من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
· تسبب قتل [المستوطن] أفيتار بوروفسكي من سكان مستوطنة يتسهار جنوبي نابلس [أمس الأول الثلاثاء] بانتهاء فترة طويلة لم يُقتل فيها أي إسرائيلي في الضفة الغربية. ويُعتبر بوروفسكي أول قتيل إسرائيلي في الضفة منذ عام وسبعة أشهر. وقد بيّنت التفصيلات الأولية من عملية تقصّي وقائع هذه الحادثة أنها تندرج في إطار أحداث الأشهر الأخيرة في المناطق [المحتلة]، والتي يطلق عليها جهاز الأمن العام [الشاباك] اسم "عمليات شعبية"، وهي تتسم بأنها من تدبير شخص واحد وليس منظمة "إرهابية"، ولا يحتاج تنفيذها إلى استعداد وتخطيط طويلين قبل الإقدام عليها.
· ووفقاً لمصادر فلسطينية، فإن القاتل هو ناشط في حركة "فتح"، ورغب في أن يُطهّر اسم عائلته بعد أن أُدين شقيقه في محكمة فلسطينية بالتعاون مع إسرائيل. وقد انتهز فرصة سانحة في محطة للحافلات بالقرب من حاجز زعترة، فباغت بوروفسكي وطعنه بسكين في ظهره، ثم خطف المسدس الذي كان في حيازته، قبل أن تقوم قوة من حرس الحدود ترابط بصورة ثابتة عند الحاجز بإطلاق النار عليه وإصابته بجروح بالغة. ولا شك في أن عملية كهذه يصعب جداً اكتشافها وإحباطها مسبقاً، نظراً إلى أن عدد المطّلعين على سرها والمشتركين فيها محدود للغاية.
· ومع ذلك، فإن من الصعب تجاهل السياق الأوسع لهذه العملية، فمنذ عدة أشهر لوحظ أن هناك زيادة كبيرة في "العمليات الشعبية" التي تشمل رشق حجارة وإلقاء زجاجات حارقة، وتظاهرات عنيفة، وشجارات بين فلسطينيين ومستوطنين.
· وسارع رؤساء "مجلس المستوطنات في يهودا والسامرة" [الضفة الغربية] إلى الربط بين قتل بوروفسكي وبين "أجواء التحريض من ناحية السلطة الفلسطينية، والتسامح مع إرهاب الحجارة، ومطالبة السلطة إسرائيل بتقديم مبادرات حسن نية للفلسطينيين، على غرار إطلاق أسرى من السجون الإسرائيلية." وعملياً، فإن المستوطنين يحظون في نطاق الحكومة الحالية بقوة سياسية لم يسبق لها مثيل، بل إن ممثلهم الأبرز، الوزير نفتالي بينت من حزب "البيت اليهودي"، كان إلى ما قبل عامين يشغل منصب المدير العام لـ "مجلس المستوطنات". ومع هذا، فإنه ما زال من المشكوك فيه أن يحدث الآن تغيير جذري في علاقات إسرائيل بالسلطة الفلسطينية. ولعل أقصى ما يستطيع وزير الدفاع موشيه يعلون أن يمنحه للمستوطنين هو التعهد بمعالجة أعمال التعرض لوسائط النقل الإسرائيلية في الضفة بصورة أشد حزماً، ولا شيء أكثر من ذلك.
· بعد عدة ساعات من عملية القتل في يتسهار، اغتالت إسرائيل ناشطاً "إرهابياً" فلسطينياً في قطاع غزة هو هشام المسحال. ولا توجد صلة حقيقية بين الحادثتين، ذلك بأن إسرائيل تتعامل مع الضفة والقطاع منذ مدة طويلة على أنهما جبهتان منفصلتان. غير أن اغتيال المسحال له صلة بالعلاقة بين غزة وجبهة ثالثة هي شبه جزيرة سيناء. وبحسب ما يقوله جهاز الشاباك، فإن المسحال كان ضالعاً في إطلاق قذائف صاروخية على مدينة إيلات [جنوب إسرائيل] قبل أسبوعين.
· وتجدر الإشارة إلى أن هذه هي أول عملية اغتيال في قطاع غزة منذ انتهاء عملية "عمود سحاب" التي شنّها الجيش الإسرائيلي في تشرين الثاني / نوفمبر 2012. وتتهم إسرائيل المسحال، وهو عضو في منظمة "مجلس الشورى" الجهادية المتطرفة، بالمسؤولية عن تطوير وسائل قتالية وإطلاق الصواريخ من القطاع على المنطقة الجنوبية. وفي إثر اغتياله، أكد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أن إسرائيل لن تقف مكتوفة اليدين إزاء إطلاق صواريخ من قطاع غزة أو سيناء عليها، حتى لو حدث ذلك على فترات متقطعة.
· ويواجه نتنياهو مشكلة مضاعفة، ففي القطاع بدأ الهدوء الذي تم إحرازه بعد عملية "عمود سحاب" يتآكل بالتدريج. وعلى الرغم من حرصه على أن يردّ مباشرة على كل عملية إطلاق صواريخ، فإن إطلاق الصواريخ لا يتوقف. بموازاة ذلك لا يوجد لدى إسرائيل عنوان حقيقي في سيناء يمكن أن توجّه ردها إليه، أولاً، لكون المعلومات الاستخباراتية المتعلقة بالفصائل الجهادية هناك محدودة نسبياً، وثانياً، وهو الأهم، لكون إسرائيل راغبة في الامتناع من خوض أي مواجهة عسكرية مع المصريين. ومع أن سيطرة المصريين الهشّة على سيناء تقلق إسرائيل، إلاّ إن استمرار التنسيق الأمني معهم يظل أهم كثيراً بالنسبة إليها. بناء على ذلك، فإن "مجلس الشورى" يشكل هدفاً سهلاً للمس به، ولمعاقبة غزة وسيناء في الوقت نفسه. ومع هذا، فإن المشكلة الحقيقية في غزة غير كامنة في الفصائل المتطرفة فحسب، بل في حركة "حماس" أيضاً، التي يبدو أنها تغضّ الطرف عن إطلاق الصواريخ، أو أنها ببساطة غير قادرة على أن تفرض سيطرتها على تلك الفصائل.
· بيد أن الجبهة الأكثر سخونة بالنسبة إلى نتنياهو الآن هي منطقة الحدود الشمالية، لا الضفة أو القطاع أو سيناء. وفي الأيام القليلة الفائتة نشرت وسائل الإعلام العربية أنباء تفيد بأن إسرائيل قامت بشنّ هجوم على سورية، وتبيّن لاحقاً أنها عارية عن الصحة، لكن ذلك لا يعني أن هجوماً كهذا غير محتمل قريباً.
· ومن الملاحظ أن منسوب العصبية في إسرائيل آخذ في التصاعد، ذلك بأنه كلما ازدادت أوضاع الحرب الأهلية الدائرة في سورية تعقيداً، يصبح من الصعب أكثر فأكثر على إسرائيل أن تقوم بمراقبة مصير مستودعات الأسلحة الكيميائية الموجودة في حيازة نظام بشار الأسد عن كثب. وقد أعلن كل من رئيس الحكومة نتنياهو، ووزير الدفاع يعلون، أنه في حال إقدام نظام الأسد على نقل أسلحة كيميائية إلى حزب الله، فإن إسرائيل ستتدخل لإحباط ذلك.
· ومعروف أن الخطوط الحمر الأميركية فيما يتعلق بالأسلحة الكيميائية مغايرة تماماً للخطوط الحمر الإسرائيلية، إذ إن الإدارة الأميركية أعلنت أن استخدام نظام الأسد الأسلحة الكيميائية ضد المتمردين من شأنه أن يغيّر قواعد اللعبة، وأن يجعلها تتدخل، لكن بعد كشف النقاب عن استخدام النظام هذه الأسلحة فإن هذه الإدارة بدأت تتلكأ. ولا بد من القول إن إسرائيل تبدو غير متحمسة لأن تتدخل الولايات المتحدة في سورية في هذا الوقت بالذات، فضلاً عن أنها تخشى من أن يتم اتهامها بتوريط الولايات المتحدة في حرب أُخرى، كما جرى اتهامها في سنة 2003 بتوريطها في الحرب على العراق.
· وعلى خلفية هذه الأجواء المشحونة أجرت قيادة المنطقة العسكرية الشمالية أمس (الثلاثاء) مناورات كبرى لتجنيد تشكيلات الاحتياط، من دون أن يتم تبليغ وزير الدفاع بشأنها مسبقاً. وعلى ما يبدو، فإن هذه المناورات جاءت في إطار تحضير الجيش الإسرائيلي لاحتمال اندلاع مواجهة عسكرية مع سورية أو مع لبنان. ولولا قيام الجيش الإسرائيلي على وجه السرعة بتفسير الهدف الحقيقي من وراء هذه المناورات، لكان من الممكن أن تؤدي إلى ما لا يُحمد عُقباه، ولا سيما في ظل الأجواء المشحونة التي تشهدها منطقة الحدود الشمالية في الآونة الأخيرة.