· إن السبب الأساسي لتزايد التوتر في الفترة الأخيرة على الجبهة الشمالية هو المصلحة الواضحة لكل من إيران والنظام السوري في تسريع عملية تسليح حزب الله حالياً. ففي تقدير طهران أن صبر الغرب بدأ ينفذ ويكاد يشارف على الانتهاء، وأنه في نهاية العام الحالي ستحسم واشنطن أو القدس، أو الإثنان معاً، مسألة القيام بعملية عسكرية ضد المنشآت التابعة للمشروع النووي العسكري في إيران.
· يسعى الإيرانيون إلى ردع إسرائيل والدول الغربية عن اتخاذ مثل هذا القرار العسكري، وذلك من خلال التهديد بتدمير والحاق خسائر هائلة بالجبهة الداخلية الإسرائيلية. وتنوي طهران تنفيذ هذا التهديد من خلال ترسانة الصواريخ والقذائف الضخمة التي تملكها سورية وحزب الله. وما يهم إيران بصورة خاصة هو منظومة الصواريخ والقذائف الصاروخية التي لدى حزب الله والمحصنة ضد أي هجوم بري من خلال منظومة دفاعية برية منتشرة وسط السكان المتعاطفين مع الحزب.
· صحيح أن سورية تملك عدداً أكبر بكثير من عدد الصواريخ التي يملكها الحزب، لكن من الصعب معرفة ما هي أجزاء المنظومة التي ستعمل وتلك التي لن تعمل في اليوم الذي سيحتاج اليها فيه الإيرانيون. لهذا من المهم الآن بالنسبة للإيرانيين زيادة منظومة الصواريخ التي لدى حزب الله بأكبر عدد ممكن من الصواريخ الحديثة والدقيقة والبعيدة المدى والمدمرة، من نوع "فاتح 110" وغيرها، والقادرة على الوصول حتى إلى ما هو جنوب غوش دان وستسمح هذه الكميات من الصواريخ لحزب الله باطلاق دفعات كبيرة منها نسبياً. إن الأسد لا يملك صواريخ فائضة كي يعطيها الآن لحزب الله لتهديد المدن الإسرائيلية، نظراً لحاجته إليها في حربه ضد الثوار. لكن لديه نوعاً آخر من السلاح يريد حزب الله بشدة الحصول عليه وهو أولاً: صواريخ بر- بحر المتطورة من نوع "ياخونت" التي تشكل تهديداً خطيراً على سفن سلاح البحر الإسرائيلي، وعلى منصات الغاز التي تبعد نحو 300 كيلومتر عن الساحل.
· ومن مصلحة الأسد أن يعطي حزب الله بطاريات صواريخ مضادة للطائرات حديثة ومتحركة وقابلة للاخفاء، وبامكانها الدفاع عن منظومة الصواريخ أرض-أرض التي لدى حزب الله، والقادرة على تكبيد سلاح الجو الإسرائيلي خسائر كبيرة في حال قام بمهاجمة هذه الصواريخ.
· بناء على ذلك، ثمة مصلحة مشتركة لكل من سورية وإيران في زيادة عدد منظومات الصواريخ التي يملكها الحزب وجعلها أكثر دقة وقدرة تدميرية وأبعد مدى، وفي الوقت نفسه تعزيز تحصينها وقدرتها على مواجهة الهجمات الإسرائيلية لتدميرها.
· في تقديرنا أن إسرائيل لن تسمح لخامنئي وللأسد بتحقيق رغبتهما وزيادة حجم الخطر الذي يتهدد جبهتها الداخلية إلى حد كبير. كما لا تنوي إسرائيل السماح للحزب في قضم قدرات الجيش الإسرائيلي على القضاء بسرعة على التهديد الذي يمثله في حال تحققه.
· وقد قامت إسرئيل بتطبيق "الخط الأحمر" الذي وضعته في هذا الشأن ثلاث مرات في المدة الأخيرة حين قصفت قافلة كانت في طريقها إلى لبنان، ومخازن في سورية كانت تحتوي على صواريخ كانت سترسل إلى الحزب. ولم ترد إيران ولا سورية ولا حزب الله عسكرياً على هذه الغارات، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: ماذا سيجري في المرة المقبلة؟ وهذا ليس سؤالاً نظرياً أو افتراضياً، إذ يبدو أن الأسد لم يتخل عن رغبته في نقل سلاح "قاضم للردع" إلى الحزب مكافأة له على المساهمة المادية والمعنوية التي يقدمها التنظيم اللبناني-الشيعي في صمود النظام السوري – العلوي. كما يريد الأسد أن يحتفظ الحزب بمنظومات للسلاح الاستراتيجي كي لا تسقط في أيدي الثوار. من هنا تتوقع التقديرات الغربية أن تضطر إسرائيل، وربما في وقت قريب، إلى مهاجمة قوافل السلاح الجديدة التي تتجه من إيران عبر سورية إلى حزب الله في لبنان، وأنه في حال حدوث ذلك، فإن الأسد سيرد على الرغم من عدم امتلاكه حالياً خيار الرد الفعال، ولأن الجيش السوري في وضعه الحالي غير مؤهل لمهاجمتنا براً. وفي حال قصف الأسد جبهتنا الداخلية بقذائف المدفعية والصواريخ فإن إسرائيل سترد عليه بضربة تدمر أغلبية المنشآت العسكرية والحكومية التابعة للنظام، والمهمة جداً من أجل بقائه.
· لذا سيحاول الأسد القيام بعملية غير مباشرة، ربما عبر وكلاء عنه، لا تؤدي إلى ضربة انتقامية إسرائيلية قوية. أما الخيار الآخر فهو القيام بهجوم إرهابي ضد إسرائيليين في الخارج. بيد أن الاعداد لمثل هذا الهجوم ووضعه قيد التنفيذ بمشاركة فعالة من قوة "القدس" التابعة للحرس الثوري الإيراني يتطلب وقتاً طويلاً. ومن المحتمل جداّ أن تقوم الاستخبارات الإسرائيلية باحباطه. من هنا فإن الاحتمال الأكثر فعالية الذي تبقى للأسد هو ايذاء إسرائيل و الدفاع عن كرامته من خلال خرق الهدوء الذي يسود هضبة الجولان منذ 40 عاماً.