غياب الردع الأميركي لسياسة فلاديمير بوتين النيو - إمبريالية لا يبشر بالخير للمنطقة والنظام الدولي
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

·       إن الخطوات الأخيرة لواشنطن حيال ما يجري في سورية من شأنها أن تثير القلق لدى كل من يؤمن بالدور الأساسي للولايات المتحدة كدولة عظمى في رسم صورة النظام الدولي. ففي مقابل إصرار روسيا الواضح وعدوانيتها، يبدو الرئيس أوباما ووزراؤه عاجزين عن اتخاذ القرار ولا يملكون سياسة واضحة. وليس من المطلوب أن تكون عدواً لروسيا للاعتراف بأن غياب الردع الأميركي الفعال للسياسة النيو - إمبريالية التي ينتهجها فلاديمير بوتين لا يبشر بالخير للمنطقة ولا للنظام الدولي.

·       مما لا شك فيه أن ليس هناك حلول سهلة للحرب الأهلية الدموية الدائرة في سورية، وأنها تشكل تحدياً معقداً لواضعي السياسات سواء في الغرب أو في إسرائيل. ومن الواضح أن على الولايات المتحدة ألاّ تنجر إلى تدخل عسكري هنا بعد غزوها أفغانستان والعراق، ومن المهم أن تكون إدارة أوباما قد تعلمت هذا الدرس. لكن التردد والتذبذب في المواقف لا يشكلان بديلاً من السياسة الواضحة.

·       لقد شكل استخدام نظام الأسد سلاحاً كيميائياً القضية الأخيرة من سلسلة القضايا التي أظهرت مواقف واشنطن المتناقضة وغير المنطقية. فمن جهة، أعلن الرئيس أوباما ووزراؤه مراراً أن استخدام السلاح الكيميائي هو تجاوز للخط الأحمر. لكن من جهة أخرى وعندما بدأت تتوالى المعلومات بأن الجيش السوري يستخدم هذا السلاح، حاولت واشنطن في البداية حجب هذه المعلومات وتجاهلها. لكن عندما اتضح وجود أدلة ملموسة على ذلك، اعترف أوباما بالأمر، إلا إن الناطق باسمه سارع إلى إبداء تحفظه على الأمر متذرعاً بأنه حتى لو كان هناك تأكيد من استخدام السلاح الكيميائي، فليس من المعروف متى، ومن جانب أي طرف.

·       في الواقع، فقد ارتكب أوباما هنا خطأين: الأول، أنه قيد نفسه بمصطلح "الخط الأحمر"، فأي شخص مبتدىء في السياسة يعرف أن عليه ألا يضع مثل هذه الخطوط، والثاني هو الرد الضعيف والمتردد. وقد عكس ذلك عدم ثقة أوباما بنفسه، وأظهر ضعفه، الأمر الذي شجع لا الأسد فقط، بل موسكو أيضاً التي أعلنت مباشرة أنها معنية بالدفاع عن هذا النظام، ومستعدة لردع أي تدخل أجنبي مؤيد للثوار.

·       في مقابل ذلك، يتردد أوباما في الإعراب عن صدمته حيال وحشية نظام الأسد، وكذلك عن رغبته في تقديم السلاح للثوار، إذ يتضح أن قسماً منهم هم من حلفاء القاعدة، وليس من المدافعين عن الديمقراطية والحرية.

·       لقد استطاع أوباما الفوز مرتين في الانتخابات بفضل شخصيته، كما أن انتخابه شكل دليلاً قاطعاً على تغلب المجتمع الأميركي على القيم العنصرية التي كانت متغلغلة عميقاً فيه، لا في الماضي فحسب، بل ظهرت أيضاً في الخطاب السياسي الحالي. لكن ولايته الحالية تدل على أن الشكوك التي رافقت انتخابه كانت صحيحة.

·       مما لا شك فيه أن أوباما خطيب لامع، ويملك قدرة كبيرة على التأثير  في الجمهور. لكن الزعامة السياسية لا تُختبر من خلال القدرة الخطابية فقط، بل أيضاً من خلال القدرة على العمل. وهنا يتضح أن افتقار أوباما إلى التجربة العملية قد انعكس عليه سلباً، ولا سيما أنه وصل إلى البيت الأبيض من دون أي سجل لأعماله.

·       لقد نجح أوباما خلال ولايته الأولى في تغطية عدم خبرته بالعلاقات الخارجية من خلال تعيين أشخاص لهم خبرة كبيرة. فقد عيّن في وزارة الدفاع روبرت غيتس، الجمهوري الذي كان وزيراً للدفاع في إدارة بوش، كما عمل سابقاً رئيساً للسي.آي. إي.، ومن بعده عين ليون بانيتا، السياسي المحنك، الذي كان رئيساً لطاقم البيت الأبيض خلال إدارة كلينتون، كما كان رئيساً للسي. آي. إي.، وشكل تعيين هيلاي كلينتون في وزارة الخارجية خطوة موفقة ليس فقط على الصعيد الداخلي، إذ إن وجودها لمدة ثمانية أعوام في البيت الأبيض منحها خبرة غنية. وعلى الرغم من عدم وجود إنجازات كبيرة على صعيد السياسة الخارجية خلال الولاية الرئاسية الأولى لأوباما، فإنه أيضاً لم يسجل خلال هذه الفترة إخفاقات كبيرة.

·       وعلى ما يبدو أن فوز أوباما في انتخابات 2012 جعله يعتقد أنه ليس بحاجة إلى تأييد من حوله. فقام بتعيين جون كيري في وزارة الخارجية، وتشاك هيغل في الدفاع، اللذين يعتبران من الشخصيات القريبة من وجهة نظره أكثر من الوزراء الذين عينهم خلال فترة ولايته الأولى.

·       والمشكلة أنه على الرغم من الميزات التي يتمتع بها الرجلان، فإن خبرتهما السياسية لا تتعدى عملهما في لجنة الخارجية في مجلس الشيوخ، وليس لديهما أي خلفية عملية، أو خبرة في مجال اتخاذ القرارات.

·       وما يمكن قوله إن الضعف الذي تظهره إدارة أوباما في مواجهة المشكلة السورية لا يساهم في الشعور بالثقة بمحاولات هذه الإدارة تحريك عجلة المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين.

 

·       لكن على الرغم من ذلك فإننا نأمل في نهاية الأمر أن تبرز في واشنطن صورة رئيس ناضج ومسؤول يعرف كيف يمزج بين الحذر والحكمة والقدرة على اتخاذ القرارات الذكية والواضحة.