معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
[يعالج هذا التحليل واحداً من السيناريوهات المحتملة في إطار اتخاذ إسرائيل والولايات المتحدة قرارات مستقبلية بشأن المشروع النووي الإيراني، مع الأخذ في الحسبان أن استخدام القوة العسكرية ضد هذا المشروع سيكون المخرج الأخير. لكن على الرغم من ذلك، يجب أن يكون الخيار العسكري ذا مصداقية وقابلاً للتنفيذ عند الضرورة. إن الهدف من السيناريو المعروض هنا كنموذج هو فقط إغناء وتشجيع النقاش بشأن الانعكاسات المختلفة للهجوم العسكري.]
الموعد: نهاية 2013
· يتلقى رئيس الحكومة الإسرائيلية مكالمة هاتفية من البيت الأبيض، تتناول التقديرات الحديثة التي توصلت إليها أجهزة الاستخبارات الأميركية ومفادها أن العقوبات الدولية والمفاوضات مع إيران لم تقنعا النظام الإيراني بوقف سباقه النووي، وأن طهران رفضت الاقتراح الأميركي السخي الذي كان سيسمح لها بمواصلة تخصيب اليورانيوم مقابل قبولها بالرقابة النووية المشددة على نشاطاتها، وأن المشروع النووي الإيراني يواصل تقدمه وتخطى "الخطوط الحمر".
· في أعقاب ذلك، سيجتمع رئيس الحكومة الإسرائيلية والرئيس الأميركي مع طاقمي مستشاريهما وسيطرحان عليهما السؤال التالي: من هي الدولة التي ستشن الهجوم على إيران؟ هل هي الولايات المتحدة أم إسرائيل؟ ومن أجل الاجابة عن هذا السؤال وعن المسائل الأساسية الأخرى سيطرح الرئيسان عشرة أسئلة على مستشاريهم المقربين تتناول العملية العسكرية. وفيما يلي الأسئلة والاجابات عنها.
1- ما هو التوجه الذي سيمنح الغرب هامشاً أكبر من أجل استنفاد الخيارات السلمية؟ وهل يجب ابقاء توقيت موعد العملية في يد الإسرائيليين أم في يد الأميركيين؟
إن القدرة الإسرائيلية على مهاجمة المنشآت النووية في إيران وبصورة خاصة تلك المحصنة في عمق الجبال، مثل منشأة فوردو، محدودة أكثر من قدرة الولايات المتحدة. لذا فإن نافذة الفرصة المتاحة أمام إسرائيل للهجوم آيلة إلى النفاذ، في حين أن القدرات المتطورة التي تملكها واشنطن تسمح لها بالانتظار، مما يعطي الغرب المزيد من الوقت من أجل استنفاد الخيارات الأخرى.
2- ما هو الهجوم الذي سيحظى بشرعية دولية واسعة؟
من المتوقع ألا يؤيد المجتمع الدولي أي عملية عسكرية ما دامت هناك حظوظ لنجاح المساعي الدبلوماسية والعقوبات. كما أن التفوق الأميركي على صعيد القدرات العسكرية سيمنح المزيد من الوقت لاستنفاد هذه الخيارات. انطلاقاً من هنا يمكن القول إن الهجوم الأميركي كمخرج أخير سيحظى بشرعية أكبر على الصعيد الدولي، في حين أن الهجوم الإسرائيلي الأحادي الجانب - الذي قد يأتي في ذروة المساعي الغربية للتوصل إلى حل دبلوماسي- من شأنه ألا يُستقبل بصورة إيجابية.
وعلى الرغم من ذلك، فما تجدر الإشارة إليه أن المشروع النووي الإيراني لا يشكل خطراً على الولايات المتحدة مثل الخطر الذي يشكله على إسرائيل، لذا فإن إسرائيل فقط تستطيع الادعاء بأن الهجوم هو للدفاع عن النفس. وقد سبق أن اعترف عدد من الشخصيات الأميركية، بمن فيهم الرئيس أوباما، في سياق تحذيراتهم من هجوم أحادي الجانب، بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها.
3- ما هو الخيار العسكري الذي سيتسبب بأضرار أكبر للمنشآت النووية الإيرانية؟
إن القدرات العسكرية العالية للولايات المتحدة والتي تشمل قاذفة القنابل الشبح من طراز B2، والتزود بالوقود في الجو، والطائرات المتقدمة من دون طيار، والقذائف التي تستطيع الوصول إلى المخابىء تحت الأرض والبالغة زنتها 30 ألف رطل، قادرة على إلحاق أضرار كبيرة بالأهداف الإيرانية. لكن في المقابل، ليس لدى الولايات المتحدة الخبرة العملانية من أجل القيام بمثل هذا الهجوم على المنشآت الإيرانية مثل الخبرة التي لدى إسرائيل، وهي التي سبق أن قامت بهجوم ناجح ضد المفاعل النووي العراقي" أوزيراك" بالقرب من بغداد سنة 1981، وضد المفاعل السوري سنة 2007، (استناداً إلى المصادر الأجنبية).
4- ما هو الخيار الذي يسمح بعدم انتهاك الأجواء الجوية لسيادة دولة تشكل طرفاَ ثالثاً؟
إن أي عملية إسرائيلية ستتطلب استخدام المجال الجوي لدولة أخرى(مثل الأردن أو السعودية أو العراق، أو سورية). في حين أن العملية الأميركية تستطيع التوجه مباشرة إلى إيران سواء من القواعد الأميركية ومن حاملات الطائرات الموجودة في الخليج الفارسي أو في أي مكان آخر، من دون الحاجة إلى استخدام المجال الجوي لدولة ثالثة.
5- من هي الدولة التي تملك حظاً أكبر في القيام بعملية عسكرية محدودة وذات حد أدنى من الأضرار الجانبية، ولا تتسبب بتصعيد كبير؟
في ظل عدم امتلاك إسرائيل للقدرات العسكرية المتطورة من أجل عملية عسكرية متواصلة لقصف المنشآت النووية في إيران، فإن أي هجوم إسرائيلي سيكون حتماً محدوداً وجراحياً، مع أقل قدر ممكن من الأضرار الجانبية، مما يشكل ميزة مهمة، ذلك لأن هذا الهجوم سيبقي الكثير للنظام الإيراني كي يخسره، وبالتالي فإن أي عملية انتقامية [من جانب إيران] ستكون مدروسة بدقة، مما يقلل من خطر التصعيد.
في المقابل، فإن سلاح الجو الأميركي هو الأفضل في العالم. إذ إن التفوق العسكري الكبير لهذا السلاح، والذي يشمل استخدام القنابل القادرة على الوصول إلى المخابىء المحصنة تحت الأرض، يجعله أكثر قدرة على القيام بعملية جراحية دقيقة وفعالة. ومع أنه لا يوجد ما يضمن أن تكون هذه القذائف الثقيلة فعالة ضد جميع الأهداف الإيرانية، فإن القصف الأميركي سيكون أكثر قوة من القصف الإسرائيلي. وإذا كانت واشنطن لا ترغب في الغرق في حرب جديدة ضد دولة إسلامية، يجب أن يستهدف الهجوم على إيران وقف المساعي الإيرانية النووية، لا تغيير النظام هناك أو الاحتلال.
6- هل التصعيد الذي سيعقب الهجوم سيؤدي إلى حرب؟ ومن هي الدولة التي تملك الآليات الأكثر فعالية لإنهاء المواجهة؟
إن التقديرات المتعلقة باليوم التالي للهجوم الأميركي او الإسرائيلي تترواح بين عملية انتقامية إيرانية محدودة قد تنتهي خلال أيام، وبين حرب إقليمية شاملة. ففي حال كانت الولايات المتحدة هي التي هاجمت فإنها ستكون مطالبة بتبرير ذلك على الصعيد الأخلاقي، وكما ذكرنا أعلاه فإن إسرائيل قادرة على الادعاء بأنها تحركت دفاعاً عن نفسها. علاوة على ذلك، فإن قدرة الولايات المتحدة لأن تلعب دور الوسيط في التوصل إلى اتفاق لوقف اطلاق النار ستتضرر كونها هي التي بادرت إلى الهجوم. ومن المحتمل أن تكون الصين وروسيا أقل غضباً من الهجوم الإسرائيلي، وربما أكثر استعداداً للمساهمة في منع التصعيد، فيما لو قامت الولايات المتحدة وليس إسرائيل، بالهجوم.
7- ما هو البديل الذي من شأنه ألا يدفع إيران إلى التشدد بمواقفها، الأمر الذي من شأنه أن يقوي موقع النظام؟
كلما أدرك الشعب الإيراني أن الهجوم يستهدف المشروع النووي للنظام، وليس موجهاً ضد الدولة أو سكانها، كلما تراجع احتمال أن يتوحد الشعب وراء الحكم في طهران. من هنا فالهجوم القصير زمنياً والمحدود والذي يقلل من احتمال إصابة المدنيين، هو أفضل من الهجوم الذي يستغرق وقتاً أطول، ويثير الخوف بين الناس على حياتهم، ويجعلهم بحاجة إلى حماية النظام.
وتجدر الإشارة إلى أن الهجوم المحدود وغير المعلن عنه، والذي ينتهي بخسائر بشرية ضئيلة، يعطي الأفضلية للجيش الإسرائيلي.
8- ما هو تأثير مثل هذا الهجوم الإسرائيلي على الرأي العام في الشرق الأوسط، بالمقارنة مع الهجوم الأميركي؟
من غير المعقول أن يثير الهجوم الإسرائيلي أو الأميركي على إيران الغضب في الدول العربية والتأييد للنظام الإيراني، لا سيما في ظل العداء المتزايد وسط السّنة حيال طهران بسبب دعمها للنظام السوري. ويعتقد عدد كبير من المحللين أن حكام دول الخليج سيهللون لمثل هذا الهجوم في الغرف المغلقة، على الرغم من إدانتهم العلنية له. لكن على الرغم من ذلك، وفي ضوء التوتر التاريخي بين إسرائيل والعالم العربي، فمن المحتمل أن يتعرض الهجوم الإسرائيلي إلى انتقادات أكبر من تلك التي يتعرض لها الهجوم الأميركي. وفي الواقع فإن الهجوم الأميركي على إيران قد يساعد الولايات المتحدة على تحسين صورتها في نظر العالم العربي السني (لكنه قد يثير غضب الجماهير في أفغانستان وباكستان بسبب التدخل العسكري الأميركي في هاتين الدولتين).
9- على الصعيد السياسي، ما هو الخيار الذي سيساعد الرئيس الأميركي أكثر ، والخيار الذي سيساعد رئيس الحكومة الإسرائيلية أكثر؟
إن الدخول في حرب جديدة ضد دولة إسلامية لن يساعد سياسياً الإدارة الأميركية، لذا فإن واشنطن ستفضل أن تتحرك حليفتها بدلاً منها. أما بالنسبة لإسرائيل، فلم يسبق أن طلب أي رئيس للحكومة الإسرائيلية من العالم أو من أي دولة أخرى أن تخوض حرباً بدلاً من إسرائيل، ومن الصعب أن يتغير هذا المبدأ الآن، واستناداً إلى هذا المنطق، فإن الهجوم الإسرائيلي هو الأفضل. في المقابل إذا اعتقدت إسرائيل ان الهجوم الأميركي سيقلل من مخاطر عملية انتقامية إيرانية ضد المدنيين الإسرائيليين، فهي ستفضل حينها أن تتولى واشنطن قيادة العملية.
10- في حال تبين أن ثمة حاجة إلى المزيد من الهجمات العسكرية، من
هي الدولة الأقدر على القيام بذلك؟
إن الولايات المتحدة هي قوة عالمية عظمى تملك قدرات متطورة، وهي قادرة على استخدام القوة من أماكن وقواعد مختلفة في جميع أنحاء العالم، و تستطيع عند الحاجة توجيه ضربة ثانية من مكان غير المكان الذي منه وجهت الضربة الأولى. أما قدرة إسرائيل على القيام بهجمات متتالية فمحدودة للغاية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* الجنرال جايمس كارتريت، هو رئيس كرسي في معهد رونالد براون للدراسات الأمنية في مركز الدراسات الاستراتيجية الدولية USMC في واشنطن، في الولايات المتحدة.
** اللواء في الاحتياط عاموس يادلين، رئيس معهد أبحاث الأمن القومي، وسابقاً رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، كما كان واحداً من الطيارين الستة الذين شاركوا في قصف المفاعل
النووي في بغداد في حزيران/يونيو 1981.