أزمة السلاح الكيميائي في سورية: هل هي في طريقها إلى الحل السياسي؟
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال

 

  • قد تكون الملاحظة التي أبداها وزير الخارجية الأميركي جون كيري خلال المؤتمر الصحافي في لندن في 9/9/2013، وقوله إن النظام السوري يستطيع منع الضربة العقابية المخطط لها إذا قام بوضع مخزونه من الأسلحة الكيميائية تحت رقابة دولية، هي التي نجم عنها مسار سياسي بالغ الأهمية.
  • فقد تلقفت روسيا هذه الفكرة على الفور تقريباً، فلم تكتف بهذا الاقتراح بل وسعته بحيث يشمل خطة لتدمير السلاح الكيميائي السوري تؤدي إلى انضمام سورية لمعاهدة حظر الأسلحة الكيميائية (CWC)، ودَعت [روسيا] سورية إلى الموافقة على هذه الخطة، فأعلنت سورية بعد وقت قصير عبر وزير خارجيتها وليد المعلم اثر لقائه وزير الخارجية الروسي لافروف في موسكو، عن  قبولها الخطة.
  • وتعقيباً على ذلك، أعلن الرئيس أوباما أن هذا الاقتراح جدير بأن يبحث بجدية، وبناءً عليه قام بتعليق الضربة العسكرية. 
  • هناك طريقتان للنظر إلى هذا التطور. أولاهما التي انتشرت في وسائل الإعلام الإسرائيلية، وهي الافتراض أن هذه مناورة روسية- سورية هدفها كسب الوقت، على اعتبار أنه بقدر ما يتأجل موعد الضربة الأميركية، ستتضاءل فرص تنفيذها في نهاية المطاف. وبناءً عليه، فإن فرص تحقيق هذه الخطة منخفضة جداً. لكن هناك مشكلة ضمن هذا المنظور لأنه إذا اتضح لكل من الولايات المتحدة الأميركية والمجتمع الدولي أن المقصود بذلك عملية خداع فحسب، فسوف ترتفع فرصُ كسب الرئيس أوباما تأييد الكونغرس للضربة المخطّط لها.
  • وعليه، فلا أساس لافتراض أن فرص الضربة ستنخفض في أعقاب هذه المناورة. 
  • أما ثانيتهما، فهي ترتكز إلى الافتراض بأن الاقتراح جدي، وهو نابع من إدراك كل من روسيا وسورية، أنه من دون هذه الخطة، فإن فرص توجيه الضربة الأميركية مرتفعة، وسيكون لهذه الضربة انعكاسات بعيدة المدى. وفي ظاهر الأمور، لم يكن لهاتين الدولتين سببٌ للقلق من الضربة الأميركية بعد الجهد الذي بذله كل من الرئيس الأميركي ووزير خارجيته لتأكيد النطاق المحدود للضربة العقابية المخطط لها. لكن مفتاح فهم القلق الروسي والسوري يكمن في نظرية المؤامرة التي ينسبانها للسياسة الأميركية. فهاتان الدولتان مقتنعتان بأن الهدف الرئيسي للولايات المتحدة هو تغيير النظام في سورية مثلما حدث في حالتي العراق أولاً ثم ليبيا لاحقاً. لقد بذلت روسيا ما في وسعها منذ بداية الأزمة السورية لتأكيد أنها لن تسمح للولايات المتحدة بتكرار ما حدث في ليبيا، أي صدور قرار محدود عن مجلس الأمن الدولي غطى قيام الغرب بعمليةٍ عسكريةٍ واسعةٍ وإسقاط نظام القذافي. وقد أرفقت روسيا تصريحاتها بالأفعال فنجحت في منع كل قرار ذي صلة داخل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مستخدمةً حق الفيتو. لكن استخدام السلاح الكيميائي الذي أوقع ضحايا كثيرين في غوطة دمشق قلب الطاولة لأنه أعطى وضعاً فيه مقدار لا بأس به من الشرعية للعملية الأميركية، حتى من دون قرار صادر عن مجلس الأمن الدولي. وتشكّل هذه العملية في نظر هاتين الدولتين، خطوة أولى من عملية عسكرية أوسع تهدف لإطاحة النظام. وعليه، كان ثمة مصلحة للدولتين في دفع ثمن مرتفع لقاء منع هكذا عملية أميركية. فمن وجهة نظر بشار الأسد أصبح السلاح الكيميائي عبئاً على بقاء النظام، مع أن هذا يعني أنه سيتخلى عن رصيد استراتيجي ردعي في مواجهة إسرائيل. ومن وجهة نظر روسيا، فهذه فرصة للعودة إلى لعب دور رئيسي باعتراف الجميع.
  • وإذا كان هذا التقدير صحيحاً، فإن ما جرى هو انتصار كبير للرئيس أوباما. فقد كان تهديده بالهجوم فعالاً وحقق أكثر من الهدف المعلن له. فقد أراد أوباما ردع سورية عن استخدام السلاح الكيميائي والتشديد على حظر استخدامه، لكنه استطاع أن يحقق عملية تجريد سورية منه. أما في ما يتعلق بالحرب الأهلية الدائرة في سورية، فإن المعنى الأساسي لما حدث هو البدء بالخطوات الآيلة إلى تحييد المخاطر المترتبة عن الكميات الكبيرة من السلاح الكيميائي الموجودة في سورية، التي قد تقع في أيد أقل إحساساً بالمسؤولية من النظام الوحشي للأسد.
  • بالنسبة لإسرائيل، فإن هذا سيشكل خدمة كبيرة لها. فتجريد سورية من السلاح الكيميائي هو سابقة ستكون لها انعكاساتها البعيدة المدى على إيرن ومشروعها النووي، وستقوي فكرة ضرورة الضغط على إيران للتوصل إلى انجازات مشابهة. لكن إذا تبين أن ما حدث هو مجرد مناورة، فإن صدقية أوباما ستكون مرة أخرى على المحك. فالقيام بالهجوم الأميركي على سورية من شأنه المحافظة على صدقية الرئيس أوباما، وثمة حظوظ كبيرة بأنه سيمنع استخدام السلاح الكيميائي من جديد. وعدم تنفيذ الهجوم سيلحق الضرر بصدقية أوباما وسيقضم قدرة الولايات على التأثير في اللاعبين في الشرق الأوسط بمن فيهم إيران.
  • ثمة عقبات لا بأس بها ستعترض سبيل توصل جميع الأطراف المعنية إلى مبادئ وشروط لمراقبة وتدمير منظومة السلاح الكيميائي السوري، ناهيك عن المصاعب التي ستعترض تنفيذ الخطة بعد التوصل إلى اتفاق. ففي البداية يجب التأكد من أن السوريين (ومؤيديهم وبخاصة روسيا) يجرون مفاوضات حقيقية ومفتوحة ولا يحاولون كسب الوقت من أجل التهرب من تحقيق الهدف النهائي. لكن لأن روسيا هي التي طرحت الاقتراح وأجبرت سورية على الموافقة عليه، يبدو أنها ستواصل دعمها للاقتراح وتنفيذه، لأنها ستجني منه أرباحاً سياسية واستراتيجية.
  • من الناحية التقنية والعملانية هناك خياران أساسيان لمعالجة  المنظومة الكيميائية في سورية. الخيار الأول: نقل أغلبية الترسانة الكيميائية إلى دولة ثالثة مثل روسيا تمتلك خبرة كبيرة في معالجة وتدمير هذا النوع من السلاح.
  • أما الخيار الثاني، فيشبه الخطة التي طبقت في العراق بعد حرب الخليج الأولى من جانب ممثلي الأمم المتحدة. في المرحلة الأولى من الممكن بمساعدة المعلومات الاستخباراتية المتوفرة وبالتعاون مع السوريين وكذلك بمساعدة المراقبين من جانب منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، رسم خرائط ونشر أدوات للرقابة سواء من خلال مراقبين دوليين أو من خلال الكاميرات في جميع المواقع المهمة. وفي مرحلة ثانية هناك حاجة إلى وضع خطة لتدمير المنظومة على الأراضي السورية. وهنا تطرح بعض الاحتمالات التي ليست بسيطة من الناحية التقنية- اللوجستية والأمنية. لذا يبدو أن الخيار الأول هو الأفضل لأنه يسمح بالالتفاف على عدد من المصاعب المذكورة أعلاه، والتوصل إلى تحييد مخازن السلاح الكيميائي في وقت قصير.
  • في الخلاصة، يمكننا القول إنه على الرغم من أن الحل السياسي الذي جرى التوصل إليه ينطوي على مصاعب لا بأس بها من زاوية مبادئ وشروط الاتفاق وسبل تنفيذه، لكنه يبقى فرصة ذهبية للتخلص من أكبر مخازن للسلاح الكيميائي في العالم تشكل خطراً على المنطقة وعلى إسرائيل بصورة خاصة.
  • وفي المقابل، من المحتمل أن تطرح للنقاش مسألة إذا كان هناك فائدة في أن تعيد إسرائيل النظر في سياستها بخصوص إبرام [في الكنيست مثلاً] معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية التي وقعت عليها.