· قبل فجر أمس بقليل، بلّغ مسؤولون في حركة "حماس" روبرت ساري مندوب الأمم المتحدة في الشرق الأوسط أنهم يعملون على منع التصعيد، وطلبوا منحهم وقتاً من أجل تهدئة النفوس. وبعد ساعات قليلة على ذلك، أُطلق أول صاروخ غراد على بئر السبع، ثم صاروخ ثانٍ. وبعد فترة طويلة من الهدوء جاءت عملية التفجير في القدس، لتزيد في الانطباع أن ما يجري هو هجوم إرهابي مخطط له.
· إن التناقض بين رسالة "حماس" وبين الوقائع على الأرض يبين مدى صعوبة معرفة ما إذا كانت الحركة تسعى للتصعيد. فعلى الرغم من الصورة التي تحاول "حماس" أن تقدمها لنفسها بأنها موحدة الآراء، فإنها ليست كذلك. إن كبار المسؤولين في الحركة لا يرغبون في مواجهة عسكرية جديدة، وليس هذا تكهنات وإنما مواقف واضحة عبرت عنها الحركة أمام وسائل إعلامها، وأمام أنصارها وجمهورها. لكن على الرغم من ذلك هناك أطراف أخرى في "حماس" ـ في القيادتين السياسية والعسكرية على حد سواء ـ على قناعة بأن حرباً جديدة على الأبواب، وألاّ جدوى من الوقوف في وجهها.
· حتى الآن ينجح المعسكر البراغماتي داخل "حماس"، لكن بصعوبة، في توجيه سياسة الحركة. والمثال على ذلك الحديث الذي أجراه أمس رئيس حكومة "حماس" إسماعيل هنية مع رمضان شلح زعيم الجهاد الإسلامي الموجود في دمشق. وكانت حكومة "حماس" قد أعلنت رسمياً أن هدف الحديث هو محاولة هنية الحؤول دون وقوع مواجهة عسكرية جديدة في قطاع غزة. كذلك تجدر الإشارة إلى أن الجناح العسكري في "حماس" لم يعلن مسؤوليته المباشرة عن الأحداث.
· من جهة أخرى فإن المسؤولين في الجناح العسكري في "حماس" يسمعون ويقرأون انتقادات مؤيديهم المنشورة على مواقع الحركة على الإنترنت، والتي تتساءل أين كتائب الأقصى؟ ولماذا لا ترد الحركة؟ فخلال العامين الماضيين، أي منذ عملية "الرصاص المسبوك" حرصت الأجهزة العسكرية في "حماس" على التزود بالسلاح والتدريب استعداداً للحرب المقبلة. قد تكون "حماس" بحاجة إلى مزيد من الوقت لتعزيز قدراتها، لكن ربما باتت تعتقد أن الوقت حان لإعادة النظر في معادلة القوة في مواجهة إسرائيل.
· ومما يزيد في هذا الانطباع العملية التفجيرية في القدس، فمثل هذه العمليات لا تحدث بين ليلة وضحاها، ومن الصعب تجاهل توقيت التفجير. إذ من المحتمل أن الذين وضعوا العبوة كانوا في المراحل النهائية من تخطيطهم للهجوم، ثم قرروا تنفيذه فوراً في ظل تطور الأحداث. وفي كل الأحوال، فإن تراكم الهجمات من شأنه أن يدفع الطرفين إلى ردات فعل متسرعة قد تخرج عن السيطرة.
· إن الطريقة التي سترد فيها إسرائيل على "حماس" ليست أمراً سهلاً، فإسرائيل هي فعلاً في ورطة. إذا ردت بقوة ضد "حماس" فإن هذا سيؤدي إلى تغيير موازين القوى داخل الحركة لمصلحة المؤيدين للتصعيد، وإذا ضبطت نفسها فإن "حماس" ستفسر ذلك بأنه علامة ضعف. وتدل تجربة الماضي على أن "حماس" تفسر غياب الرد الإسرائيلي بأنه تعبير عن التردد.