سورية- صراع من دون حسم
المصدر
مركز موشيه دايان للأبحاث شرق الأوسطية والأفريقية

تأسس في سنة 1959 بالتعاون مع جامعة تل أبيب. وهو مركز متعدد المجالات، ينشر دراسات تتعلق بالنزاع الإسرائيلي- الفلسطيني، كما يُعنى بالموضوعات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في الدول العربية والدول الأفريقية. ولدى المركز أهم مكتبة للمصادر العربية من كتب ومجلات وصحف. وتصدر عن المركز سلسلة كتب مهمة في مختلف المجالات، ولديه برامج تدريب ومنح أكاديمية.

– "تسومت مزراح هتيخون"، المجلد 3، العدد 6
المؤلف

·       منذ عامين ونصف عام تشتعل النار في سورية، وذلك بعد تحول الاحتجاج المحدود والمحلي الذي بدأ في الريف ومناطق الأطراف - الذي كان في الأساس احتجاجاً طبقياً على الضائقتين الاجتماعية والاقتصادية - إلى ثورة شعبية واسعة النطاق، ومن بعدها إلى حرب أهلية دموية. ومع مرور الوقت اكتسب النزاع في سورية طابعاً طائفياً ودينياً، وتحول إلى صراع جهادي تخوضه المجموعات الإسلامية في سورية، والمتطوعون الذين يتدفقون إليها من جميع أنحاء العالم العربي والإسلامي بهدف محاربة الحكم العلوي" الكافر"، حليف إيران وحزب الله الشيعيين.

·       لقد ألحق الثوار أضراراً بليغة بأسس النظام، ونجحوا في شل الحياة العادية في جميع أنحاء الدولة، كما سيطروا على مناطق واسعة. ففي أيار/ مايو 2013، بلغ عدد القتلى في سورية قرابة  100,000 قتيل، ويضاف إلى هؤلاء أربعة ملايين ونصف مليون من النازحين، بينهم مليون ونصف مليون غادروا سورية إلى تركيا والأردن ولبنان. وتقدر الأضرار التي لحقت بالبنية الاقتصادية في الدولة بمئة مليار دولار، أي عشرة أضعاف الناتج المحلي السنوي في سورية. في ضوء هذه الأرقام فإن كل الإنجازات التي حققتها عائلة الأسد في الأربعين عاماً الماضية قد ذهبت هباء. لكن على الرغم من ذلك، فإن النظام في دمشق ما زال صامداً، ولم ينجح الثوار حتى الآن في إسقاطه.

·       حتى الآن، نجح بشار الأسد في تجاهل الخسائر الكبيرة التي لحقت به، إلى حد أن عدداً كبيراً من المراقبين لا يستبعدون إمكان خروجه منتصراً من هذا الصراع الدموي. وفي الواقع فما زال النظام السوري صامداً ويواصل قتاله، ونجح في المحافظة على تماسكه وعلى وحدة صفوف الأطراف التي يعتمد عليها. وما زال الجيش والقوات الأمنية وأجهزة الدولة وحزب البعث، يقفون إلى جانبه على الرغم من الخسائر الكبيرة التي لحقت بهم والانشقاقات التي حدثت داخلهم. وثمة ما هو أكثر من ذلك، فالنظام ما زال يتمتع بتأييد أجزاء كبيرة من المجتمع السوري، وخصوصاً وسط ائتلاف الأقليات الذي يشكل قاعدة لحكمه، أي أبناء الطائفة العلوية والدروز والمسيحيين وجزء من الطائفة السنية من أبناء الطبقة الوسطى وأبناء النخبة في المدن الكبيرة. وحتى السّنة في الأرياف ومدن الأطراف الذين اندمجوا مع النظام وتولوا مناصب رفيعة المستوى، ما زالوا في أغلبيتهم الساحقة موالين له. ويمكن أن نضيف إلى ذلك، التأييد الذي يحظى به نظام الأسد من جانب قوى ذات وزن على الساحتين الإقليمية والدولية وفي طليعتها إيران وروسيا.

·       يعود نجاح نظام الأسد قبل كل شيء إلى إخفاقات الثوار على عدد من الصعد: أولاً فشلهم في تشكيل قيادة سياسية وعسكرية موحدة لكل الأطراف ومجموعات المعارضة المسلحة التي تقاتل النظام؛ ثانياً الفشل في توسيع قاعدة المؤيدين لهم لدى الجمهور السوري عامة، ويبرز هذا بصورة خاصة عبر فشل الثوار في تجنيد الدعم وسط الطوائف المختلفة وحتى وسط الأغلبية السنية من سكان المدن الكبرى الذين وقفوا موقف المتفرج عندما وصلت الثورة إلى حلب ودمشق؛ ثالثاً انتقال الثورة السلمية إلى الصراع المسلح العنيف، فقد أدت العمليات الإرهابية التي كانت موجهة أيضاً ضد المدنيين، والتي استغلها النظام، إلى ردع كثيرين من الأغلبية الصامتة في الدولة عن المشاركة في الاحتجاج، ناهيك بأن الطابع الإسلامي الراديكالي لجزء كبير من قوى الثوار أبعد عنها العديد من السوريين. وفي الواقع، فإن عدداً من مجموعات الثوار لا علاقة له بالدولة السورية وله أجندة إسلامية أوسع.

·       وعندما ننظر إلى خريطة سورية اليوم تبدو لنا الصورة التالية: أولاً، خسارة النظام لسيطرته على المناطق الحدودية مع تركيا والعراق، وبصورة جزئية على الحدود مع الأردن ولبنان، وسقوطها في قبضة الثوار. وفي المقابل، تبرز سيطرة الحركات الكردية المطالبة بالاستقلال الذاتي على مناطق الحدود الشمالية للدولة؛ ثانياً، إن منطقة الجزيرة الواقعة شرق سورية والتي تحتوي على مخزون المياه وحقول القمح والنفط والغاز، بدأت تخرج عن سيطرة النظام، واستطاع الثوار بناء سلطتهم على أجزاء منها، ولا سيما في الرقة، أول مدينة تقع تحت سيطرة الثوار؛ ثالثاً، بات جزء من مدينة حلب، العاصمة الاقتصادية لسورية وثاني أكبر مدينة فيها، تحت سيطرة الثوار إلى جانب جزء من ريفها والمناطق الريفية في إدلب القريبة منها. وحتى الطريق الأساسية التي تربط شمال سورية بجنويها أصبحت أيضاً تحت السيطرة الجزئية للثوار، كما أن الصراع بشأن دمشق ما زال في ذروته، ولم ينجح النظام في اقتلاع الثوار من المناطق الواقعة في ريف العاصمة، ومن الجولان وحوران اللذين يقع الجزء الأكبر منهما في قبضة الثوار. في المقابل، فإن من حظ النظام أن جبل الدروز في الجنوب، والمنطقة العلوية في الشمال ومعها منطقة الساحل، بقيت خارج مناطق النزاع. وينطبق هذا أيضاً على وسط العاصمة دمشق وعلى وسط مدينة حلب، الأمر الذي يدل على رغبة الطبقة البورجوازية السورية في الاستقرار الذي كان سائداً في ظل حكم عائلة الأسد.

·       بناء على هذا كله، فإن الصراع في سورية قد يستمر وقتاً طويلاً ما دام النظام السوري يدافع عن بقائه، وما دام يملك مصادر قوة وتأييد لا يستهان بهما، وما دام الجيش النظامي متماسكاً، وما دامت أجهزة الدولة قادرة على العمل، وما دام النظام يحظى بتأييد أبناء الأقليات ومعهم جزء من أبناء الطائفة السنية.

 

·       على الرغم من هذا كله، فإن السؤال الأساسي الذي يُطرح هو: هل سيستمر التوجه الذي شهدناه خلال العامين ونصف عام الماضية من دون تغيير أو تحول؟ وهل سيواصل الثوار تقدمهم خطوة خطوة نحو إسقاط النظام؟ أم أن ما سيحدث في المستقبل هو العكس، أي أن النظام سيستطيع الانتصار في المعركة بسبب الضعف في بنية الثوار، وفشلهم في توحيد صفوفهم، وتفشي التعب واليأس في صفوفهم في تحقيق هدفهم؟