تأثير الأزمة السورية في لبنان
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال
المؤلف

·       شهدت مدينة طرابلس، ثاني أكبر المدن في لبنان والواقعة في شمال البلد، اشتباكات بين مؤيدي النظام السوري من الطائفة العلوية وبين السكان السنّة المؤيدين للمعارضة السورية المعادية للنظام. ولقد فاجأت هذه الأحداث المراقبين الذين كانوا حتى الآن يفترضون أن لبنان سيبقى محصناً في مواجهة موجة "الربيع العربي". لكن الواقع هو على النقيض من ذلك تماماً، فقد تأثر لبنان كثيراً بما يجري حوله، ولا سيما بالأزمة السورية، وذلك بسبب العلاقات الجيو - استراتيجية الوثيقة بين البلدين، والمستمرة منذ أعوام طويلة، والتي تبرز على المستويين الاقتصادي والسياسي.

·       لقد انعكست الأحداث في سورية سلباً على أمن لبنان واستقراره. ولا يعود هذا إلى استمرار تدفق اللاجئين السوريين الباحثين عن ملاذ داخل الأراضي اللبنانية، وإنما نتيجة استمرار حوادث إطلاق النار على الحدود من جانب الجيش السوري، فضلاً عن حوداث خطف معارضين سوريين لنظام الأسد مقيمين بلبنان، وارتفاع وتيرة تهريب السلاح عبر الحدود. كذلك فإن العقوبات المفروضة على سورية، والأزمة الاقتصادية التي تعانيها، انعكستا أيضاً على الاقتصاد اللبناني بسبب العلاقة الوثيقة التي تربط اقتصادي البلدين.

·       كما تسببت الأزمة السورية في تصدع الحكومة اللبنانية الحالية نتيجة دعم الأحزاب الشيعية القوي لنظام الأسد، على عكس الشركاء الآخرين في الحكومة، بمن فيهم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي والزعيم الدرزي وليد جنبلاط، الذين كانوا أقل حماسة تجاه نظام الأسد. ولقد أضرت هذه الخلافات بفعالية الحكومة اللبنانية وأضعفت قدرتها على العمل.

·       بيد أن التأثير الأكثر خطورة للأزمة السورية في لبنان تمثل في ارتفاع حدة النزاعات الطائفية. فقد كشفت أحداث العنف في طرابلس في الفترة الأخيرة مجتمعاً منقسماً ومتنازعاً مع ازدياد التصدع في العلاقة بين السنّة والشيعة، وذلك في ضوء وقوف أغلبية السنّة في لبنان مع المعارضين لنظام الأسد، ووقوف الأغلبية الشيعية مع هذا النظام.

·       وتدل أحداث طرابلس الأخيرة أيضاً على تصاعد الخلافات ليس بين السنّة والشيعة فحسب، بل أيضاً بين أبناء الطائفة السنية نفسها. ففي الأعوام التي أعقبت الانسحاب السوري من لبنان سنة 2005، بدأت تنمو هناك التنظيمات السلفية العنيفة والسلمية. ومن المعروف أن هذه التنظيمات كانت موجودة في لبنان منذ الثمانينيات، وهي تتمركز بصورة خاصة في المناطق المحيطة بطرابلس، مثل مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين ومخيم عين الحلوة في صيدا في الجنوب. وخلال فترة الوجود العسكري السوري في لبنان، كانت هذه التنظيمات خاضعة للرقابة الشديدة من جانب أجهزة الاستخبارات السورية التي قلصت نشاطاتها وتحركاتها.

·       في إثر الانسحاب السوري سنة 2005، سمحت قوى 14 آذار/مارس التي فازت في الانتخابات آنذاك للتنظيمات السلفية غير الجهادية بأن تنشط سياسياً، وتغاضت هذه القوى عن التصريحات المتطرفة التي كانت تصدر عن تنظيمات سلفية أخرى. وحاول تيار المستقبل، الذي لا يقف علناً مع هذه التنظيمات، ضمها إلى صفوفه من خلال تبني موقف مشترك معاد لسورية ولحزب الله، وذلك في مسعى لتوحيد الطائفة السنية وضمان استمرار الهيمنة السياسية للتيار.

·       لكن مع مرور الأعوام، وتجدد حوادث العنف بين الجيش اللبناني وبين السلفيين الداعين إلى استخدام العنف، بدأت تزداد الشكوك بشأن دور هذه التنظيمات، ولا سيما مع صعود التطرف بين صفوفها. ومن أبرز النماذج على عنف هذه التنظيمات السلفية الصراع الذي وقع بين الجيش اللبناني وبين المجموعة الجهادية التابعة  لـ "فتح الإسلام" [صيف 2007]، والذي استمر لأكثر من 100 يوم وأدى إلى مقتل نحو 400 شخص.

وفي الفترة الأخيرة، ومنذ بدء الأزمة السورية ازدادت المخاوف من تصاعد النفوذ السياسي للتيار السلفي وسط الطائفة السنية. وعلى الرغم من أن هذه التنظيمات ليست قوية بما فيه الكفاية سياسياً كي تشكل خطراً على النفوذ السياسي لتيار المستقبل، فإن عدد المؤيدين لها يزداد يوماً بعد يوم، الأمر الذي يطرح مشكلة صعود التطرف وسط الطائفة السنية كما أظهرته أحداث طرابلس الأخيرة.