الاهتمام التركي بالغاز الإسرائيلي من شأنه تسريع عملية المصالحة بين الدولتين
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

 

  • زيارة قصيرة هذا الأسبوع إلى إسطنبول كشفت حالة الارتباك السائدة لدى الأتراك حيال التطورات العنيفة التي يشهدها الشرق الأوسط، على الأقل في الوسط الدبلوماسي وبين العاملين في مراكز الأبحاث ووسط رجال الأعمال والصحافيين المهتمين بتحليل المعطيات والتوجهات الاستراتيجية.
  • قبل 15 عاماً قدم الحزب الإسلامي الحاكم، حزب العدالة والتنمية، سياسته الإقليمية التي قامت على "تصفير المشكلات" وهيمنة تركية ترتكز على الزعامة والقدرة الاقتصادية، مما يعيد أنقرة إلى موقعها القيادي بعد عقود من عدم التدخل في ما يجري في العالم العربي. لكن هذا الرهان لم يتحقق. فخلال زمن قصير نسبياً نجحت حكومة رجب طيب أردوغان في الاختلاف مع جزء كبير من جيرانها.
  • وكان العامان الأخيران الأكثر قتامة، فالحماسة التي أثارها الربيع العربي زالت، وأصبح الأتراك مقتنعين بأن الشرق الأوسط لا ينتظرهم وحدهم، وزالت الرومنسية في النظرة إلى الدور التركي في المنطقة، وتبخر هاجس الزعامة التركية، وقد قال وزير الخارجية المصري الجديد نبيل فهمي بوضوح:" لا يمكن لدولة غير عربية أن تتزعمنا". في خضم هذا كله، بقي الخلاف بين تركيا وإسرائيل.
  • في أساس التوترات بين البلدين وصول الإسلاميين إلى الحكم في أنقرة وغضبهم من السياسة الإسرائيلية حيال الفلسطينيين، وشخصية أردوغان الذي كان واضحاً منذ اللحظة الأولى أنه لا توجد كيمياء بينه وبين رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو.
  • لكن كانت هناك ثلاث محطات مهمة في مسار تدهور العلاقات: عملية "الرصاص المسبوك" ضد حركة "حماس" (الحركة الشقيقة لحزب العدالة والتنمية) في غزة وصودف أنها أتت بعد زيارة رئيس الحكومة الاسرائيلية آنذاك إيهود أولمرت إلى أنقرة حيث حاول أردوغان تحريك المفاوضات بين إسرائيل وسورية؛ وإهانة السفير التركي في إسرائيل من خلال إجلاسه على مقعد منخفض؛ وقضية سفينة مرمرة، والسيطرة الإسرائيلية على أسطول المساعدات المتوجه إلى غزة في أيار/مايو 2010.
  • يضع الأتراك شرطين أساسيين لإنهاء الأزمة رسمياً مع إسرائيل: الاتفاق على التعويضات التي ستدفعها إسرائيل لعائلات تسعة ناشطين قتلوا خلال العملية التي نفذها كومندوس إسرائيلي بحري للسيطرة على سفينة مرمرة، ورفع الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة.  لا تزال قضية التعويضات معرقلة بسبب تخوف إسرائيل من أن يشكل ذلك سابقة.
  • أما قضية الحصار فأصبحت أقل أهمية وأردوغان نفسه يتجاهلها. فمنذ الانقلاب الأخير في القاهرة قبل ثلاثة أشهر، تفرض مصر، أكثر من إسرائيل، حصاراً محكماً على غزة عبر معبر رفح، وتنكّد على حماس عيشها. وفي الواقع خففت إسرائيل بصورة كبيرة من حصارها على غزة بعد قضية أسطول مرمرة استجابة للضغط الدولي. وعمدت حالياً إلى زيادة حركة الشاحنات إلى القطاع ومساعدة "حماس" بصورة غير مباشرة بطلب من السلطة الفلسطينية وللحؤول دون زيادة حدة الأزمة الاقتصادية في غزة.
  • إن المشكلة الحقيقية لعدم حصول مصالحة بين البلدين تعود إلى عدم الثقة بين زعمائهما. فعلى ما يبدو، ليس من مصلحة أردوغان إنجاز مصالحة مع إسرائيل قبل الانتخابات الرئاسية التي سيترشح فيها خلال الصيف المقبل، ولا سيما بعد الانتقادات اللاذعة التي وجهها إلى إسرائيل، فهو يتخوف من أن يبدو متقلباً في مواقفه إذا توصل الآن إلى تسوية.
  • وفي الواقع، أضرت أزمة العلاقات بين إسرائيل وتركيا بالصلات الاقتصادية بين البلدين ولا سيما على صعيد السياحة، فقد تراجع عدد السياح الإسرائيليين إلى تركيا خلال الأعوام الأخيرة بنحو نصف مليون سائح وانخفض إلى نحو مئة ألف. لكن من جهة أخرى، استقبل الأتراك في تلك السنوات نحو 6,5 ملايين سائح من دول أخرى بحيث لم يشكل ذلك مشكلة بالنسبة إليهم. بيد أن التجارة الأمنية بين إسرائيل وتركيا جمدت تقريباً. وما تجدر الإشارة إليه هو أنه في الميزان التجاري العام، فإن تركيا مهمة لإسرائيل في التصدير وفي الاستيراد أكثر من أهمية إسرائيل بالنسبة للسوق التركي الكبير الذي يواصل نموه.
  • على الرغم من ذلك كله، يبدو هناك ضوء في آخر النفق يتصل بقطاع الغاز الإسرائيلي، فثمة اهتمام كبير لدى الأتراك بعقد صفقة غاز كبيرة مع إسرائيل من خلال حقول الغاز الإسرائيلية المكتشفة في البحر المتوسط، لأن حاجة الاقتصاد التركي إلى الغاز تزداد بصورة كبيرة، وتتخوف أنقرة من زيادة تبعيتها للدولتين الأساسيتين اللتين تزودانها بالغاز، وهما روسيا وإيران اللتين تفرضان عليها أسعاراً مرتفعة.
  • لقد أعلنت إسرائيل أن سنة 2014 هي السنة التي ستحدد فيها إلى من ستصدر الغاز الذي ستستخرجه. وثمة احتمالات أخرى مثل صفقة مع قبرص. في هذه الأثناء، أجرى الطرفان التركي والإسرائيلي اتصالات مكثفة، لكن الكثير منوط بأردوغان الذي لم يتخذ حتى الآن موقفاً وسمح فقط باستمرار المحادثات.
  • في هذه المرحلة، وبعد كل الاضطرابات الإقليمية والأزمات بين إسرائيل وتركيا، لا أحد يخدع نفسه بأن العلاقة الاستراتيجية الوثيقة التي كانت قائمة بين البلدين في التسعينيات ستعود. لكن التسوية الجزئية التي تحققت في آذار/مارس من هذه السنة بوساطة من أوباما إلى جانب فرصة صفقة الغاز، تلقي شيئاً من التفاؤل على شبكة العلاقات المتوترة بين أنقرة والقدس.