الخوف هو أن يتحول الجولان بعد رحيل الأسد إلى قاعدة لإطلاق الصواريخ على إسرائيل
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

 

·       حذّر رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أمس من أن "حجم التهديدات التي تواجهها إسرائيل أكبر كثيراً من الماضي"، لكنه سارع إلى طمأنتنا بأن "الجيش والأجهزة الأمنية أقوى ممّا كانا عليه في الماضي." ويطلق نتنياهو أسبوعياً تحذيراً بشأن الخطر النووي الإيراني، ويُكثر من طرحه أمام السياسيين الأجانب، وقد تعهّد عشية الاحتفال بذكرى المحرقة بأن إسرائيل لن تترك مصيرها في يد الآخرين، ولا حتى في يد أعزّ أصدقائها.

·       وشغلت ذكرى المحرقة أيضاً رئيس الأركان بني غانتس، لكن الأمور في قيادة الجيش الإسرائيلي تبدو مختلفة قليلاً عمّا تبدو عليه في ديوان رئاسة الحكومة. فإيران البعيدة تبدو في قيادة الجيش مشكلة مطروحة على "المجتمع الدولي"، أي الولايات المتحدة، أمّا الأخطار بالقرب من الحدود فتبدو حقيقة وأكثر قرباً، ويمكن أن تنفجر في أي وقت.

·       إن الخطر الأساسي هو ما يجري في سورية حيث نشهد نهاية أربعين عاماً من الهدوء الذي ساد منذ انتهاء حرب يوم الغفران [حرب تشرين الأول / أكتوبر 1973]. صحيح أن بشار الأسد لا يزال في الحكم، لكن عهد ما بعد الأسد بدأ. فقد تحوّل الجيش السوري إلى ميليشيات تقاتل من أجل مستقبل سورية، وليس في استطاعة أحد أن يتنبأ بما إذا كانت سورية ستبقى دولة موحدة، أم إنها ستنقسّم إلى جيوب طائفية، ولا أحد يستطيع أن يعرف المدة الزمنية التي ستستغرقها المرحلة الانتقالية والاقتتال الداخلي.

·       إن السيناريو الأكثر إثارة للقلق فيما يتعلق بالشمال هو أن تتعرض إسرائيل للهجوم بعد رحيل الأسد، وأن يتحول الجولان السوري إلى صيغة جديدة من قطاع غزة، أو الجنوب اللبناني، أي قاعدة لإطلاق الصواريخ على إسرائيل، وهذا ما يُقلق القيادة العسكرية.  فسيطرة الأسد على الجولان آخذة بالتلاشي وقواته تتجمّع حول دمشق استعداداً للمعركة الحاسمة عليها، وتقاتل للسيطرة على مطارها الدولي. وما حوادث إطلاق النار التي شهدها الجولان في الأسابيع الأخيرة سوى مقدمة لهذا السيناريو المرعب.

·       ماذا في إمكان إسرائيل أن تفعل؟ قبل أي شيء عليها أن تدرك أن خط فصل القوات في الجولان لم يعد الحدود الهادئة التي عرفناها خلال العقود الأربعة الماضية، ولكن وعي ذلك لم يصل بعد إلى إدراك الجمهور . في العام المنصرم تم تكثيف الانتشار على طول هذا الخط، كما جرى استبدال قوات الاحتياط بقوات الجيش النظامي، وتطوير وسائل المراقبة والعوائق من خلال الاستفادة من دروس بناء السياج على الحدود مع لبنان، والسياج مع الضفة الغربية وفي النقب.

·       الأمر الثاني الذي تستطيع إسرائيل القيام به هو سياسي. فقد قامت إسرائيل بتوطيد تحالفها مع الأردن الذي لديه حدود مع الجولان السوري أطول كثيراً من حدودنا، والذي يشعر فيه المسؤولون بالقلق جرّاء تدفق اللاجئين السوريين. فالعاهل الأردني الملك عبد الله الذي هاجم نتنياهو بشدة في الماضي، يعتبره اليوم من الذين يساهمون في الاستقرار. ومن جهة أُخرى، بادرت إسرائيل إلى الاعتذار من تركيا عن حادثة سفينة مرمرة، وبرّرت الدولتان المصالحة فيما بينهما بخوفهما المشترك من الوضع في سورية.

·       بيد أن الخطوة الأكثر جرأة هي العلاقة التي أقيمت مع جزء من الثوار، بهدف إيجاد طرف يمكن التحدث إليه في سورية بعد سقوط الأسد من أجل الحدّ من خطر حدوث تعقيدات عسكرية. وفي هذا الإطار كذّبت مصادر عسكرية إسرائيلية ما نشره الإعلام العربي بشأن تزويد إسرائيل الثوار في سورية بالسلاح.

·       لكن في حال لم تكن هذه الخطوات كافية، فإن إسرائيل قد تجد نفسها في مواجهة معضلة تشبه تلك التي تعرفها على حدودها مع غزة ولبنان، وهي: كيف تحقق إسرائيل الهدوء والردع من دون أن تغزو وتحتل أراضي خارج الحدود، أو تتورط في مواجهة أوسع؟

 

·       لا يوجد في الجيش الإسرائيلي حماسة لإنشاء "حزام أمني" في الجولان السوري، وهو يفضّل أن تكون هناك قوة محلية تفرض الهدوء وتمنع إطلاق الصواريخ والقذائف على الأراضي الإسرائيلية. ويمكننا الافتراض أن هذه المشكلة تشكل جوهر الحوار داخل المثلث الإسرائيلي ـ الأميركي ـ الأردني. ومن المنتظر أن تستحوذ هذه المشكلة أيضاً على نقاشات المجلس الوزاري الجديد.