انعكاسات إضراب الأسرى الفلسطينيين عن الطعام
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال

·       يشكل الإضراب عن الطعام وسيلة أخرى من الوسائل التي يستخدمها الفلسطينيون في كفاحهم السلمي ضد إسرائيل بهدف الضغط عليها معنوياً. ويشير استخدام هذا النوع من النضال إلى تبني الفلسطينيين الأساليب اللاعنفية التي استخدمتها الجماهير العربية في موجة "الربيع العربي". كما يدرك الفلسطينيون مدى التأثير الكبير لمثل هذه الأساليب في القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان. ويمكن القول إن الهدف الأساسي للنضال السلمي هو تغيير سياسة دولة إسرائيل بوسائل جديدة.

·       في إثر نجاح الإضراب عن الطعام في بعض الدول العربية، قرر أسيران إداريان، هما خضر عدنان وهناء شلبي، البدء بإضراب عن الطعام من أجل وقف الاعتقال الإداري، وغير القانوني بالنسبة إليهما، بحق الفلسطينيين. وحظيت هذه الخطوة بدعم كبير في الشارع الفلسطيني، وأدى خوف إسرائيل من أن يتسبب موت هذين الأسيرين بانفجار العنف في السجون والمناطق إلى الإفراج عنهما.

·       في أعقاب نجاح هذا الإضراب عن الطعام، بدأ خمسة أسرى إداريين فلسطينيين بإضرابهم في 17 نيسان/أبريل الماضي، وما لبث أن انضم إليهم نحو 1500 أسير، أغلبيتهم من الأسرى الأمنيين والجنائيين، وجزء قليل منهم من الأسرى الإداريين. وكان الهدف الأساسي لهذا الإضراب الجماعي عن الطعام، الأول في العالم العربي من حيث نوعه وحجمه، وضع حد للاعتقال الإداري، وتحسين ظروف توقيف الأسرى الذين اعتُقلوا في إثر خطف الجندي غلعاد شاليط. ولقد تضمنت المطالب التي نُشرت في وسائل الاتصال الاجتماعي ما يلي: وقف العمل بالتوقيف الإداري؛ وقف سياسة السجن الإفرادي؛ وقف عمليات التفتيش المفاجئة للزنزانات؛ تقديم العناية الطبية اللازمة؛ السماح لأهالي الأسرى بالزيارة (والمقصود هنا تحديداً الأسرى من غزة الذين تُمنع عائلاتهم من زيارتهم)؛ وقف سوء المعاملة التي يعانيها أبناء عائلات الأسرى لدى قدومهم إلى السجن.

·       وقد عكست وسائل الاتصال الاجتماعي تأييداً جارفاً لمطالب الأسرى الإداريين بصورة خاصة، وتأييداً أقل للأسرى الجنائيين والأمنيين... وكان واضحاً عدم امتلاك السلطة الفلسطينية وسائل لمواجهة هذه الظاهرة الجديدة، إذ أعرب رئيس السلطة محمود عباس عن تخوفه من أن تفقد السلطة قدرتها على السيطرة على الأمور في حال وقوع مكروه للأسرى المضربين عن الطعام، وذلك في محاولة منه للضغط على إسرائيل كي تبدي مرونة في معالجتها لهذه المسألة. ووجدت السلطة الفلسطينية نفسها أمام تحد صعب، فقد كان عليها، من ناحية، مواجهة التظاهرات التي شهدتها مدن كبرى مثل الخليل ونابلس، اللتين تعتبران معقلاً لحركة "حماس"، والحؤول دون استغلال "حماس" و"الجهاد الإسلامي" لهذه التظاهرات للضغط على السلطة الفلسطينية التي تعتقل أنصاراً للحركتين بصورة غير قانونية. ومن ناحية أخرى، كان على السلطة إظهار دعمها لقضية الأسرى. وهكذا اضطُرت أجهزة السلطة الأمنية إلى اتخاذ خطوات رمزية من أجل عدم توجيه انتباه المحتجين ضدها، وامتنعت من التصدي لأعمال الاحتجاج والتضامن مع الأسرى في السجون الإسرائيلية، وفي الوقت نفسه قامت باتصالات سرية مع الأسرى المضربين لإقناعهم بعدم التشدد في إضرابهم ومطالبهم.

·       شكل الإضراب الجماعي للأسرى عن الطعام نموذجاً جديداً في النضال اللاعنفي الذي يهدف إلى تغيير السياسة الإسرائيلية، ولا تملك الحكومات وسائل لمواجهة هذه الظاهرة من الاحتجاج السلمي. من هنا تحتاج الحكومة الإسرائيلية إلى وضع استراتجيا جديدة لمواجة هذا التحدي الجديد.

من جهة أخرى تكشف هذه الظاهرة الدور الذي تؤديه وسائل الاتصال الاجتماعي في الربط بين الشارع المصري والشارع الفلسطيني، وفي إيجاد التأثير المتبادل بينهما، فعلى سبيل المثال أخذ الفلسطينيون نموذج الإضراب عن الطعام من المصريين، كذلك فإن من شأن تدهور الأوضاع في غزة والضفة أن يساهم في تصعيد المواقف المعادية لإسرائيل في الشارع المصري.