عشر نقاط أساسية في تحليل ما بعد الهجوم على دمشق
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– "مباط عال"، العدد 424

·       مر أسبوع على الغارتين على منطقة دمشق اللتين، استناداً إلى مصادر أميركية، استهدفتا صواريخ أرض - أرض متطورة من نوع "فاتح 110" كانت في طريقها من إيران إلى حزب الله في لبنان. والآن بعد انقشاع الغبار، يبدو أن الحادث جرى استيعابه، ولم يكن هناك رد فوري من جانب سورية أو حزب الله. ويمكننا الإشارة إلى خلاصات أولية، على الرغم من أننا ما زلنا في ذروة أزمة واسعة، أكان ذلك بالنسبة إلى احتمال حدوث رد متأخر، أو احتمال مواصلة تجاوز الخطوط الحمر وحدوث هجمات جديدة قد تؤدي إلى التصعيد على الجبهة الشمالية. وهذا المقال يتناول الهجوم على دمشق بصفته هجوماً إسرائيلياً، وذلك استناداً إلى المصادر الأجنبية.

1-  من المهم أن ندرك أن إسرائيل بدأت، ولأول مرة منذ عشرة أعوام، بالتصدي لمسار تهريب السلاح إلى حزب الله الذي استخدمته كل من إيران وسورية. فحافظ الأسد كان قد فرض حتى سنة 2000 قيوداً على تزويد حزب الله بالسلاح، واقتصر السلاح الصاروخي الذي سمح بإعطائه للحزب، أو سمح للإيرانيين بتزويده به، على صواريخ الكاتيوشا القصيرة المدى. أمّا ابنه بشار فتخطى القيود كلها وزوّد حزب الله، وبتمويل إيراني، بمنظومة صاروخية حديثة ومتطورة. وكان التمويل والتدريب، في أغلبيته، من طهران، أمّا منظومات السلاح فجزء منها كان إيرانياً، وجزء آخر من إنتاج سوري (مثل صواريخ M-600 التي هي النسخة السورية لصاروخ فاتح 110)، والجزء الأخير مصدره روسيا. وكان السلاح يأتي من طهران جواً إلى مطار دمشق الدولي، ومن هناك يُنقل إلى لبنان. وعلى الرغم من أن القرار رقم 1701 الصادر عن مجلس الأمن في سنة 2006، منع تزويد حزب الله بالسلاح ، فإن إسرئيل لم تتحرك في الماضي ضد هذه الشحنات من الأسلحة، وذلك انطلاقاً من اعتبارات الفائدة والتكلفة، ولأن احتمالات التصعيد ضد سورية وحزب الله كبيرة ولا تبرر الفائدة. لكن على الرغم من ذلك، وبعدما اتضح في نهاية العقد الأخير أنه جرى تجاوز جميع القيود المفروضة على تهريب السلاح إلى حزب الله، فإن إسرائيل حددت أربع منظومات سلاح ستمنع انتقالها إلى حزب الله، حتى لو أدى ذلك إلى التصعيد، وهي: منظومات الدفاع الجوي المتطورة؛ صواريخ أرض - أرض البعيدة المدى؛ صواريخ بر - بحر؛ السلاح الكيميائي.

2-  إن أي عملية إسرائيلية لمنع تهريب السلاح كانت تتطلب قدرة استخباراتية وعسكرية كبيرة، مثل التسلل الاستخباراتي إلى داخل أسرار إيران وحزب الله، والإغارة على مناطق مزودة بدفاعات جوية هي من الأكثر تطوراً في العالم. وقد اتضح يومها أن التقديرات الاستخباراتية والاستراتيجية الإسرئيلية حيال ردة فعل العدو كانت صحيحة، وأن إسرائيل نجحت في حسابها للمخاطرة التي قامت بها. وبدا صحيحاً الافتراض الإسرائيلي بوجود ردع إسرائيلي قوي جداً، وأن لدى سورية وحزب الله وإيران سلّم أولويات مختلف، وأنهم لن يجازفوا في الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة. وقد تبنّت إسرائيل الأسلوب الذي أثبت نجاحه في سنتَي 2007 و2008، ولم تعلن مسؤوليتها عن العمليات التي تقوم بها، تاركة للطرف الآخر "هامشاً للتكذيب". علاوة على ذلك، فإن الأهداف التي هوجمت لم تكن ذات أهمية كبيرة بالنسبة إلى سورية، وهو ما سهّل على السوريين استيعاب الهجوم. كما أن الهجمات لم تجر على الأراضي الإيرانية أو اللبنانية، الأمر الذي لم يفرض عليهما الرد المباشر عليها.

3-  من المهم أن ندرك أن كل واحد من أعداء إسرائيل يركز جهده وعمله على مواجهة التحديات التي يعتبرها، في الوقت الحالي، أكثر أهمية من الرد على الهجوم الإسرائيلي. فالنظام السوري يدافع عن بقائه ضد معارضة داخلية باتت تسيطر على 50% من أراضي سورية، وقد نجح النظام خلال الشهر الأخير في تحقيق إنجازات في مواجهة المسلحين، ونجح في جعل المواجهة داخلية حيث يملك تفوقاً عسكرياً ضد الثوار، وهو لا يريد خسارة هذه الإنجازات، ولذا فإن التدخل الخارجي والمواجهة مع إسرائيل يعرّضان النظام للخطر، ويمكن أن يتسببا بنهايته. أمّا بالنسبة إلى حزب الله فهو يعطي أولوية لصمود النظام السوري الذي يمثل بالنسبة إليه جسراً إلى إيران، وجبهة خلفية استراتيجية، كما أن مقاتليه يشاركون في القتال في سورية، ولا يبدو بالنسبة إليه أن فتح جبهة جديدة في مواجهة إسرائيل هو خيار جيد، لأنه قد يضر بشرعيته داخل لبنان، ولا سيما بعد الأذى الذي لحق بهذه الشرعية منذ الكشف عن تورطه في اغتيال الحريري، وبعدما تسبب بجرّ لبنان إلى الحرب ضد إسرائيل في سنة 2006، وكذلك بسبب تأييده نظام الأسد. وقد يجد الإيرانيون أيضاً صعوبة في الرد، لأنهم لم يعترفوا قط بتزويدهم حزب الله بالسلاح المتطور، وبالنسبة إليهم فإن صمود نظام الأسد هو اليوم الأمر المهم، لكن الموضوع الأكثر أهمية من أي شيء آخر هو الدفاع عن مشروعهم النووي العسكري الذي يعتبرونه مصلحة عليا، والمحافظة على حزب الله بصفته ذارعاً طويلة للرد في حال جرت مهاجمة هذا المشروع.

4-  على الرغم من ذلك، يجب ألاّ ننسى أنه حتى لو لم يحدث رد مباشر وقوي، فإن حزب الله وإيران وربما سورية، يصبرون أحياناً، ويبقون "الحساب مفتوحاً"، ويختارون الإقدام على رد متأخر بعيداً عن الساحة المحلية التي تنطوي على مخاطرة بالتصعيد، وحيث تملك إسرائيل قدرة دفاعية جيدة. وهناك أنواع أُخرى من الرد من خلال استخدام تنظيمات إرهابية صغيرة، أو تنفيذ عمليات محدودة على الجبهة اللبنانية ـ الإسرائيلية ـ السورية، من دون تحمّل المسؤولية. وفي الواقع، فإن إسرائيل تستطيع استيعاب مثل هذه العمليات من دون الرد عليها، لأن العملية الإسرائيلية التي أدت إلى بدء سلسلة ردات الفعل كانت ناجحة جداً، ولم تكبدها ثمناً يفرض عليها مواصلة التصعيد.

5-  حظي الهجوم الإسرائيلي بشرعية كبيرة نسبياً. فقد اعتبر الغرب الهجوم خطوة للدفاع عن النفس، وأبدى العالم السنّي شماتة بالنظام السوري والنظام الإيراني وحزب الله. وكان من الصعب على دول الخليج والسعودية إخفاء رضاها عن الهجوم. لكن على الرغم من ذلك، فإن من المهم الإشارة إلى أن إسرائيل لا تنوي التدخل في الحرب الأهلية، وقد نقلت رسالة إلى سورية فحواها أنها لا تنوي الوقوف إلى جانب المعارضة ضد النظام. وفي الواقع فإن إسرائيل لم تلحق ضرراً مباشراً بأملاك سورية، وإنما بأملاك تابعة لحزب الله وإيران وتشكل خطراً على أمنها.

6-  من الزاوية الأميركية، لم تطلب إسرائيل "ضوءاً أخضر" من الولايات المتحدة للقيام بالهجوم. ومع ذلك، فإن مستوى التنسيق والتفاهم الاستراتيجيين بين الدولتين مرتفع جداً، وممّا لا شك فيه أن كل طرف أوضح للطرف الآخر المصالح الأساسية، وشرح الأسباب التي تدفع إلى العملية وحدودها وقيودها. من جهة أُخرى، قد يرى المنتقدون للرئيس أوباما في العملية الإسرائيلية نموذجاً ملائماً للرد على تجاوز الخطوط الحمر، كما تُظهر العملية خطأ الفكرة السائدة داخل حلف شمال الأطلسي والبنتاغون بشأن قوة الدفاعات الجوية السورية.

7-  من الزاوية الروسية: إن الروس لا الإيرانيين هم الطرف المزوِّد لنوعين من ضمن أربع منظومات تعتبرها إسرائيل خطاً أحمر، هما: منظومة الدفاعات الجوية المتطورة مثل SA-17؛ صواريخ بر ـ بحر من طراز "يـِخونْت". ولو أن هذه المنظومات الروسية التي أُعطيت إلى سورية أساساً، هوجمت داخل الأراضي اللبنانية، لسبّب ذلك إحراجاً كبيراً للروس.

8-  بين النقاط التي يطرحها المعارضون للهجوم على سورية أن جزءاً من منظومات السلاح التي تشكل خطاً أحمر قد انتقلت سابقاَ إلى حزب الله. لكن ثمة أهمية كبيرة لتخفيض عدد الصواريخ التي يملكها الحزب، وذلك باستخدام الأسلوب الذي استخدمناه مع حركة "حماس" خلال عملية "عمود سحاب"، إذ إن جزءاً كبيراً من صواريخ العدو دُمرت قبل إطلاقها، بينما جرى تدمير الجزء الآخر بواسطة المنظومات الدفاعية المضادة للصواريخ. وما نفعله في سورية سيسهّل علينا المواجهة مع حزب الله في معركة واسعة مستقبلاً.

9-  ما هو تأثير الهجوم على سورية في المواجهة مع إيران؟ هناك نظريتان استراتيجيتان لمواجهة الخطر النووي الإيراني: الأولى، هي نظرية "إيران أولاً" التي تدعو إلى توجيه الأولوية والموارد نحو هذا الاتجاه، مع الاستعداد لدفع الأثمان الاستراتيجية في ساحات أُخرى؛ الثانية، هي "سورية وحزب الله أولاً"، وهي التي تقوم على فكرة أن في إمكاننا ردع إيران، وأن نثبت لها الإصرار والقدرة الإسرائيليين في التصدي لتجاوز الخطوط الحمر، وإضعاف قدرة الرد الإيرانية من خلال ضرب حلفاء إيران الذين يشكلون خط النار المتقدم لها. ليس واضحاً ما إذا كانت هذه الاعتبارات الاستراتيجية الواسعة دُرست قبل القيام بالهجوم الأخير على سورية، لكن عملياً، بعد العملية، فإن أنصار النظرية الثانية هم الذين خرجوا رابحين. ويبقى أن ننتظر ما إذا كانت إيران استوعبت الرسالة بشأن إصرار إسرائيل من جهة، وما إذا كانت شعرت من جهة أُخرى بضعف حلفائها.

 

10-       يمكننا الافتراض أن الحادث لم ينته بعد، لا تكتيكياً ولا استراتيجياً. لذا، فإن المطلوب على المدى القصير هو إظهار كثير من اليقظة حيال احتمالات تصفية "الحساب المفتوح" من خلال رد محدود / أو متأخر، سواء على الجبهة الشمالية أو في الخارج. وعلى الصعيد الاستراتيجي، فإن المطلوب من متخذي القرارات في إسرائيل أن يقرروا ما إذا كانوا سيواصلون مستقبلاً العمل ضد حصول حزب الله على منظومات السلاح المتطور والحساس. وعندما ستدرس إسرائيل عملياتها المقبلة يجب أن تبحث فيما إذا كانت الأوضاع الاستراتيجية تسمح بحرية العمل ضمن إطار مخاطرة منخفضة، أم إن تراكم الحوادث سيؤدي حتماً إلى تصعيد غير مرغوب فيه. وقد يكون من الخطأ اعتبار أن عدم الرد على الغارتين الماضيتين معناه عدم الرد في المرات المقبلة. فالضغط الكبير الذي يُمارس على زعامات الطرف الثاني من أجل الرد على الهجوم الإسرائيلي قد يؤدي إلى رد واسع يتسبب بتصعيد خطر.