هل الثورات في الشرق الأوسط هي سبب التقارب بين تركيا وإسرائيل؟
تاريخ المقال
المصدر
مركز موشيه دايان للأبحاث شرق الأوسطية والأفريقية
–
Tel Aviv Notes، المجلد 5، إصدار خاص رقم 9
تأسس في سنة 1959 بالتعاون مع جامعة تل أبيب. وهو مركز متعدد المجالات، ينشر دراسات تتعلق بالنزاع الإسرائيلي- الفلسطيني، كما يُعنى بالموضوعات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في الدول العربية والدول الأفريقية. ولدى المركز أهم مكتبة للمصادر العربية من كتب ومجلات وصحف. وتصدر عن المركز سلسلة كتب مهمة في مختلف المجالات، ولديه برامج تدريب ومنح أكاديمية.
- إن النقاش الدائر بين تركيا وإسرائيل بشأن إيجاد حل لأزمة قافلة المساعدات التركية يجعلنا نطرح الأسئلة التالية: ما الذي يحسن العلاقات بين البلدين وما الذي يضر بها؟ وما هو تأثير الثورات في العالم العربي في هذه العلاقات؟ وهل تساهم الظروف السائدة حالياً في تحسينها؟
- تاريخياً، ارتبطت مراحل الصعود والهبوط في العلاقات بين تركيا وإسرائيل بالتطورات الجارية على ثلاث ساحات، هي: السياسة الداخلية التركية؛ الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني؛ الثورات أو الحروب في المنطقة. وحتى الفترة الأخيرة، قلما شكّل موضوع العلاقات الثنائية بين البلدين قضية منفردة، إذ حتى التسعينيات كان هناك تحالف بين تركيا وإسرائيل، لكن منذ صعود حزب العدالة والتنمية إلى الحكم بدأت مرحلة التباعد بين البلدين.
- تواجه كل من تركيا وإسرائيل خلال العقد الحالي مرحلة جديدة من الثورات وعدم الاستقرار بسبب "الربيع العربي"، و"الربيع الكردي"، والانعكاسات الإقليمية لقيام كيانات سياسية جديدة أو تقسيم دول أخرى، والانسحاب المتوقع للقوات الأميركية من العراق في نهاية سنة 2011. وعلى الأرجح ستكون لهذه التطورات انعكسات سلبية على كل من تركيا وإسرائيل قد تشكل حافزاً للتقارب بينهما.
- فبالنسبة إلى تركيا شكل الربيع العربي خسارة اقتصادية لها في ليبيا ومصر وسورية، كذلك فإن وقوفها إلى جانب الحكم السني في البحرين ضد الانتفاضة الشيعية جعلها تظهر بمظهر المتخوف من الصعود الشيعي ومن تأثيره في المنطقة.
- ويشكل "الربيع الكردي" عاملاً آخر لعدم الاستقرار في المنطقة، فتمثل الثورة الكردية أهم خطر داخلي يتهدد تركيا، إذ يواصل حزب العمال الكردستاني المحظور مهاجمة الجنود الأتراك، كذلك أعلن حزب السلام الديمقراطي الكردي المعترف به رسمياً إقامة "الحكم الذاتي الديمقراطي" في المنطقة الكردية في تركيا، وتساعد مشاركة الأكراد في الثورة السورية في التعاون بين أكراد الدولتين، الأمر الذي يجعل "الربيع الكردي" أكثر وطأة على تركيا.
- إن الانسحاب المنتظر للقوات الأميركية من العراق هو عامل آخر من عوامل عدم الاستقرار بالنسبة إلى تركيا وجيرانها. ومن المنتظر أن تسارع كل من إيران وتركيا إلى ملء الفراغ الذي سيخلفه الأميركيون هناك في سياق تسابقهما على فرض نفوذهما في المنطقة.
- مما لا شك فيه أن الربيع العربي ترك انعكاساته السلبية على إسرائيل بسبب خسارتها لحليفها في مصر، وهي تواجه حالياً خطر نمو التيار الإسلامي والاضطرابات على حدودها الشمالية مع سورية ولبنان، فضلاً عن المخاوف الإسرائيلية على الاستقرار في الأردن، ويضاف إلى هذا كله الانعكاسات التي سيتركها قيام جمهورية السودان الجنوبية على الدولة الفلسطينية التي تحظى بتأييد المجتمع الدولي لها.
- وقد دفع تضافر هذه العوامل كلها بكل من تركيا وإسرائيل إلى السعي لإعادة التوازن إلى مناطق نفوذهما، وأجبر هذا التغير في طبيعة التهديدات البلدين على تكييف نفسيهما مع تحولات الوضع الإقليمي وتبدلاته، كذلك شكل تشجيع إدارة أوباما البلدين الحليفين لها على حل أزمتهما حافزاً قوياً لجسر الثغرات بينهما.
- نظرياً تبدو الأوضاع ناضجة من أجل تحسين العلاقات بين تركيا وإسرائيل وإصلاح الضرر الذي لحق بها، لكن على الرغم من ذلك تختلف الأزمة الأخيرة بين البلدين عن سابقاتها، الأمر الذي يجعل التوصل إلى حل معقول مهمة صعبة. لقد كانت الأزمات في الماضي مرتبطة بطرف ثالث، بينما قضية قافلة السفن التركية هي مسألة ثنائية لا تمس حكومتي البلدين فقط ، بل أيضاً شعبيهما.
- لقد وضع رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان شروطه للمصالحة، وهي أن على إسرائيل أن تعتذر من تركيا، وأن تدفع تعويضات لعائلات الضحايا، وأن ترفع الحصار عن غزة. من جهتها تتحفظ إسرائيل على هذه الشروط التي يعتبرها بعض الإسرائيليين مهينة، فضلاً عن أن لا شيء يضمن أن تعيد الموافقة على شروط أردوغان الحرارة إلى العلاقات بين البلدين.
- إلاّ إنه وعلى الرغم من كل هذه الصعوبات فإن المصالح الاستراتيجية للدولتين ستدفعهما إلى تجاوز خلافاتهما، إذ استنفد أردوغان الاستفادة من مواقفه المعادية لإسرائيل، ويبدو أن الحكومة الإسرائيلية تتعرض لضغوط من أجل التوصل إلى تسوية لخلافها مع تركيا حتى لو تطلب ذلك تقديم اعتذار ودفع تعويضات. ومع ذلك حتى لو تم التوصل إلى تفاهم بين الطرفين، فإن هذا لن يعيد الصداقة التي كانت بينهما قبل التسعينيات، لكنه سيساعد في تنقية الأجواء. وفي هذه الحالة، يجب إعادة بناء العلاقات بين البلدين على أسس جديدة قائمة على المساواة في المعاملة والاحترام المتبادل.