معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
· مر 18 شهراً على نشوب الثورة ضد نظام بشار الأسد في سورية، التي بدأت بانتفاضة محلية وتطورت إلى حرب أهلية شاملة أدت إلى وقوع 20,000 قتيل. لقد تسببت أعمال القتل الجماعية والطائفية بوصول الوضع في سورية إلى نقطة لا يمكن العودة فيها إلى الوراء، لكن على الرغم من ذلك، لا يمكننا التنبؤ كيف أو متى ستنتهي الثورة هناك. فالأسد يحارب بشراسة دفاعاً عن بقائه، وهو ما زال يحظى بدعم القوة الأساسية في الجيش السوري (على الرغم من زيادة عدد المنشقين) وأجهزة الأمن الداخلي. في المقابل تبدو المعارضة منقسمة على نفسها، وتلاقي صعوبة في توحيد صفوفها حول قيادة متفق عليها، وتخضع لتأثير الصراعات القائمة بين الدول الداعمة لها من الخارج، وهي حتى الآن لا تشكل بديلاً حقيقياً للنظام القائم.
· لقد أضعف استمرار الانتفاضة الحكومة المركزية في سورية، وخسر نظام الأسد شيئاً من سيطرته، فرأينا المال والسلاح يتدفقان إلى مجموعات متعددة، وبدأت أطراف متشددة تستغل الفوضى الناشئة. وإذا كان الأسد، قبل هذه الفترة، لا يزال قادراً على إنكار ما يحدث، فإنه بات يدرك الآن أن وقته آخذ بالنفاد، وأن عليه أن يختار طريقة ما لإنقاذ نفسه، إمّا عبر استراتيجيا خروج وانسحاب مشرف وإمّا عبر الإصرار على القتال حتى النهاية المرة.
· طوال الفترة الماضية، برز عجز المجتمع الدولي عامة والولايات المتحدة خاصة ومعها الدول الغربية، إذ بدت الدول الأعضاء في حلف الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة مرهقة من المواجهات العسكرية في الشرق الأوسط، وتتخوف من أن العملية الجوية في سورية قد لا تكون كافية، ومن أنها قد تحتاج إلى عملية برية من أجل حماية الشعب السوري والقضاء على حكم بشار الأسد. ولم ينجح الغرب في استصدار قرار عن مجلس الأمن نتيجة معارضة روسيا والصين، اللتين ما زالتا تدعمان طاغية دمشق، لأن ذلك يخدم مصالحهما الخاصة، وتخوفاً من انعكاسات سقوطه عليهما.
· إن وجهة نظر الدول الغربية هي أن على الشعب السوري تحديد مصيره بنفسه، مع تدخل دولي محدود، وذلك من خلال المحافظة على سلامة الأراضي السورية وسيادتها. في المقابل، ترى أطراف المعارضة أن نهاية الصراع الدائر ستكون وفقاً للنموذج الليبي، أي عبر قطع رأس الأسد، أو عبر تدخل أجنبي يأتي في إثر وقوع حادث مأساوي، مثل استخدام مواد كيماوية أو سيطرة المعارضة بزعامة الجيش السوري الحر على الجزء الأكبر من الأراضي السورية بما فيها المدن الكبرى وعزلة النظام السوري وسقوطه.
· تراقب إسرائيل بقلق ما يجري في سورية، مفضلة في هذه المرحلة أن تقف على الحياد وألاّ تتدخل قبل وقوع السيناريوهات الخطرة. فحتى الفترة الأخيرة كان من الأسهل على إسرائيل التعايش مع نظام بشار الأسد الضعيف، والذي من شأنه أن يضعف المحور الراديكالي الذي تتزعمه إيران، إلاّ إن هذا الموقف تغير في أعقاب المخاوف من انتقال السلاح الكيماوي إلى حزب الله، ولا سيما بعد عملية الاغتيال التي استهدفت فريق إدارة الأزمة التابع للأسد.
· من المحتمل أن يؤدي الوضع الحالي إلى مجموعة من السيناريوهات التي هي في أغلبيتها سيئة بالنسبة إلى إسرائيل، ومن ضمنها:
أ- سقوط نظام بشار الأسد، وتفكك مؤسسات الحكم والبنية السياسية للدولة السورية (الكانتونات)، واندلاع حرب أهلية وطائفية لا هوادة فيها، وعمليات تطهير إثني وطائفي، وعمليات نزوح للسكان إلى مناطق واقعة تحت تأثير طائفي معين.
ب- السيطرة الجزئية: في حال نجح نظام الأسد في البقاء (سواء أكان الأسد شخصياً أو زعيم آخر أو مجموعة قيادة علوية)، فإنه سيكون نظاماً ضعيفاً وسيفقد شرعيته وسيحاول السيطرة بالقوة على المحور الأساسي الذي يربط دمشق بحمص وحلب وبالمنطقة الساحلية، وفي المقابل سيخسر سيطرته الفعلية على المناطق الواقعة في الأطراف.
ج- قيام حكم سياسي مختلف يتشكل من داخل سورية، وصعود نظام جديد يستند إلى اتحاد قوى المعارضة ينجح في العمل بصورة فعالة ويحقق الاستقرار من خلال المساواة بين الطوائف المختلفة.
د- نشوء الفوضى وفقدان السيطرة بعد سقوط نظام بشار الأسد من دون إيجاد نظام مركزي بديل. فتتحول سورية إلى ساحة للقتال بين القوى المختلفة المدعومة من الدول الخارجية التي تتصارع فيما بينها – مثل إيران ضد السعودية ودول الخليج، وتركيا ضد الأكراد، والولايات المتحدة ضد روسيا.
ه- حدوث تدخل خارجي بقيادة المجتمع الدولي، يعمل في البداية على إسقاط نظام بشار الأسد، ثم يقيم حكماً جديداً ويسعى لتحقيق المصالحة الداخلية والإصلاحات الديمقراطية.
· بالنسبة إلى إسرائيل فإن جميع السيناريوهات تنطوي على مخاطر وتهديدات جديدة، فهي تتخوف بالدرجة الأولى من تحول هضبة الجولان إلى منطقة لا يوجد سيطرة فعلية عليها، الأمر الذي سيسمح للجماعات المتطرفة والمعادية بالقيام باستفزازت ضد إسرائيل، وسيسهل انتقال وسائل القتال الاستراتيجية والكيماوية إلى حزب الله وأطراف متشددة أخرى. كما تتخوف إسرائيل من أن تبادر إيران إلى مهاجمتها بواسطة حزب الله أو عملاء آخرين، أو من نشوء أزمة إنسانية كبيرة، وحركة نزوح في اتجاه الدول المجاورة لسورية بما في ذلك هضبة الجولان، كذلك من تحول الاهتمام بالموضوع الإيراني في اتجاه الأزمة في سورية، الأمر الذي سيسمح لإيران بمواصلة برنامجها النووي.
· لكن على الرغم من هذا كله، فإن حدوث هذه السيناريوهات ينطوي على فرصة إضعاف المحور الراديكالي، الأمر الذي سيؤدي إلى تغيير في موازين القوى في لبنان، وإلى إمكان إعادة تحريك عملية تجريد حزب الله من قدراته الاستراتيجية. وفي جميع الأحوال فالمطلوب من إسرائيل من أجل الاستفادة من الفرص المتعددة من أجل القيام بمبادرات وخطوات فعالة من جانبها ومن جانب والولايات المتحدة والمجتمع الدولي.
· إذا أردنا تحديد ما هي مصالح إسرائيل إزاء الأزمة الحالية في سورية يمكننا الإشارة إلى الأهداف التالية: تحقيق الهدوء والاستقرار على المستوى الأمني؛ قيام حكم جديد في سورية يستطيع أن يتحمل المسؤولية ويكون مستقراً وغير معاد لإسرائيل؛ إخراج سورية من المعسكر الإيراني، وجعلها أكثر عرضة للتأثير الغربي؛ تقليص الانعكاسات السلبية للدول المجاورة لسورية، مثل لبنان والأردن، على المحيط الإقليمي عامة؛ منع انتقال الأسلحة الكيماوية والاستراتيجية إلى جهات متطرفة يمكن أن تستخدمها ضد إسرائيل.
· وهناك ثلاثة خيارات سياسية أساسية أمام إسرائيل، هي:
أ- سياسة محكمة تسعى لبناء شروط من أجل بلورة نظام مختلف في سورية يكون مريحاً بالنسبة إلى إسرائيل، وذلك من خلال تقديم المساعدة للمعارضة، وإلحاق الأذى بمراكز القوة والدعم لنظام بشار الأسد. كذلك يمكن استغلال الفرصة لمعالجة مسألة حزب الله.
ب- سياسة أمنية يجري التركيز فيها على تقليص التهديدات الأمنية الحالية والمستقبلية، وخوض معركة سرية لمنع تهريب السلاح الكيماوي أو انتقاله إلى جهات متشددة، ومنع نظام الأسد من استخدام هذا السلاح ضد مواطنيه أو تسليمه إلى حزب الله، وتعزيز البنية الدفاعية في هضبة الجولان، وتحسين الجهوزية في مواجهة الأخطار الأمنية.
ج- الوقوف على الحياد، انطلاقاً من النظرة القائلة إنه ما زال من السابق لأوانه سقوط نظام الأسد، وأن بقاء الأسد ضعيفاً هو الأفضل بالنسبة إلى إسرائيل مقارنة بسائر السيناريوهات.
· على الرغم من الغموض السائد بشأن كيفية تطور الأحداث في سورية، فإنه يتعين على إسرائيل العمل انطلاقاً من الافتراض القائل بأن نظام الأسد لن يصمد بصورته الحالية، وسيكون لسقوط هذا النظام إيجابيات، مثل إضعاف المحمور الراديكالي الذي تتزعمه إيران، كما ستكون له سلبيات، مثل خلق تهديدات جديدة لإسرائيل. لذا على إسرائيل، وعلى الرغم من محدودية قدرتها على التأثير، إظهار مزيد من الفعالية والعمل على بلورة مبادرة تستند بصورة أساسية على العمل السري من أجل إضعاف الدعم لنظام الأسد وحزب الله، ومنع انتقال الأسلحة الاستراتيجية والكيماوية إلى أيدي جهات متطرفة، ومنع بشار الأسد من استخدام السلاح الكيماوي، وإقامة قنوات اتصال مع المعارضة السورية أو زعامات بديلة، وإنشاء مراكز مساعدة إنسانية لمواجهة وصول موجات من النازحين إلى هضبة الجولان.
· لقد أدى التغير في الوضع الاستراتيجي إلى زيادة المصالح المشتركة بين إسرائيل وتركيا، وبصورة خاصة فيما يتعلق بقيام حكم مركزي ومسؤول في سورية، وكبح انتقال الاضطرابات إلى الدول المجاورة، وتقليص دور الأطراف الجهادية المتشددة. ونظراً إلى النفوذ الذي تملكه تركيا في أوساط المعارضة السورية، فإن على إسرائيل العمل على استئناف التعاون الاستراتيجي مع تركيا.