معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
· قد تتساوى الإمبراطوريات السابقة من حيث الأهمية، لكن يبدو أن بعضها متساوٍ أكثر من بعضها الآخر. فمنذ تعيين جون كيري وزيراً للخارجية الأميركية في شباط/فبراير 2012، التقى وزير خارجية تركيا أحمد داوود أوغلو أربع مرات. وهناك وزير خارجية واحد فقط أمضى وقتاً أكبر مع كيري هو وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف.
· لعل هذه العملية الحسابية البسيطة لا تكشف كثيراً عن أولويات السياسة الخارجية، لكن لهذه الحقيقة دلالتها الرمزية بشأن الأهمية التي تعلقها إدارة أوباما على النسخة الجديدة والمحسنة للانطلاقة الجديــدة فـي العلاقات الروسية - الأميركية. وتتجاوز هذه الأهمية علاقة باراك أوباما الجيدة برئيس الحكومة التركية، رجب طيب أردوغان، والذي وصفه أوباما مؤخراً بأنه واحد من أفضل خمسة من أصدقائه العالميين. كما أن لهذا الأمر مفاعيله المؤثرة في نتيجة الحرب الأهلية الدائرة في سورية.
· شكل التدخل الخارجي أحد أكثر العوامل تأثيراً في مجريات الثورات التي عمّت العالم العربي، منذ الانتفاضة الأولى في تونس في أواخر سنة 2010. لكن يوجد في سورية الآن ائتلافٌ فضفاضٌ ومفككٌ من القوى المعارضة، وهو يلقى الدعم المادي، لكن ليس الدعم العسكري المباشر، من جانب ائتلافٍ فضفاضٍ ومفككٍ مؤلف من ثلاثة أطراف (تركيا، والعربية السعودية، وقطر). ولقد شنّ هذا الائتلاف حملةً مثابرةً، لكن غير حاسمة، على امتداد أكثر من عامين، ضد نظام يلقى الدعم العسكري المباشر من إيران وحزب الله – وهما القوتان الخارجيتان الوحيدتان الموجودتان على الأراضي السورية – علاوة على الدعم المؤثر الذي يتلقاه من روسيا على الصعيدين المادي والدبلوماسي.
· لقد قُدم كثير من التبريرات من أجل تفسير التزام روسيا دعم الحكومة السورية، ومنها استغلال القوى العظمى الغربية عدم معارضة روسيا قرار مجلس الأمن الدولي [رقم 1973] الخاص بحماية السكان المدنيين في ليبيا، من أجل تغيير نظام الحكم في ذاك البلد. لكن أكثر الأسباب منطقية هو التصميم الروسي على المحافظة على ما يبدو أنه رصيدها الاستراتيجي في المنطقة، بهدف تحصين (أو إعادة إحياء) مكانتها كقوة عالمية، أضف إلى ذلك القناعة الروسية بأن نجاح حركات المعارضة الشعبية في العالم العربي ستعزز المدّ الإسلامي المتشدد، الذي يهدد الاستقرار الداخلي في روسيا، نظراً إلى العدد الكبير من السكان المسلمين فيها. لكن، وأياً تكن الأسباب، فقد وقفت روسيا بوضوح إلى جانب الأسد.
· لقد وجّه العديد من المحللين الأميركيين ومن الشخصيات السياسية البارزة ومن الجهات الخارجية الداعية إلى إسقط الأسد مناشدات متكررة إلى إدارة أوباما للمساعدة على جعل الميزان يميل إلى مصلحة المعارضة السورية. وبين هذه الجهات، كانت تركيا الأعلى صوتاً، وقد يعزى وقوفها في طليعة الائتلاف العالمي المناهض للأسد إلى انزعاج أردوغان الشخصي من رفض صديقه السابق، بشار الأسد، الإصغاء إلى نصيحته. بيد أن هناك اليوم اعتبارات سياسية واستراتيجية وازنة أكثر. ففي حال كانت الغلبة في النهاية للأسد، سيعمل هذا الأخير على إثارة النعرات الإثنية والمذهبية في تركيا بهدف زعزعة استقرارها الاقتصادي- الذي من دونه ستضيع آمال أردوغان في دفع الاصلاح الدستوري الهادف إلى إرساء نظام رئاسي على الطريقة الفرنسية – كما قد تشكل تهديداً لتماسك الدولة التركية.
· لكن، وعلى الرغم من استعداد تركيا لاتخاذ مواقف حازمة في تعاملها مع أطراف إقليمية، مثل إسرائيل، أو قبرص، أو اليونان، فإنها لا ترغب في الدخول وحدها في مواجهة مع روسيا بسبب القضية السورية، لأنها مقتنعة بأن التدخل الأميركي المباشر وحده يستطيع أن يرجّح كفة القوى الموجودة على الأرض في سورية. ومن هنا، فليس مستغرباً أبداً أن المسألة السورية كانت النقطة الرئيسية على جدول أعمال القمة التركية - الأميركية خلال الزيارة التي قام بها أردوغان إلى واشنطن في منتصف أيار/مايو.
· لكن، في الواقع، عاد أردوغان إلى بلده بخفي حنين. ورداً على المناشدات المتعددة المطالبة بموقف أكثر دعماً (ورداً على الاستنكار الذي أثارته وحشية الهجمة المضادة التي يقوم بها نظام الأسد)، أرسل أوباما دعماً مالياً وإنسانياً وبعض المعدات غير الفتاكة إلى القوى المناهضة للنظام. لكنه قاوم بثبات الدعوات المطالبه بارسال الأسلحة مباشرةً، أو باتخاذ إجراءات أكثر فاعلية، مثل إقامة منطقة عازلة، أو منطقة حظر للطيران داخل سورية. ومما لا شك فيه أن ميزان المصالح النسبي في العلاقات القائمة بين الولايات المتحدة وبين كل من روسيا وتركيا ليس هو التفسير الوحيد للاستراتيجية الأميركية المتواضعة حيال سورية. بل على الأرجح أن النفور من التورط الخطر في حرب شرق أوسطية أخرى في حقبة ما بعد حربي العراق وأفغانستان، هو الذي يشكل الاعتبار الطاغي. ويضاف إلى ذلك الحيرة الأميركية الحقيقية إزاء تفضيل انتصار هذا الفريق أو ذاك، والشكوك المتنامية في شأن طبيعة المعارضة السورية. وبتعبير آخر، إن المصلحة الاستراتيجية لأميركا في الصراع الدائر في سورية ملتبسة على نحو يحول دون توفر مبرر لتدخل عسكري مؤثر. ومع ذلك، تشكل الرغبة الأميركية في تحسين العلاقات الشائكة بروسيا، ربما بهدف كسب التعاون الروسي تجاه مسائل أخرى، عاملاً إضافياً. وإذا بقيت الأمور على ما هي عليه، فليس لدى الولايات المتحدة الأميركية سبب واضح لتفضيل الخيارات التركية على الخيارات الروسية. وفي الحقيقة، يدل قبول جون كيري باقتراح سيرغي لافروف الدعوة إلى عقد مؤتمر سلام بشأن سورية ("جنيف 2") في حزيران/يونيو، بوضوح على أن الأولوية في الأجندة الأميركية تُعطى للخيارات الروسية على حساب الخيارات التركية. كما يدل هذا على أولويات أوباما الجلية: ألا وهي تجنب التدخل العسكري في سورية.
· وفي غياب هذا التدخل، يبدو أن الأثر الإجمالي للتورط الخارجي في الداخل السوري سيستمر في العمل لمصلحة النظام. وهذا لا يعني بالضرورة أن الأسد سيحرز انتصاراً واضحاً لا لبس فيه، مع أن حظوظه شهدت تحسناً في الأسابيع الأخيرة. لكن، ما لم تحدث تغييرات جذرية، فإن الأمور توحي بأن الأسد لن يلقى مصير زين العابدين بن علي في تونس، أو حسني مبارك في مصر، ناهيك عن مصير معمر القذافي في ليبيا. وقد يتمكن الأسد، في وقت ما، من الانقضاض بدوره على أصحاب القلاقل الخارجيين الذين دعموا معارضيه في الداخل، ولا سيما تركيا. وغني عن القول إن هذا الاحتمال المستقبلي لا يبشر بتحقيق رؤية "صفر مشكلات" مع دول الجوار التي رفع رايتها أحمد داوود أوغلو.