لماذا يختلف الهجوم الكيميائي على ضاحية دمشق عن عمليات قتل المدنيين بالسلاح التقليدي؟
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال
المؤلف

 

  • قرر الرئيس أوباما القيام بعملية عقابية محدودة زمناً وحجماً من أجل ردع نظام الأسد عن استخدام السلاح الكيميائي من جديد. وقد تعرض الرئيس الأميركي لانتقادات كثيرة داخل إسرائيل وفي العالم بسبب قراره القيام بتدخل محدود فقط ، لأن الحرب الأهلية السورية تسببت بمقتل 110,000 سوري أغلبيتهم من المدنيين، وعلى الرغم من ذلك لم تقم الولايات المتحدة بأي عمل عسكري لوقف هذه المذبحة.
  • والسؤال المطروح لماذا يستحق المدنيون الذين قتلوا في ضواحي دمشق بالسلاح الكيميائي معاملة مختلفة؟ ينقسم المنتقدون لقرار أوباما إلى مجموعتين: مجموعة أولى توصلت إلى خلاصة مفادها انه بما أن الولايات المتحدة لم تقم بعمل عسكري رداً على أعمال القتل السابقة لمجموعة من الأسباب الجيدة، عليها اليوم أيضاَألا تقوم بعمل عسكري. أما المجموعة الثانية فتطالب الولايات المتحدة بتدخل عسكري واسع في الحرب الأهلية من أجل إسقاط الأسد وإنهاء أعمال القتل.
  • إن هدف هذا المقال تفسير لماذا استخدام السلاح الكيميائي يستوجب معاملة خاصة مختلفة.
    ......
  • قد يكون السلاح الكيميائي أقل تسبباً بالموت من السلاح البيولوجي والنووي، لكنه ينتمي إلى فئة أسلحة الدمار الشامل. وتبقى الفائدة من استخدام هذا السلاح ضد جيش مدرب ومزود بوسائل الحماية محدودة للغاية.
  • ولا يشكل السلاح الكيميائي ذخيرة يمكن استخدامها في الحروب بين الجيوش بسبب الصعوبة الشديدة في توقع النتائج التي قد يسفر عنها، وكذلك لأن استخدامه مرتبط بعوامل خارجية مثل ظروف الطقس ووضع الناس في المناطق التي استخدم فيها هذا السلاح. فهل يتمركزون في مناطق محددة أم يعيشون بشكل مبعثر. وهل هم داخل مساكنهم أم خارجها إلخ..
  • وفي ما يتعلق بالهجوم الكيميائي على ضاحية دمشق، هناك دلائل تشير إلى أن النظام السوري خطط لهجوم كيميائي محدود جداً إلا أنه فوجئ بحجم المصابين. في المقابل، فإن السلاح الكيميائي يستطيع أن يؤدي إلى قتل جماعي للناس غير المحصنين مثلما جرى في ضاحية دمشق.
  • لقد وضع الرئيس الأميركي باراك أوباما منذ ولايته الأولى هدفاً له هو فرض قيود على أسلحة الدمار الشامل (بصورة خاصة على السلاح النووي).
    فليس من المفاجئ والحال هذه، أن يتبنى مقاربة خاصة تتعلق باستخدام السلاح الكيميائي في سورية.
  • وما يمكن قوله إن العملية العسكرية الأميركية المحدودة التي هدفها المعاقبة والردع عن استخدام السلاح الكيميائي من جديد، هي أمر ممكن وأضرارها المحتملة ضئيلة. وكي تستطيع هذه العملية تحقيق أهدافها يجب أن تنقل رسالة إلى نظام الأسد مفادها أن استمرار استخدام السلاح الكيميائي سيؤدي إلى عمليات عسكرية غربية جديدة تلحق ضرراً كبيراً بقدرة النظام على البقاء.
    ويمكن تحقيق هذا الهدف من خلال شن هجوم على أهداف تعتبر مهمة لبقاء النظام مثل الوحدات العسكرية ووسائل القتال التي تلعب دوراً مهماً في الحرب الأهلية.
  • ويجب أن تكون العملية محدودة وفعالة بمعنى أن الأهداف التي تهاجم وتدمر يجب أن تكون أهدافاً ضرورية لبقاء النظام. لكن حجم العملية يجب أن يبقى محدوداً، وكذلك الضرر الذي سيلحق بصمود النظام.
  • من ميزات هذه العملية ضعف احتمالات حدوث تصعيد نتيجة رد النظام السوري. فإذا كانت مصلحة النظام السوري المحافظة على بقائه، فهو لن يرد على الولايات المتحدة وحلفائها.
  • إن التخوف من التصعيد وانزلاق الأزمة إلى دول أخرى في الشرق الأوسط كان أحد الأسباب لتقدير الإدارة الأميركية أن التدخل العسكري في الحرب الأهلية سيضر أكثر مما قد ينفع.
  • في المقابل، إذا كان الهجوم الأميركي غير فعال، مثل إصابة مواقع خالية بالصواريخ البحرية، فإن هذا سيؤدي إلى إلحاق أضرار كبيرة في صدقية الولايات المتحدة وفي قدرتها على الردع.
  • في نظر إسرائيل، فإن هجوماً عقابياً محدوداً يشكل السيناريو الأكثر ملاءمة بالنسبة إليها. صحيح أن الإنجازات ستكون محدودة، لكن من مصلحة إسرائيل الموجودة في منطقة فيها أكبر مخازن السلاح الكيميائي في العالم التشديد على  مبدأ عدم استخدام السلاح الكيميائي.
  • من جهة أخرى، فإن احتمال أن تنجر إسرائيل إلى مواجهة عسكرية غير ضرورية بسبب الرد السوري على الهجوم الأميركي احتمال ضئيل.
    وفي مثل هذا السيناريو، من المحتمل ألا نحتاج إلى استخدام بطاريات القبة الحديدية وحيتس وباتريوت.