· يطلق البعض على وقف إطلاق النار المستمر مع "حماس" منذ آب/أغسطس 2011 اسم "تسوية" والبعض الآخر يسميه "هدنة الأمر الواقع". لكن يبدو أننا أمام وقف إطلاق نار ما زالت "حماس" تتقيد به منذ جولة التصعيد الأخيرة بعد الهجوم الإرهابي الذي شنته الحركة على إيلات، وإطلاقها عدداً من صواريخ غراد في اتجاه إسرائيل. ومنذ ذلك الحين لم تبادر الحركة إلى شن هجمات على إسرائيل واكتفت بالرد على العمليات التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي.
· فعلى سبيل المثال، لم تشارك "حماس" في الرد على اغتيال إسرائيل الأمين العام للجان المقاومة الشعبية، وإنما حاولت تهدئة الوضع، وحافظت قيادتها طوال تلك الفترة على ضبط النفس. وفي الفترة الأخيرة انتشرت أخبار تتحدث عن تشكيل "حماس" فرقة شرطة خاصة مهمتها منع "التنظيمات غير المنضبطة" من إطلاق الصواريخ على إسرائيل. كما لوحظ مؤخراً ارتفاع أعداد الشاحنات المحملة بالبضائع والوقود، والتي تدخل إلى غزة قادمة من إسرائيل، فضلاً عن تزايد تصدير البضائع المصنوعة في غزة عبر المرافىء الإسرائيلية.
· وعلى الرغم من استمرار "حماس" في القول أنها لم تتنازل عن "الكفاح المسلح" من أجل تحرير الأرض، وإصرار إسرائيل على أنها لم تغير موقفها الرافض إجراء اتصالات مع "حماس"، فإن لقاءات مباشرة بينهما تجري على الأرض لتسيير الأعمال، كما تشهد القاهرة من حين إلى آخر مفاوضات غير مباشرة بين الطرفين عبر وسيط مصري رفيع المستوى.
· وعملياً نحن أمام هدنة بالمعنى التقليدي للكلمة ستستمر ما دامت مصر تريد ذلك، وقد تنتهي في حال رأت زعامة "حماس" أن تجديد العنف ضد إسرائيل سيخدم مصالحها بصورة أفضل من التهدئة.
· بيد أن "حماس" ليست اللاعب الوحيد على الأرض، إذ تحظى التسوية على الساحة الغزاوية بتأييد كل من إسرائيل ومصر والسلطة الفلسطينية والأردن، لأن من مصلحة جميع هذه الأطراف عدم اشتعال الجبهة الفلسطينية من جديد.
· ويخرج على هذا الإجماع "التنظيمات غير المنضبطة"، وفي طليعتها "الجهاد الإسلامي" الذي يحاول التقيد بأوامر "حماس" ومصر في غزة، لكنه يخطط للقيام بهجمات من سيناء.
· إن الأسباب التي تشجع "حماس" على المحافظة على الهدنة هي العمل على تحسين الوضعين الاقتصادي والأمني لسكان غزة، الأمر الذي سيساعدها في تعزيز شعبيتها وتوطيد سيطرتها على القطاع في مواجهة التنظيمات المدعومة من إيران. وستسمح هذه الهدنة للحركة بالحصول على اعتراف دولي، وستحول دون حدوث ثورة شعبية ضدها في غزة.
لقد كان للربيع العربي انعكاساته المباشرة على "حماس"، فبسبب تمثيلها التيار السني الراديكالي في الإسلام أصبحت غير قادرة على مواصلة دعمها للقمع الذي يمارسه نظام الأسد ضد السنة في سورية. ولم يؤد هذا الأمر إلى خروج قيادة الحركة من دمشق فحسب، بل أيضاً إلى خسارتها التمويل الإيراني. وشكلت مصر البديل الطبيعي لإيران، لا سيما بعد أن أصبح الإخوان المسلمون، الحركة الأم لـ "حماس"، هم العنصر السياسي المسيطر على الحياة السياسية في مصر التي ليست من مصلحتها في هذه الفترة التورط في نزاع مع إسرائيل.