المصالح الإسرائيلية في سورية
المصدر
مركز بيغن-السادات للدراسات الاستراتيجية

تأسس في سنة 1993 على يد الدكتور توماس هيكت، وهو من زعماء اليهود في كندا، وكان تابعاً لجامعة بار إيلان، وأُطلق عليه هذا الاسم تخليداً لذكرى اتفاق السلام الإسرائيلي -المصري الذي وقّعه مناحيم بيغن وأنور السادات. يعالج مسائل النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني والصراعات في المنطقة والعالم. يميل نحو وجهة نظر اليمين في إسرائيل. كما أصدر المركز مئات الدراسات والكتب باللغتين العبرية والإنكليزية.

– "Perspectives Paper" رقم 205

ملخص تنفيذي: يرتكب الإسرائيليون خطأً عندما يعبّرون عن دعمهم لانتصار بشار الأسد في سورية. فعلى إسرائيل أن تبقى خارج النزاع السوري، وأن تأمل في الوقت نفسه بسقوط الأسد. فمصالحها تتحقق بشكل أفضل عندما تكون سورية المجاورة دولة فاشلة وليس كياناً قوياً مدعوماً من إيران.

·       أعلنت عدة شخصيات إسرائيلية أنها تفضل أن ينتصر بشار الأسد في الحرب الأهلية الدائرة في سورية. إلا إنها تخطئ في موقفها هذا لأسباب أخلاقية واستراتيجية.

·       أولاً؛ الوقوف بجانب ديكتاتور يذبح شعبه، ولا يتورع حتى عن استعمال الأسلحة الكيميائية للبقاء في السلطة، أمر مثير للاشمئزاز على المستوى الأخلاقي. وعلى المستوى المعياري، ليس مقبولاً أن تفضل دولة ديمقراطية مثل إسرائيل بقاء نظام الأسد الديكتاتوري الهمجي، حتى لو لم تكن البدائل منه مغرية جداً (تتضمن المعارضة السورية مجموعات سنّية متشددة - مثل تنظيم القاعدة - لا تكترث أيضاً لحقوق الإنسان). في العالم الواقعي، ثمة حاجة ضمنية أحياناً إلى القبول بنظام ديكتاتوري لأسباب عديدة، بيد أن دعمه علناً محرج أخلاقياً.

·       ثانياً؛ التصريحات الإسرائيلية التي تعبّر عن تأييد طرف معين في النزاعات الداخلية في الكيانات العربية هي دائماً نعمة ونقمة على السواء. فلا أحد في العالم العربي يريد أن "يُصبَغ" برابط ما بالدولة اليهودية أو الصهيونية. فربما تكون الروابط بإسرائيل مفيدة جداً، إلا إن القرب الواضح منها يولد تأثيراً غير مرغوب فيه  ويجعل الجهة المعنية تفقد شرعيتها. ولذلك، حتى لو كانت إسرائيل تفضل فريقاً على آخر، ينبغي لقادتها التزام الصمت.

·       ثالثاً؛ إن الاعتقاد أن  في إمكان إسرائيل هندسة نتيجة سياسية ما لدى جيرانها العصاة ينم عن جهل فكري وتاريخي مطلق. لقد حكمت بريطانيا العظمى وفرنسا الشرق الأوسط طوال عقود، ولم تنجحا كثيراً في تغيير الأساليب التي يدير بها "السكان الأصليون" شؤونهم. وفي سنة 1982، انجرفت إسرائيل وراء إغراء إقامة نظام سياسي جديد في لبنان، وقد منيت بفشل ذريع. ومن الإخفاقات الكبرى أيضاً الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة في القرن الحادي والعشرين لجعل العراق وأفغانستان على صورتها. وفي الواقع، فإنه لا يمكن أن يتحقق التغيير في هذه المنطقة من العالم سوى من الداخل على أيدي القادة المحليين، لكن لسوء الحظ، لم ينتج الشرق الأوسط سوى طغاة من النوع الأسوأ، مثل صدام حسين وآل الأسد، وهم ليسوا من طينة القادة الذين يشكلون للمنطقة حاجة ماسة إلى الخروج من الظلامية والفقر والقمع. والاستثناء اللافت هو كمال أتاتورك الذي تعمل حكومة "حزب العدالة والتنمية" في تركيا الآن على القضاء على إنجازاته.

·       رابعاً؛ والأهم، إن الموقف الداعم للرئيس الأسد يعكس فهماً غير صحيح للوقائع الاستراتيجية الإقليمية. فسورية في ظل عائلة الأسد هي الحليف الأكثر رسوخاً للجمهورية الإسلامية الإيرانية في الشرق الأوسط. وتشكّل إيران التحدي الاستراتيجي الأكبر للأمن القومي الإسرائيلي، ولا سيما بسبب سعيها لامتلاك أسلحة نووية. لذا يمكن القول إن بقاء نظام الأسد هو مصلحة إيرانية قصوى، يهدف إلى ترسيخ دعائم الهلال الشيعي من الخليج إلى المتوسط، ولهذا السبب بالذات، تستخدم إيران نفوذها في العراق ولبنان لإرسال المقاتلين الشيعة لدعم النظام العلوي في سورية.

·       إيران هي عدو إسرائيل اللدود، ولذلك يجب أن يكون إضعافها في رأس قائمة الأولويات الإسرائيلية في السياسة الخارجية. وما من شك في أن سقوط الأسد  سيسدد ضربة قوية إلى الطموحات الإيرانية للسيطرة على الشرق الأوسط، وبالتالي سيؤدي إلى انحسار نفوذها في المنطقة، الأمر الذي سيصب في مصلحة إسرائيل.

·       إن وصف عائلة الأسد بالاعتدال لأنها حافظت على الهدوء على حدود مرتفعات الجولان مضلِّل إلى حد ما. فطوال تلك الفترة، لم تتردد سورية في استنزاف إسرائيل من خلال عملائها في لبنان، أي "حزب الله" والمجموعات الفلسطينية المتشددة. علاوة على ذلك، حاول الأسد "المعتدل" تطوير خيار نووي بمساعدة كوريا الشمالية وإيران. وإذا بقي في السلطة، فقد يحاول ذلك من جديد. هذا فضلاً عن أن دعم إسرائيل العلني للأسد يضعها في مواجهة مع الجزء الأكبر من العالم العربي السنّي، وهذا ليس وضعاً حكيماً في المرحلة الراهنة. فالدول السنّية، وبغض النظر عن مواقفها من إسرائيل، تُعتبَر متضامنة ضمنياًَ مع السعي الإسرائيلي لمنع إيران من امتلاك السلاح النووي، من هنا فإن الوقوف إلى جانب الأسد من شأنه أن يقوّض التعاون في هذا المجال. ومن غير المستبعد إذا أحسنت إسرائيل اللعب بذكاء في الشرق الأوسط أن تمنحها السعودية ممراً لمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية.

·       أخيراً، إن تفضيل وجود دول قوية، لا دول فاشلة، على الحدود الإسرائيلية - وهذا أمر مفهوم لأن الدول القوية أسهل في الردع - ليس بالضرورة قاعدة جيدة تنطبق على جميع الحالات. فعدم الاستقرار في سورية، الذي قد ينجم على الأرجح عن انتصار المعارضة، يبدو أكثر خطورة من نظام الأسد الذي بات يتقن قواعد اللعبة. إلا إن سورية المستقرة قد تتحول إلى دولة مارقة مثل كوريا الشمالية. إذ تُعلِّمنا دروس التاريخ أن الدول لا تتصرف دائماً بعقلانية وبطريقة مسؤولة. كما أن الحقيقة الأساسية هي أن الدول تملك إمكانات أكبر من التنظيمات غير المنخرطة في الدولة لإلحاق الأذى بجيرانها. إذاً، الدول القوية هي بطبيعتها أشد خطورة من الدول الفاشلة، إذ وحدها الدول القوية تستطيع دعم برنامج للصواريخ البعيدة المدى أو تطوير أسلحة نووية. فعلى سبيل المثال، من شأن نظام سلفي قوي في مصر أن يكون أشد خطورة من دولة تواجه مشكلات في بسط السيادة على كامل الأراضي المصرية. وينبغي لإسرائيل ألا تتخوف في المطلق من الفوضى في الدول المجاورة، إذ يمكن أن تؤدي الفوضى إلى إضعاف تلك الدول. وتُعد النتيجة الأهم للانتفاضات العربية في الأعوام الأخيرة هي إضعاف الدول العربية، وهو ما أدى إلى توسيع هوة القوة بين إسرائيل وجيرانها.

 

·       يجب التعامل مع الشرق الأوسط بتواضع، ولا سيما من جانب الدول الصغيرة، مثل إسرائيل. فالقدس لا تستطيع أن تختار جيرانها وأنظمتهم؛ إلا إنه في إمكانها أن تحد من قدرتهم على إلحاق الأذى بإسرائيل. من هذا المنطلق، المصالح الإسرائيلية واضحة جداً: البقاء بمنأى عن الصراعات الداخلية في سورية، وتدمير أي قدرات عسكرية معادية هناك في إمكانها إلحاق الأذى بالإسرائيليين.