تأسس في سنة 1993 على يد الدكتور توماس هيكت، وهو من زعماء اليهود في كندا، وكان تابعاً لجامعة بار إيلان، وأُطلق عليه هذا الاسم تخليداً لذكرى اتفاق السلام الإسرائيلي -المصري الذي وقّعه مناحيم بيغن وأنور السادات. يعالج مسائل النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني والصراعات في المنطقة والعالم. يميل نحو وجهة نظر اليمين في إسرائيل. كما أصدر المركز مئات الدراسات والكتب باللغتين العبرية والإنكليزية.
ملخص: كان الانتصار العسكري الإسرائيلي في العام 1973 مشوباً بالحزن على الخسائر البشرية وخيبة الأمل من قيادات البلد. والدرس الذي استخلصته القدس هو أنها بحاجة إلى تعاون استراتيجي وثيق مع واشنطن. أما الدرس الذي تعلمه أعداء إسرائيل العرب فهو أنهم لا يستطيعون القضاء على إسرائيل بالقوة.
وبعد أربعين عاماً على حرب 1973، تزدهر إسرائيل، ويزداد التباين في القوة بينها وبين دول الجوار. بل أكثر من ذلك، إذ يمتلك المجتمع الإسرائيلي الآن الحصانة المجتمعية الضرورية لمواجهة تحديات النزاع المستمر.
- كانت حرب 1973 انتصاراً عسكرياً إسرائيلياً؛ فقد برهن الجيش الإسرائيلي عن مقدرة نادرة على التغلب على هجوم مباغت على جبهتين. وتوغلت القوات الإسرائيلية في العمق المصري إلى مسافة 100 كلم من القاهرة. وغدت دمشق على بُعد مرمى مدفعية الجيش الإسرائيلي. ومع ذلك، كان النصر العسكري اللافت مشوباً بالألم الحاد جراء حجم الخسائر البشرية وخيبة الأمل من القيادتين السياسية والعسكرية.
- مع انتهاء الحرب، تخلص المجتمع الإسرائيلي من سذاجته ودخل مرحلة النضوج السياسي. وتطوّر لدى وسائل الإعلام والرأي العام، منحى صحّي يتّسم بتشكك أكبر فيما يصدر عن مؤسسات الدولة والجيش الإسرائيلي.
كما أنه وُلد من رحم مصائب الحرب مناخٌ سياسيٌ جديد أكثر تعددية من ذي قبل دفع بتكتل الليكود إلى موقع السلطة. - ومع مرور الزمن قادت الغريزة المحافظة لدى جمهور الناخبين المتغيّر، إلى جعل تكتل الليكود القوة السياسية الرئيسية في الساحة.
- أدت حرب 1973 إلى ظهور حركتين سياسيتين خارج البرلمان مؤثرتين في الحياة السياسية، هما "حركة السلام الآن" و"غوش إيمونيم". وكان لمنطلقاتهما الأيديولوجية تأثير استقطابي قوي على المجتمع الإسرائيلي. لكن منذ ذلك الحين، جرى إعادة الإجماع إلى نصابه، مع ارتخاء قبضة هاتين الحركتين على رؤى الغالبية الساحقة من الإسرائيليين. واليوم، يؤيد معظم الإسرائيليين تقسيم أرض إسرائيل، لكنهم لا يعتقدون أنهم على قاب قوسين من السلام برغم استعدادهم لتقديم تنازلات في [عملية تبادل] الأراضي.
- لكن من حيث السياسة الدولية، غدت إسرائيل بعد الحرب عرضةً لمحاولات عزلها في المحافل الدولية، وخصوصاً منذ بدأ العرب يستخدمون سلاح النفط بفاعلية. دول عديدة قطعت علاقاتها مع إسرائيل، وتبنّت الجمعية العامة للأمم المتحدة [عام 1975] القرار الشائن الذي اعتبر الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية، لكن ألغي هذا القرار لاحقاً [عام 1991]. ولم تعد إسرائيل معزولة في المحافل الدولية إلا قليلاً؛ وهي تُعتبر دولة ناجحة وتسعى عدة بلدان إلى إقامة علاقات متبادلة معها.
- كما بيّنت حرب 1973 بوضوح تبعية دولة صغيرة كإسرائيل للقوة العظمى الراعية لها. فمهما كانت أحلام الاكتفاء الذاتي على صعيد تطوير وإنتاج أسلحة في إسرائيل ما قبل الحرب، فقد جرى التخلي عنها، وتعلمت القدس أنها تحتاج إلى تنسيق استراتيجي مع واشنطن لضمان قدرتها على التصرف بقوة، فضلاً عن ضمان حرية العمل.
وشكّل هذا الأمر تصحيحاً جوهرياً لغطرسة ما قبل الحرب، التصحيح الذي تمثّل بانتهاج الحذر الشديد في السياسة الخارجية لإسرائيل. - وهناك عامل مهم ساهم في استعادة الجيش الإسرائيلي زمام المبادرة بعد المفاجأة الأولى للحرب، وهو حقيقة أن القتال بدأ على حدود يمكن الدفاع عنها، وليس بمحاذاة المنطقة الحيوية لإسرائيل. فـ "حدود العام 1967" كانت بالكاد ستسمح للجيش الإسرائيلي بإعادة تجميع صفوفه وشنّ هجوم مضاد. وهذا درس مهم للمستقبل، وقد جرى على ما يبدو استيعابه جيداً من قبل قسم ملحوظ من صناع القرار في إسرائيل.
- وأظهرت النقاشات التي بحثت في الأسباب الأولية لمفاجأة حرب 1973 والتضعضع العسكري الناتج عنها، الضرورة الملحة لتوسيع الدوائر التي تشارك في دراسة قضايا الأمن القومي. وأفضى ذلك إلى مؤسّسةٍ استخباراتيةٍ أكثر تعددية على الرغم من أن الجيش الإسرائيلي لا يزال يلعب دوراً رئيسياً في توفير التقديرات والتوقعات الوطنية. وانفتح الجيش الإسرائيلي والأجهزة الحكومية الأخرى تدريجياً لكن ليس بما يكفي على مساهمات من خارجهما. وغدت مجموعات التفكير مثل معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب ومركز بيغن- السادات للدراسات الاستراتيجية في جامعة بار إيلان، تشارك في نقاشات الأمن القومي وتطرح بدائل لسياسات الحكومة. ومع ذلك، قد تحدث مفاجآت استراتيجية، مما يعني أنه لا يزال على إسرائيل أن تبقى مستعدة لمواجهة أسوأ السيناريوات وعدم الاستسلام للتفكير الرغبي الوردي.
- ومن الناحية التاريخية، تعلّم القادة العرب درساً من انتصار إسرائيل في عام 1973، وهو أنهم حتى في أحسن الظروف، لا يستطيعون القضاء على الدولة اليهودية بالقوة.
صحيح أن إسرائيل فشلت في التمسك بموقفها الداعي إلى أن التغييرات في الوضع الإقليمي الراهن تتطلب اتفاقات سلام، وآثرت عقد اتفاقات انتقالية. لكن الحصيلة العسكرية لهذه الحرب أحدثت التغيير في مصر التي هي أكبر وأهم دولة عربية انتهى بها المطاف إلى قرار صنع السلام مع إسرائيل. وكانت هذه الحرب المحاولة الأخيرة من قبل الجيوش العربية النظامية لغزو إسرائيل. وتدريجياً، ولمجموعة متنوعة من الأسباب، انخفض بشكل حاسم احتمال نشوب حرب واسعة النطاق. - أما اليوم، فإن العالم العربي في حالة من الفوضى نتيجة الأزمة الاجتماعية -الاقتصادية والسياسية المهولة. والمأزق العربي الحالي يجعل احتمال نشوب حرب واسعة النطاق أبعد.
- وعلى الرغم من أن الإرهاب الموجّه ضد إسرائيل ينطوي على إمكان تصاعده، إلا أن مخاطره المحتملة في المستقبل القريب أقل من مخاطر المواجهات التقليدية واسعة النطاق، فقد نجحت إسرائيل في احتواء التنظيمات الإرهابية. ولعل الجماعات الإرهابية المدعومة من الدول تشكل خطراً أكبر، لكن هذا الأمر مشكلة إسرائيل مع تلك الدول أكثر مما هو مشكلتها مع الإرهابيين.
- أربعون عاماً مضت على حرب يوم الغفران من عام 1973 التي سُمعت فيها أصداء الخوف من "خراب الهيكل الثالث". وها هي إسرائيل تزدهر ويزداد التباين في القوة بينها وبين دول الجوار. ويُظهر مجتمعُها حصانةً اجتماعية لافتة وجهوزيةً لمواجهة تحديات النزاع المستمر.
وهذا أمر بالغ الأهمية لأن الدعوات القديمة لتدمير الدولة اليهودية تستمر بلا هوادة، وهناك عدو متعنت هو إيران التي تسعى جاهدة لامتلاك قدرات الدمار الشامل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* المصدر: أوراق مركز بيغن- السادات للدراسات الاستراتيجية، رقم 215، 2 تشرين الأول/ أكتوبر 2013.
** بروفيسور إفرايم عنبار هو أستاذ العلوم السياسية في جامعة بار إيلان، ومدير مركز بيغن- السادات للدراسات الاستراتيجية، وزميل في منتدى الشرق الأوسط، وهو من أبرز "الصهيونيين الجدد" اليمينيين.
- ترجمته عن العبرية يولا البطل.