة الفلسطينية لاستصدار قرار عن الأمم المتحدة يعترف بالدولة الفلسطينية ضمن حدود 1967 يجب أن يقلق دولة إسرائيل. فحتى لو لم يكن هذا القرار ملزماً، إلاّ إن تأييده من جانب 130 دولة عضواً في الأمم المتحدة سيزيد في عزلة إسرائيل على الساحة الدولية، وسيصورها كدولة احتلال لا تريد السلام.
· إن كل مَن يبحث عن الأسباب التي دفعت الفلسطينيين إلى تبني المبادرة الجديدة لا بد من أن يدرك أنهم يسعون من خلال مبادرتهم هذه لتغيير طريقة التفكير السائدة منذ اتفاق أوسلو والتي كانت تعتبر أن حل النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني هو السبيل الوحيد لنشوء دولة فلسطينية.
· ويبدو أن الفلسطينيين فقدوا الأمل بتحقيق هذه المعادلة، وباتوا مقتنعين بأن التحرك السياسي الدولي بمعزل عن حل النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني وعن المفاوضات مع إسرائيل، هو الذي سيسمح لهم بإنشاء دولتهم. كذلك بات شبه مؤكد أنهم توصلوا إلى هذه القناعة بعد تقديرهم استحالة التوصل إلى اتفاق سلام مع الحكومة الإسرائيلية الحالية. لكن قد لا يكون هذا هو السبب الوحيد، فالفلسطينيون كالإسرائيليين ليسوا مستعدين للاتفاق الدائم، لأنهم ليسوا قادرين على الاتفاق على تسوية تتطلب منهم تقديم تنازلات في موضوعين مهمين: السيادة الفلسطينية على جبل الهيكل، وحق عودة اللاجئين إلى إسرائيل.
· لقد أثبتت المفاوضات التي دارت بين أولمرت وأبو مازن [سنة 2008]، أنه على الرغم من التقدم الكبير الذي تحقق، فإن الثغرات في المواقف بين الطرفين، والمتعلقة بمسألة السيادة على جبل الهيكل وعودة اللاجئين ظلت غير قابلة للتجسير. فالفلسطينيون ليسوا جاهزين للموافقة على خضوع جبل الهيكل لحكم خاص لا يمنحهم السيادة الكاملة عليه، كما أنهم غير مستعدين للتنازل عن حق العودة، حتى لو أعلنت إسرائيل استعدادها لاستيعاب عدد محدود من اللاجئين لأسباب إنسانية فقط.
· إن التمسك الفلسطيني بحق العودة يشكل حاجزاً في وجه السلام. وحتى لو وافقت الزعامة الفلسطينية الحالية على إبداء مرونة في هذا الموضوع، فإن "حماس" والشعب الفلسطيني لن يوافقا على أي تنازلات في هذا الشأن. علاوة على ذلك، فقد خلق الانقسام بين الضفة الغربية وغزة كيانين فلسطينيين مستقلين، الأمر الذي جعل من الصعب التوصل إلى تسوية دائمة من دون موافقة "حماس".
· إن الحكومة الإسرائيلية بتفضيلها الوضع القائم على التوصل إلى تسوية دائمة، وإدارة النزاع على حله، إنما تضع نفسها في خدمة السلطة الفلسطينية. وبدلاً من أن تعلن هذه الحكومة أن فشل المفاوضات بين أولمرت وأبو مازن هو دليل على أن الثغرات في مواقف الطرفين لا تسمح بحل النزاع، فإنها تواصل ترسيخ الوضع القائم من خلال تسريع سياساتها الاستيطانية بحيث تشمل حتى الأحياء العربية في القدس.
· تستخدم الحكومة الإسرائيلية سياسة الاستيطان التي لطالما كانت موضع شجب من المجتمع الدولي كأداة لتثبيت حقائق على الأرض من أجل إفشال حل الدولتين.
· في ضوء هذه الوقائع يجب ألاّ نتفاجأ من ازدياد الإجماع الدولي على تحميل إسرائيل مسؤولية جمود العملية السياسية والفشل في إنهاء النزاع. فضلاً عن أن جزءاً من هذا المجتمع الدولي يعتبر المبادرة الفلسطينية الرامية إلى تدويل النزاع أمراً منطقياً من شأنه تغيير الوضع القائم.
· على إسرائيل أن تقترح في الفترة المقبلة مبادرة سياسية جديدة لا يكون هدفها إحباط المبادرة الفلسطينية، وإنما تقديم بديل سياسي يمكن أن تعتبره دول مثل الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي مبادرة تستحق الاهتمام مثل المبادرة الفلسطينية.
· إن الافتراض الأساسي الذي يجب أن تستند إليه المبادرة السياسية الجديدة هو إعلان إسرائيل استعدادها لتغيير الوضع الحالي من خلال طرح خطة سياسية حقيقية تتضمن مجموعة من الاحتمالات للانتقال إلى تسوية دائمة تشمل عدداً كبيراً من الترتيبات المرحلية والموقتة، التي تسمح بقيام الدولة الفلسطينية من دون حل النزاع، وتؤجل حل مشكلتي السيادة على جبل الهيكل واللاجئين إلى حين التوصل إلى حل نهائي. كذلك يجب أن يحظى هذا الاتفاق الجزئي بموافقة الطرفين، وبضمانات دولية تتعهد بأن يكون مرحلة أولى من مرحلتين تسمحان في النهاية بالتوصل إلى تسوية دائمة في غضون فترة زمنية محدودة.
· إن مثل هذه المبادرة السياسية الإسرائيلية، حتى لو لم تستطع الحلول محل المبادرة الفلسطينية، ستثبت استعداد إسرائيل للموافقة على تسوية سياسية تغير الوضع القائم.
· إن المحاولات الإسرائيلية الرافضة للمبادرة الفلسطينية من أجل الرفض فقط ومن دون تقديم مبادرة سياسية جديدة وخلاقة لن تنجح في تغيير الصورة السلبية عن إسرائيل بأنها تسعى لاستمرار الوضع القائم إلى الأبد، وهو أمر بات مرفوضاً من جانب المجتمع الدولي.