على الرغم من إعلان وفد الجامعة العربية، فإن استئناف المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين لا يبدو وشيكاً
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

·       انتظر كبار المسؤولين في وزارة الخارجية الإسرائيلية، الذين اشتركوا أمس (الأربعاء) في أول اجتماع عقده معهم رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الذي يشغل أيضاً منصب وزير الخارجية، أن يسمعوا من هذا الأخير تعقيباً على الإعلان الصادر عن وفد الجامعة العربية في واشنطن أمس الأول (الثلاثاء)، لكنه لم ينبس ببنت شفة.

·       وكان وفد الجامعة العربية أعلن، من خلال بيان تلاه رئيس الحكومة القطرية حمد بن جاسم آل ثاني في سياق مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الخارجية الأميركية جون كيري، أن الجامعة على استعداد لإجراء تعديلات طفيفة على خطوط 1967 من خلال تبادل أراضٍ متفق عليها. ولا بد من الإشارة في هذا الشأن إلى أن هذه الفكرة ليست جديدة، وإلى أن مبدأ تبادل الأراضي بين إسرائيل والفلسطينيين طُرح في جميع جولات المفاوضات التي جرت بين الجانبين منذ قمة كامب ديفيد التي عُقدت في سنة 2000 بين رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق إيهود باراك، ورئيس السلطة الفلسطينية السابق ياسر عرفات، وقد وافق فيها هذا الأخير على تبادل أراضٍ بنسبة تتراوح ما بين 3% و4% من مساحة الضفة الغربية.

·       كما وافق الفلسطينيون في المفاوضات التي جرت بعد مؤتمر أنابوليس خلال سنتَي 2007 و2008 على تبادل أراض بنسبة 1,9%. وفي أيلول / سبتمبر 2010، عندما جرت عدة جولات مفاوضات بين الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو، والسلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس، عرض الفلسطينيون وثيقة مكتوبة تتضمن استعداداً لتبادل أراضٍ بنسبة 1،9% من مساحة الضفة. وفي المحادثات الشفوية أبدى الفلسطينيون استعدادهم لمرونة أكبر وتبادل أراضٍ بنسبة 4%.

·       ومع ذلك، فإنه لا يصدر كل يوم عن الدول العربية تصريحات إيجابية إزاء إسرائيل، ولو في الحد الأدنى. ونما إلى علمنا أن نتنياهو بادر، فور إحاطته علماً بمضمون إعلان رئيس الحكومة القطرية نيابة عن الجامعة العربية، إلى إجراء مداولات مع مستشاريه، ومع عدد من الوزراء، فيما يتعلق بردة الفعل الإسرائيلية على هذا الإعلان. وفي البداية درس نتنياهو إمكان إصدار ردة فعل إيجابية، وقد حثته على ذلك وزيرة العدل تسيبي ليفني، المسؤولة عن ملف المفاوضات مع الفلسطينيين في الحكومة، والتي ما زالت تربطها برئيس الحكومة القطرية علاقات وثيقة منذ أن كانت تشغل منصب وزيرة الخارجية في الحكومة الإسرائيلية السابقة برئاسة إيهود أولمرت. غير أن حادثة قيام فلسطيني بقتل مستوطن إسرائيلي [بالقرب من حاجز زعترة في شمال الضفة الغربية] خلط الأوراق كلها، وتسبب بامتناع رئيس الحكومة من اتخاذ موقف إيجابي إزاء إعلان الجامعة العربية. وتم الاكتفاء بإصدار بيان مقتضب أعربت فيه "مصادر سياسية رفيعة المستوى في القدس" عن شكرها للجامعة العربية على تشجيعها الفلسطينيين على العودة إلى مائدة المفاوضات.

·       ويمكن القول إن سبب ردة فعل نتنياهو الفاترة على إعلان الجامعة العربية لا يعود فقط إلى حادثة مقتل المستوطن، بل أيضاً إلى حقيقة أنه يرفض حتى الآن أن يقبل على رؤوس الأشهاد مبدأ إجراء مفاوضات مع الفلسطينيين على أساس خطوط 1967 مع تبادل أراضٍ. وعندما أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما في أيار / مايو 2011 تأييده هذا المبدأ، شن رئيس الحكومة هجوماً علنياً حاداً عليه.

·       ويدّعي موظفون كبار سابقون عملوا مع رئيس الحكومة خلال ولايته السابقة أن هذا الأخير أبدى في جلسات مغلقة موافقته على هذا المبدأ، لكنه رفض أن يجاهر بذلك علناً، لاعتقاده أن ذلك يشكل تنازلاً قبل بدء المفاوضات. ورأى الأميركيون والفلسطينيون أن موقفه هذا يثبت أنه غير معنيّ بأن يدفع حل الدولتين قدماً.

·       وأثارت ردة فعل نتنياهو الفاترة هذه خيبة أمل لدى وزير الخارجية الأميركية كيري، لكنه على الرغم من ذلك شدّد على أنه تمكّن من إحراز تقدّم على طريق استئناف المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، وكال المديح لردّة الفعل الإيجابية الصادرة عن كل من رئيس الدولة الإسرائيلية شمعون بيرس، والوزيرة ليفني، على إعلان الجامعة العربية. ولا شك في أن ما يزيد في خيبة أمل كيري هو أن جهوده لم تساهم حتى الآن في تحريك العملية السياسية قيد أنملة، أو في ثني نتنياهو وعباس عن المواقف التي يتمسك بها كل منهما. ومعروف أن عباس ما زال متمسكاً بمطالب سابقة مثل تجميد أعمال البناء الإسرائيلية في المستوطنات، وإطلاق أسرى فلسطينيين، وإجراء مفاوضات على أساس خطوط 1967 مع تبادل أراضٍ. وفي المقابل، فإن نتنياهو ما زال متمسكاً بمطلب بدء المفاوضات بمناقشة الترتيبات الأمنية، والاعتراف بإسرائيل دولة يهودية، ولا يطرح موقفاً واضحاً فيما يتعلق بقضية الحدود، ويرفض تقديم أي مبادرات حسن نية إلى الفلسطينيين، كما يرفض إجراء مفاوضات على أساس خطوط 1967 وتبادل أراضٍ. وفي ظل وضع كهذا يصعب توقع استئناف المفاوضات قريباً، ويبدو أن ما كان حتى الآن هو ما سيكون.

 

·       وعلى الرغم من أن رئيس الحكومة أعلن أمس خلال اجتماعه بكبار المسؤولين في وزارة الخارجية الإسرائيلية، أنه يجب التوصل إلى تسوية مع الفلسطينيين تمنع تحوّل إسرائيل إلى دولة ثنائية القومية، معبّراً بذلك عن إدراكه أن حل الدولتين ضروري لضمان استمرار المشروع الصهيوني، فإنه لا يفعل شيئاً لدفع مثل هذه التسوية قدماً، وما زال يفضّل القيام بمناورات دعائية بدلا من أن يقدم على اتخاذ مبادرة سياسية.