· إن اتخاذ موقف حيال الحرب الأهلية في سورية يشبه إلى حد ما الاختيار بين هتلر وستالين، إذ على الرغم من كراهيتك لهما ورغبتك في عدم التعامل معهما، فإنك مضطر إلى الاختيار بينهما.
· ممّا لا شك فيه أن نظام الأسد، منذ أيام حافظ الأسد وفي ظل ابنه بشار، هو من أكثر الأنظمة القمعية في الشرق الأوسط الحديث، لكن بين المعارضين لهذا النظام هناك القاعدة التي تسعى للتدمير والسيطرة على كل مَن لا يؤمن بفكرها الإسلامي.
· في ظل هذا الوضع، إلى جانب مَن نقف؟ إنه خيار صعب ويتطلب جرأة. عندما زرت سورية أول مرة في سنة 1979، أخبرني الناس كيف واجه نظام الأسد أعداءً يستخدمون السيارات المفخخة والاغتيالات على نحو لم يكن معروفاً حتى من قبل الخبراء في الشرق الأوسط. وقد واجه الأسد هذا الوضع بإجراءات وحشية ضد مدينة حماه، مما أدى إلى مقتل ما بين 20,000 إلى 30,000 شخص وتدمير أجزاء كبيرة من المدينة.
· ما يحدث في سورية اليوم هو أسوأ بكثير ممّا جرى في سنة 1979: فقد قُتل أكثر من 80,000 شخص جرّاء الحرب التي اندلعت بعد وقت قصير من قرار إدارة أوباما التعامل مع نظام الأسد، وإرسالها السفير الأميركي إلى هناك على الرغم من رفض الكونغرس ذلك.
· ليس الوقت الآن لتعداد إخفاقات الرئيس باراك أوباما في الشرق الأوسط، لكن قضية سورية قد تكون القضية التي ستترك بصماتها على رئاسة أوباما، لأن ما يحدث هناك بدأ يمتد إلى إسرائيل ولبنان وتركيا والأردن.
· هناك مئات الآلاف من النازحين السوريين اليوم يهددون استقرار الأردن. كما قامت سورية بإطلاق النار على المواقع الإسرائيلية [في هضبة الجولان]، ودمرت إسرائيل شحنات الأسلحة السورية التي كانت في طريقها إلى حزب الله في لبنان. وفي هذه الأثناء جرى استخدام الأسلحة الكيميائية، ويقوم الروس بإرسال مزيد من السلاح المتطور إلى نظام الأسد.
· يرى البعض أن المواجهة الدائرة بين الأسد والإسلاميين تشبه الحرب التي دارت بين إيران والعراق، وأن من الأفضل أن نتركهما يتقاتلان بعضهما مع بعض، وبذلك لن يكون لديهما القوة لإزعاج الآخرين. لكن الحرب العراقية ـ الإيرانية أثبتت صعوبة "إدارة" مثل هذه الحرب، وفي الواقع فإن إدارة القتال الدائر في سورية أصعب كثيراً.
· هناك مَن يقول إن نظام الأسد "هو الشيطان الذي نعرفه"، وهو أقل تطرفاً من القاعدة، وأنه في بعض الأحيان قد نضطر إلى التعامل أو أن ندعم تكتيكياً أنظمة رهيبة، عندما يكون الخيار بين الأسد وبين أسوأ التنظيمات الإرهابية مثل القاعدة.
· في مقابل هؤلاء يدّعي آخرون أنه حتى في هذا الوقت المتأخر، هناك قوى أُخرى مهمة غير القاعدة داخل المعارضة السورية، وهي قد تبرز الى السطح في حال تدخّل الغرب. وبرأيي، فإن هذه وجهة نظر متفائلة، وقد علّمنا تاريخ المنطقة أن نكون أكثر حذراً.
· وأود هنا أن أقترح شيئاً ربما يعرّضني لسخرية الاستراتيجيين الكبار الذي غالباً ما أوافقهم الرأي، وهو وجود مبدأ أخلاقي مهم هو ضرورة أن نقوم أولاً بتوقيف القاتل وطرده، بل حتى معاقبته. وهذا مبدأ مهم بصورة خاصة لليهود ولإسرائيل. فالحسابات العقيمة "لموازين القوى"، و"الاحتواء المزدوج"، أمران مثيران للاشمئزاز، وخصوصاً بالنسبة إلى الذين ما زالوا يتذكرون لامبالاة العالم عندما كان اليهود يُذبحون. ومهما تكن الخطايا التي ارتكبها الثوار السوريون، فإنها لا توازي تلك التي ارتكبها نظام الأسد طوال نصف عقد من الزمن.
· هناك حجة أخلاقية - استراتيجية ثانية هي أن العلويين الذين ينتمي إليهم نظام الأسد، يشكلون أقلية صغيرة في سورية، ومن حقهم مثلما أنه من حق سائر الأقليات الحصول على حقوقهم، لكن السنّة أكثرية وقد انتظروا طويلاً للوصول إلى السلطة، وسينتصرون في نهاية المطاف.
· الحجة الثالثة استراتيجية خالصة: هناك قوتان من أسوأ القوى الإرهابية في العالم تدعمان الأسد هما :إيران وحزب الله، ولذا فإن إسقاط الأسد يقلل من نفوذهما.
· لقد تعيّن على تشرشل أن يختار بين هتلر وستالين، على الرغم من أنه كان يعلم أن كليهما يمثل الشيطان، لكن هتلر كان خطراً مباشراً أكثر وأشد فتكاً. وينطبق هذا على الأسد أيضاً، ويمكننا بعد رحيله المساهمة في بلورة النظام السوري الجديد. وفي حال اتضح أن الذين حلّوا محله هم أسوأ منه، يمكننا حينئذ مواجهتهم والانتصار عليهم