نعم للمفاوضات ونعم للاتفاق الذي يبعد إيران عن القنبلة النووية
تاريخ المقال
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي
–
مباط عال
معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
- في الأسبوع الماضي وصلت الهجمة الإعلامية الإيرانية إلى ذروتها واشتملت على جميع العناصر الضرورية للاستراتيجية الصحيحة للدبلوماسية الإعلامية في القرن الواحد والعشرين، من نشر مقالات معتدلة في الصحف الأساسية لمسؤولين إيرانيين سابقين وحاليين، مروراً بمقابلات تلفزيونية مع إعلاميين كبار في القنوات المهمة، وخطب معتدلة أمام الجمعية العامة في الأمم المتحدة، ولقاء مباشر بين وزيري الخارجية الأميركي والإيراني هو الأول من نوعه منذ زمن طويل، وصولاً إلى الحديث الهاتفي التاريخي بين الرئيس الإيراني وهو في طريقه إلى مطار كنيدي مع رئيس الولايات المتحدة.
- ما يمكن قوله إن مهمة رئيس الحكومة الإسرائيلية الذي يصل هذا الأسبوع إلى الولايات المتحدة للتحادث مع الرئيس أوباما ولإلقاء كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة لن تكون سهلة: فمن جهة عليه أن يحذر الظهور بموقف المعرقل الذي يمنع التوصل إلى اتفاق وكمن لا يدرك التغيرات التي تحدث على الساحة الدولية ويصر على التمسك بخيار القوة، ومن جهة أخرى عليه أن يبعث برسالة متماسكة وواضحة يجيب فيها على السؤال التالي: كيف يمكن التقدم من هنا؟ و "الاتفاق الإيجابي" الذي سيحيد خطر القنبلة الإيرانية، وما هو "الاتفاق السيئ" الذي يستطيع الإيرانيون من خلاله الحصول على القنبلة النووية.
- ويتعين على إسرائيل أن تكون مستعدة لاحتمالين: الحرص على أن تكون الصفقة الدبلوماسية جيدة، وألا تنتهي المناورة الدبلوماسية الإيرانية بكسب الوقت بالنسبة لمشروع إيران النووي.
- وفي ما يلي عشر نقاط مهمة يجب أن يتناولها رئيس الحكومة في محادثاته مع الرئيس أوباما وفي خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة:
- اتخاذ موقف إيجابي لا سلبي. فالحوار والمفاوضات هما وسيلتان شرعيتان ومهمتان. ويجب النظر بإيجابية إلى الحلول الدبلوماسية وتفضيلها على الحلول العسكرية. لكن على الرغم من ذلك، فالحوار ليس هدفاً قائماً بذاته، بل هو إطار لمسار هدفه تحييد الخطر النووي العسكري الإيراني. وما يجب الإصرار عليه هو ما يتعلق بمضمون الاتفاق وتفاصيله. يقال: "الشيطان يكمن في التفاصيل"، ويتعين على دولة إسرائيل أن تكون يقظة حيال هذه التفاصيل وأن تكون واضحة في مواقفها ومطالبها.
- ومع أنه من الواضح أن الإيرانيين لن يقبلوا بمطالب رئيس الحكومة (وقف التخصيب بصورة كاملة، إخراج المواد المخصبة من إيران، إغلاق منشأة التخصيب تحت الأرض في فوردو والمفاعل النووي في أراك)، فإنه من المهم أن نحدد ما هو الاتفاق الذي حتى لو كان ينطوي على خطر أن تستطيع إيران تحت غطائه أو من خلال خرقه، الحصول على القدرة النووية العسكرية، فإن هذا الخطر ينبغي أن يكون أقل من خطر استمرار الوضع الحالي الذي من المحتمل جداً أن يؤدي إلى قنبلة إيرانية، وأقل من المخاطر المترتبة عن عملية عسكرية لكبح المشروع النووي الإيراني.
- من يقرأ تصريحات الرئيسين الإيراني والأميركي يخلص إلى تنسيق مسبق لصوغ مبادئ الاتفاق المنتظر من ناحية الاعتراف بحق إيران في تطوير مصادر للطاقة النووية، ومن الناحية الأخرى إخضاع المشروع النووي الإيراني للشفافية والرقابة، إلى جانب "خطوات مهمة" لم يتطرق إليها أي من الطرفين.. وعلى رئيس الحكومة أن يوضح أن الشفافية والرقابة ليستا كافيتين. إنهما جيدتان ما دام الاتفاق سارياً، لكن من واجبنا افتراض أن الاتفاق قد يلغى بصورة أحادية من جانب الإيرانيين مثلما حدث في اتفاق تجميد المشروع النووي الإيراني الذي وقعه حسن روحاني سنة 2003. وفي حال جرى خرق الاتفاق الجديد، يجب التأكد من أن إيران تفصلها عن القنبلة النووية سنوات وليس عدة أشهر. ومن المهم أيضاً الاتفاق مع الرئيس أوباما على رد الغرب في حال خرق الإيرانيون الاتفاق الجديد.
- يتعين على الولايات المتحدة وإسرائيل التركيز على الجوانب التي من شأنها أن تبعد الإيرانيين عن القنبلة النووية في حال ألغت إيران بصورة أحادية الاتفاق وطردت المراقبين وخرجت من منظمة حظر الأسلحة النووية وعادت للعمل بصورة سرية. والمقصود هنا تقليص عدد مراكز الطرد المنتشرة في إيران بصورة كبيرة، وتقييد التخصيب بنسبة 3,5%، وإخراج المواد المخصبة كلها من إيران. ومن المهم أن تنظم أعمال الرقابة ضمن "بروتوكول ملحق" مع الحق في تفتيش المراكز السرية حيث يخرق الإيرانيون الاتفاق.
- إن اتفاقاً يقبل ببقاء المشروع النووي الإيراني ضمن أبعاده الحالية مع وجود 10 آلاف جهاز طرد مركزي قديم عامل، والآلاف من أجهزة الطرد الأكثر حداثة ذات القدرة العالية على التخصيب العسكري بحيث يمكنها انتاج سبع إلى تسع قنابل، هو اتفاق سيئ ويجب عدم القبول به.
- تجب الإشارة إلى المخاطر التي تنطوي عليها عملية التفاوض بحد ذاتها، إذ يجب ألا تكون هذه المفاوضات من دون تاريخ محدد لإنهائها، فقد تعود إيران إلى استخدام تكتيك كسب الوقت الذي قد تستغله من أجل توسيع وتعميق مشروعها النووي في جميع أبعاده: اقامة وتشغيل المزيد من أجهزة تخصيب اليورانيوم، وتخزين المواد النووية المخصبة. ومن المعروف أن الإيرانيين ضليعون في المفاوضات ويجب أن يكون هنا طاقم في مستواهم للتفاوض معهم. وحتى الآن لم يقدم الإيرانيون شيئاً وكرروا مواقفهم المعروفة.
- من الأفضل عدم العودة إلى خطأ "الخط الأحمر". فبالنسبة للغرب الصفقة الأسوأ هي التي تتناول بعداً واحداً، مثل نسبة التخصيب. ويجب على الصفقة الجديدة أن تتناول أبعاداً أوسع لا تقل أهمية مثل عدد أجهزة الطرد، حجم المادة المخصبة بنسبة منخفضة، ومسار البلوتونيوم.
- يتعين الامتناع عن الخطوات الصغيرة "البانية للثقة" والتوجه مباشرة نحو ما سوف يسفر عنه الاتفاق النهائي End Game. إن السبب الأساسي وربما الوحيد للموقف التصالحي الإيراني هو الثمن الباهظ للعقوبات، لذا سيحاول الإيرانيون الحصول على تخفيف العقوبات مقابل خطوات لبناء الثقة لا تكلفهم كثيراً. إن رفع العقوبات يمكن أن يكون خطراً في بداية المفاوضات، ويجب أن يبقى "وديعة" لا تنفذ إلا إذا تعهد الإيرانيون بتنفيذ ما هو مطلوب منهم، أي تقليص حجم مشروعهم النووي بنسبة كبيرة.
- من المفيد الإشارة إلى "المثال السوري" كنموذج إيجابي. لكن حتى هنا، فإن اختبار الاتفاق لا يزال أمامنا، وهو اختبار التنفيذ والتعاون الكامل من جانب الأسد.
- يجب ألا ننسى أنه على الرغم من أن مشكلة السلاح النووي الإيراني هي من أهم وأصعب المشكلات في الشرق الأوسط، لكنها ليست التحدي الوحيد الذي تجسده إيران أمام إحلال الاستقرار في المنطقة. يجب ألا ننسى أن عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين التي يعتبر الرئيس أوباما أنها لا تقل أهمية، هي هدف للارهاب من جانب التنظيمات التابعة للإيرانيين التي ساهمت بصورة كبيرة في وقف هذه العملية خلال العقدين الأخيرين. كما يجب خلال أي حوار بين الولايات المتحدة وإيران مناقشة الدور السلبي الذي تقوم به إيران في سورية وفي لبنان والخليج والعراق.
- في الخلاصة يجب أن نعطي الاتفاق فرصة حتى لو كنّا نعتقد أن ما يجري هو عملية خداع، فالكشف عن هذا الخداع له حسناته الاستراتيجية. في إمكان المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران أن تتطور في ثلاثة اتجاهات اثنان منهما يصبان في مصلحة إسرائيل: اتفاق جيد يبعد إيران عن القنبلة، أو فشل ذريع يعطي الشرعية لخطوات أخرى تكبح المشروع النووي الإيراني.
- إن التحدي المطروح أمام رئيس الحكومة هو الحؤول دون التوصل إلى اتفاق سيئ والتفاهم مع الأميركيين حيال المسائل التالية: أي نوع من المفاوضات والصفقات يشكل خطراً على المصالح الأمنية الأساسية للولايات المتحدة وإسرائيل، وربما أيضاً الاتفاق على السياسة التي ستنتهجها الولايات المتحدة إذا فشلت المفاوضات مع إيران أو إذا خرقت هذه في المستقبل الاتفاق المعقود، وكيفية المحافظة على عناصر التأثير الفعال على إيران مثل العقوبات والتهديد العسكري الحقيقي القادرين على تغيير الموقف الإيراني.