التصعيد في الجنوب يخدم إسرائيل، الحكومة الإسرائيلية تريد استدراج "حماس" إلى مواجهة عسكرية كي تثبت عدم "وجود محاور" فلسطيني
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

·       لا يمكن أن يحصل مؤيدو الهجوم على إيران على مشهد مقنع أكثر من مشهد تبادل إطلاق النار الحاصل بين إسرائيل وغزة كي يقولوا إن المليون مواطن إسرائيلي الذين يعيشون حالياً تحت النار في جنوب إسرائيل، هم نموذج لما سيحدث عندما ستمتلك إيران السلاح النووي، حينها سيكون هناك سبعة ملايين إسرائيلي تحت خطر السلاح النووي. وعلى الأرجح فإن مؤيدي شن هجوم على إيران سيستخدمون ما يجري للتشديد على ضرورة القيام بهذا الهجوم، مدعين أن الوقت الحالي هو الوقت الأفضل نظراً إلى ملاءمة الطقس، وإلى أن الدبلوماسية الدولية مشغولة بسورية، كذلك سيقولون إن النجاعة التي أثبتتها منظومة القبة الحديدية لدى اعتراضها نحو 95٪ من الصواريخ التي أُطلقت في الأيام الأخيرة من غزة على إسرائيل هي أفضل دليل على أن مهاجمة إيران لن تلحق ضرراً بمواطني إسرائيل. من هنا فإن التصعيد الأخير يخدم هذه الفئة من الإسرائيليين التي ترى أن لا مفر من مهاجمة إيران.

·       من ناحية أخرى، من الصعب معرفة الافتراض الذي تستند إليه إسرائيل في قولها إنها لا ترغب في تصعيد الوضع. فهي، على الأرجح، توقعت أن تتسبب عملية اغتيال القيسي برد مسلح من جانب لجان المقاومة الشعبية والجهاد الإسلامي. لكن، هل أخذت إسرائيل في اعتبارها احتمال أن يؤدي الرد على عملية الاغتيال إلى وقوع عدد من القتلى الإسرائيليين أكبر من العدد الذي كان يمكن أن يقع بسبب الهجوم الذي كان يخطط له القيسي؟

·       إن عدم وجود جواب واضح عن هذا السؤال يدفعنا إلى الافتراض أن متخذي قرار تصفية القيسي استندوا في قرارهم إلى استراتيجيا الرد المحدود، أي الاستراتيجيا التي تقوم على مبدأ اغتيال وردة فعل ورد على الرد، بحيث يبقى مستوى المواجهة مضبوطاً من جانب الجيش الإسرائيلي، بالإضافة إلى التصريحات المعتادة القائلة إن "إسرائيل لا ترغب في تصعيد الوضع"، فهل هذا صحيح؟

·       كيف نفسر تصريحات رئيس أركان الجيش الإسرائيلي قبل بضعة أسابيع، والتي أشار فيها إلى حتمية القيام بعملية واسعة في غزة؟ وماذا لو لم يتبن الجهاد الإسلامي الاستراتيجيا الإسرائيلية، ولم يوقف إطلاق النار؟ فهل سيقوم رئيس الأركان بتنفيذ تهديده، وتشن إسرائيل عملية "رصاص مسبوك ثانية"؟

·       في مقابل ذلك، يبدو سعي "حماس" لوقف التصعيد، الذي أخذها على حين غرة، مفهوماً. إذ تعاني الحركة من خلاف سياسي داخلي، وتبحث قيادتها بعد مغادرتها سورية عن مقر لها، وحتى الآن لم يثمر الحوار مع "فتح" عن اتفاق على حكومة وحدة وطنية. كذلك تواجه الحركة نقاشاً أيديولوجياً في ظل إعلان حركة الإخوان المسلمين، التي تشكل مرجعها الأيديولوجي، استعدادها التحاور مع الولايات المتحدة ودرس اتفاقات كامب ديفيد.

·       لقد استطاعت حركة "حماس"، على الرغم من عدم سيطرتها الكاملة على جميع التنظيمات الناشطة في غزة، إلى التوصل إلى تفاهمات مهمة مع مختلف هذه التنظيمات، بمن فيهم الجهاد الإسلامي، من أجل المشاركة في عملية المصالحة مع "فتح". كما تقود "حماس" سياسة خارجية مكثفة، ولا سيما مع مصر التي تضمن انتقال المواطنين الفلسطينيين عبر معبر رفح وتساعد في مرور البضائع عبر الأنفاق وتؤمن مادة السولار الضرورية من أجل توليد الكهرباء في غزة. ومما لا شك فيه أنه لم يعد في مقدور "حماس" الانفصال عن مصر، وهي باتت تابعة للسياسة المصرية تجاه إسرائيل، وقد ساهمت هذه التبعية لمصر في التوصل إلى وقف إطلاق نار طويل أثبت صموده، ولا سيما بعد توقيع المصالحة مع "فتح"، وتصريحات خالد مشعل التي قال فيها إن "حماس" ستتبنى النضال غير المسلح ضد إسرائيل.

·       لكن يبدو أن هذا  التغيير في مواقف "حماس" لم يقنع إسرائيل، ناهيك عن أنه يؤذي سياستها القائلة بعدم "وجود محاور فلسطيني"، ويعرقل مساعيها الرامية إلى منع قيام حكومة وحدة فلسطينية، والتي في حال قيامها ستؤدي إلى تجديد المطالبة الفلسطينية من الأمم المتحدة بالاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة. لذا، من الضروي بالنسبة إلى إسرائيل استدراج "حماس" إلى عملية عسكرية ضدها.

·       حتى الآن لم يحدث ذلك، فما زالت "حماس" تفضل المسعى الدبلوماسي، وقد أجرت في الأيام الأخيرة لقاءات مكثفة مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة في مصر.

وعلى الأرجح سيكون على إسرائيل انتظار مناسبة أخرى لاستدراج "حماس". لكن يمكن القول إنها نجحت، ولو لزمن قصير، في تحويل انتباه الدبلوماسية العربية من الموضوع السوري إلى الموضوع الإسرائيلي الفلسطيني.